350

Littafin Manazir

كتاب المناظر

Nau'ikan

[1] قد تبين في المقالة الثانية أن أكثر المعاني التي تدرك بحاسة البصر إنما تدرك بالقياس، وتبين ما هي المعاني التي تدرك بالقياس. وقد تبين أن صور جميع المبصرات إنما هي مركبة من المعاني الجزئية. وأكثر أغلاط البصر في المعاني الجزئية وصور المبصرات إنما يكون غلطا في القياس. والغلط في القياس يكون على وجهين: يكون في المقدمات ويكون في ترتيب القياس. والغلط في المقدمات يكون على ثلثة أوجه: أحدها أن يأخذ التمييز مقدمة كاذبة ويظنها صادقة، والثاني أن يأخذ مقدمة جزئية ويظنها كلية، والوجه الثالث هو الغلط في اكتساب المقدمات. وذلك يكون في الإبصار إذا كان في المبصر معان ظاهرة ومعان خفية وقد يمكن أن تظهر عند استقصاء التأمل، واعتمد البصر ما يظهر في المبصر من المعاني التي فيه ولم يستقريء جميع المعاني التي فيه ولم يتأمله تأملا محققا، إما على طريق السهو وضعف التمييز وإما لأنه لا يتمكن في الحال من تأمله. وإذا لم يستقريء البصر جميع المعاني التي في المبصر التي يمكن أن يدركها البصر واعتمد المعاني الظاهرة التي في المبصر وحكم بنتائجها وقطع بنتائجها فهو غالط فيما يدركه من نتائح تلك المعاني. وذلك لأن البصر إذا تأمل المبصر تأملا محققا، وأدرك المعاني المحققة التي لم يكن أدركها، كانت نتيجة المعاني التي يظهرها التأمل المحقق مع المعاني الظاهرة غبر النتيجة التي تنتجها المعاني الظاهرة فقط. وإذا لم يتمكن البصر من تأمل المبصر التأمل المحقق، وأحس بأنه ليس يتمكن من تأمله، فإنه لا يقطع بنتيجة المقدمات الظاهرة، بل يكون شاكا غير متيقن لتلك النتيجة. فإن لم يستقريء البصر جميع المعاني التي في المبصر ولم يتمكن من استقراء جميع المعاني التي في البصر، وعول على المعاني الظاهرة، وسكن إلى نتائجها ولم يشك مع ذلك في نتائجها، فهو غالط في القياس من حيث هو غالط في اكتساب مقدمات القياس ومنتج ببعض المقدمات التي ينبغي أن تكون النتيجة بجميعها. وأغلاط البصر في القياس تكون على الوجوه التي فصلناها.

<غلط البصر في القياس من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال>

.ا.

[2] فأما كيف يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، إذا عرض الغلط في مقدار البعد، فكالأشخاص القائمة على وجه الأرض، مثل النخل والشجر والعمد، إذا أدركها البصر من بعد متفاوت مسرف التفاوت، وكانت تلك النخل والشجر والعمد مختلفة الأبعاد، وكانت على سموت متفرقة بحيث لا يستر بعضها بعضا، وكانت مع ذلك متشابة الصور في اللون وفي الضوء المشرق عليها: فإن البصر إذا أدرك الأشخاص التي بهذه الصفة فإنه لا يدرك اختلاف أبعادها، ولا يفرق بين الأبعد منها والأقرب إذا كان أقربها متفاوت البعد مسرف التفاوت. وإذا لم يفرق بين الأبعد منها والأقرب فإنه ربما ظن بتلك الأشخاص أو ببعضها أنها متساوية الأبعاد. وإذا ظن البصر بالبصرات المختلفة الأبعاد أنها متساوية الأبعاد فهو غالط في أبعادها. والغلط في البعد وفي اختلاف البعد وفي تساوي الأبعاد فهو غلط في القياس لأن هذه المعاني إنما تدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو حروج أبعاد الأشخاص التي بهذه الصفة عن عرض الاعتدال. لأن الأشخاص التي بهذه الصفة إذا كانت على أبعاد معتدلة فإن البصر يدرك اختلاف أبعادها على ما هو عليه إذا كانت المعاني الباقية التي في هذه الأشخاص في عرض الاعتدال.

Shafi 412