[34] والإبصار بالتأمل يكون على وجهين: إبصار بمجرد التأمل وإبصار بالتأمل مع تقدم المعرفة. والإبصار الذي يكون بمجرد التأمل هو إبصار المبصرات التي لم يدركها البصر من قبل، أو ليس يذكر إدراكه لها إذا تأملها في حال إدراكها. والإبصار بالتأمل مع تقدم المعرفة هو إبصار جميع المبصرات التي قد أدركها البصر من قبل، وهو ذاكر لإبصارها، إذا استأنف مع معرفتها تأملها واستقرأ المعاني التي فيها. وهذا الإبصار ينقسم قسمين: أحدهما هو الإبصار المألوف للمبصرات المألوفة، وهذا القسسم يكون بالأمارات التي تدرك باليسير من التأمل، واستقراء بعض المعاني التي في المبصرمع تقدم المعرفة. ويكون هذا الإبصار في أكثر الأحوال في زمان غير محسوس، وليس يكون ما يدرك على هذه الصفة إدراكا في غاية التحقيق. والقسم الثاني هو الذي يكون بغاية التأمل واستقراء جميع المعاني التي في المبصر في حال إدراك المبصر مع تقدم المعرفة بذلك المبصر، ويكون في الأكثر في زمان محسوس، ويختلف زمانه بحسب المعاني التي تكون في المبصر. والإبصار الذي بهذه الصفة هو الذي تدرك به المبصرات المألوفة إدراكا في غاية التحقيق.
[35] وبالجملة فإنه ليس يدرك البصر شيئا من المبصرات إدراكا محققا على غاية التحقيق إلا بتأمل جميع المعاني التي في المبصر وتفقد جميع أجزاء المبصر وتمييز جميع المعاني التي في المبصر في حال إدراك البصر للمبصر، تقدمت المعرفة بذلك المبصر أو لم تتقدم. وهذا التحقيق هو بالإضافة إلى الحس، ومعنى ((محققا)) ومعنى ((غاية التحقيق)) في هذا الموضع هو غاية ما يدكه الحس. ومع جميع ذلك فإن إدراك البصر للمبصرات يكون بحسب قوة البصر، فإن الأبصار يختلف إحساسها في القوة والضعف.
[36] فعلى هذه الصفات يكون إدراك البصر للمبصرات. وهذه هي جميع أنواع الإبصار، وهو الذي قصدنا لتبيينه في هذا الفصل. وقد أتينا على تفصيل جميع المبصرات وتفصيل جميع المعاني المبصرة، وبينا جميع المعاني التي بها يتوصل البصر إلى إدراك المبصرات وإلى إدراك المعاني المبصرة، وميزنا جميع الأقسام التي إليها تنقسم جميع أنواع الإبصار. وهذه هي المعاني التي قصدنا لتبيينها في هذه المقالة.
[37] تمت المقالة الثانية من كتاب الحسن بن الحسن في المناظر وانتهى النسخ عشية الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأخرى سنة ست وسبعين وأربعمائة بالبصرة وكتب أحمد بن محمد بن جعفر حامدا لله ومصليا على خير خلقه محمد النبي وآله وصحبه.
Shafi 338