Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

Cabd Allah Akhwad d. 1450 AH
45

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Nau'ikan

131

والاتهام في بعض الأحيان».

وسبيلنا في هذا المبحث أن نتتبع بعض هذه الملاحظات حول الآليات المنهجية التي شغلها الجابري في مشروعه، ملتزمين قدر الإمكان بما يخدم الموضوع وينمي الأفكار ويقرب المسافات، ويبحث عن نقاط القوة في المشروع؛ لتحصيل التراكم في مجال البناء المعرفي والمنهجي، وعن نقاط الضعف لتجاوزها والتنبيه عليها، وإن كانت المباحث السابقة قد تعرضت لجزء من نقائص المشروع وأشارت إليها، وبعض نقاطه المضيئة؛ فإن هذا المبحث يواصل هذا النقد على مستويين: مستوى المفاهيم والنقد الإبستيمولوجي الذي اختاره الجابري في مشروعه. (4-1) على مستوى المفاهيم

إن «الصراع» اليوم يكاد ينحصر بين الحضارات والثقافات حول الأفكار ومفاهيمها ومناهجها؛ لأن امتلاك المزيد من المفاهيم وإنتاجها والسيطرة عليها والقدرة على ترويجها والتمكين لها، تمكين للمشروع الحضاري لمجتمع هذه المفاهيم؛ ولهذا كانت وما تزال المشكلة المنهجية المعرفية في الفكر المعاصر هي مشكلة المفاهيم والمناهج وتحولاتها من حقل معرفي إلى آخر، وقد شهد الغرب هذا النقاش والصراع بين مفاهيم الكنيسة ومفاهيم الطبيعة - المادة، سالت فيها الدماء، وبعد ذلك انتقل الصراع بين العلوم الحقة (الفيزياء - الرياضيات - العلوم الطبيعية) التي شهدت نقلة نوعية على مستوى إنتاج المفاهيم والمناهج إلى درجة أغرت علماء الإنسانيات باستعارتها؛ لأنها في رأيهم أقدر على تحقيق «العلمية» و«الموضوعية» وتحقيق أفضل النتائج. لكن هذه الاستعارة لم تسلم من انتقادات الاتجاهات الرافضة لفكرة «الوحدة المنهجية بين العلوم الطبيعية والإنسانية أمثال «ريكرت» و«فندلباند» رافضين النظر إلى العلوم الطبيعية كمثل أعلى للفهم العقلي للواقع، فهم يؤكدون على وجود تعارض بين علوم؛ مثل الفيزياء أو الكيمياء أو الفسيولوجيا تهدف إلى تعميمات عن ظواهر متكررة ومطردة ويمكن التنبؤ بها وبين علوم التاريخ تريد إدراك الخصائص الفردية لموضوعاتها.»

132

فالوحدة المنهجية والمفاهيمية مرفوضة لأنها قائمة على افتراض غير مؤكد فحواه أن المنهجيات الموظفة من قبل علماء الطبيعة هي وحدها المتصفة بالعلمية، فهذا التداخل بين المفاهيم والإنزال القسري لها في مجال العلوم الإنسانية ودراسة النظم الثقافية شكل حلقة من حلقات التخلف في الفكر الغربي، وكانت ضريبته قاسية عبر عنها ماركوز ب «إنسان البعد الواحد» في هذا الفكر حيث تم اختزاله في البعد المادي ، وعبر عنها عبد الوهاب المسيري بالواحدية المادية أو «النموذج التراكمي الذي يؤمن بأن كل المشتركين في العلوم (...) يفكرون بالطريقة نفسها ويسألون الأسئلة نفسها، مما يعني أن ثمة حقيقة موضوعية ثابتة واحدة نحاول الوصول إليها جميعا وبالطريقة نفسها، وهذا ما يؤدي إلى تراكم الإجابات وتشابكها على مستوى الجنس البشري بأسره، وهذا التراكم والتشابك سيؤدي إلى التزايد التدريجي لدائرة المعلوم، وبالتالي تقلص دائرة المجهول.»

133

ظل موضوع «المفاهيم وبناؤها واستثمارها موضوع بحث لا يكل في حقول نشاطه الفكري والمعرفي، لذلك تعددت وسائط المعرفة وتنوعت أشكالها، وصار التفكير والتفسير بواسطة الملكات يبنى على تشكيل المفاهيم، سواء كان التشكيل بواسطة التجريد أو بواسطة التعميم، ثم شمل التشكيل بواسطة الحكم ما يخص استعمالات المفاهيم واستثماراتها، فأصبحت صناعة المفاهيم الجديدة شغل الفلسفة والفن ومختلف العلوم.»

134

فالمفاهيم التي ابتكرها الغرب لم تخضع لمسطرة، ولنمطية واحدة في التفسير والاستقرار المفهومي، بل أصبح لكل مرحلة تاريخية في الفكر الغربي مفاهيمها ومصطلحاتها، فمفاهيم العصر الوسيط ليست هي مفاهيم العصر الحديث، ومفاهيم الحداثة ليست بالضرورة هي مفاهيم ما بعد الحداثة.

Shafi da ba'a sani ba