[119] فأما أوضاع أجزاء المبصر بعضها من بعض في التقدم والتأخر فإنما يدركها البصر من إدراك كميات أبعاد الأجزاء عنده، وإدراك اختلاف أبعاد الأجزاء بالزيادة والنقصان. فما كان من المبصرات على أبعاد معتدلة، وكان البصر يدرك مقادير أبعادها، ويدرك مقادير أبعاد أجزائها، ويدرك الاختلاف الذي بين أبعاد الأجزاء عنه وتساويها، فهو يدرك أوضاع أجزاء ذلك المبصر بعضها عند بعض في التقدم والتأخر، أعني في الشخوص والغؤ ور. وما لم يتحقق البصر مقادير أبعادها ومقادير أبعاد أجزائها فليس يدرك البصر ترتيب أجزائها في التقدم والتأخر في حال إبصارها. فما كان مما هذه حاله من المبصرات المألوفة التي يعرفها البصر ويعرف ترتيب صورها، فهو يدرك ترتيب أجزائها في التقدم والتأخر وهيئة سطوحها بالمعرفة لا بمجرد الإبصار في الحال التي ليس يتحقق منها مقادير أبعادها. وما كان من المبصرات الغريبة التي ليس يعرفها البصر فهو يدرك سطوحها كأنها مسطحة ليس فيها تقدم ولاتأخر إذا لم يتحقق مقادير أبعاد أجزائها، وإن كانت أجزاؤها مختلفة الترتيب في التقدم والتأخر. وهذا المعنى يظهر إذا نظر البصر لى جسم فيه تحديب أو تقعير وكان على بعد متفاوت. فإن البصر لا يدرك التحديب والتقعير الذي يكون فيه وإنما يدركه البصر كأنه مسطح لا اختلاف فيه.
[120] فأوضاع أجزاء سطح المبصر بعضها عند بعض في اختلاف الجهات وفي التفرق والاتصال إنما يدركها البصر ويدرك ترتيبها من إدراكه لأجزاء الصورة التي تحصل في البصر لجملة المبصر وإدراكه لاختلاف الألوان والفصول التي تتميز بها الأجزاء، ومن إدراك القوة المميزة لترتيب أجزاء الصورة. وأوضاع أجزاء المبصر وأوضاع أجزاء سطح المبصر بعضها عند بعض في التقدم والتأخر بالقياس إلى البصر إنما يدركها البصر من إدراكه لكميات أبعاد الأجزاء وإدراكه لاختلاف كميات أبعادها وتساوي أبعادها. فما يتحقق البصر مقادير أبعاد أجزائه فهو يدرك ترتيب أجزائه في التقدم والتأخر، وما ليس يتحقق مقادير أبعاد أجزائه فليس يدرك ترتيب أجزائه في التقدم والتأخر. فحاسة البصر في الحال التي ليس يتحقق فيها مقادير أبعاد أجزاء المبصر، إذا كان من المبصرات المألوفة التي يعرفها البصر، فهو يدرك ترتيب أجزائه بالمعرفة، وما كان من المبصرات الغريبة فليس يدرك ترتيب أجزائه في التقدم والتأخر إذا لم يدرك مقادير أبعاد أجزائه. فأما أجزاء المبصر المتميزة التي بينها تفرق فإن البصر يدرك ترتيبها من إدراكه المواضع من البصر التي تحصل فيها صور تلك الأجزاء ومن إدراك القوة المميزة للمتفرق الذي بين تلك المواضع من البصر. وكذلك المبصرات المختلفة المتفرقة يدرك البصر ترتيبها من إدراكه للتفرق الذي بين المواضع من البصر التي تحصل فيها صور تلك المبصرات. فأما نهايات سطح المبصر أو سطوحه فإن البصر يدركها ويدرك ترتيبها من إدراكه للجزء من سطحه الذي يحصل فيه لون ذلك السطح وضوؤه ومن إدراك القوة المميزة لنهايات ذلك الجزء ومن إدراكها لترتيب محيط ذلك الجزء. فعلى هذه الصفات يدرك البصر أوضاء أجزاء المبصرات وأوضاع أجزاء سطوح المبصرات بعضها عند بعض، وأوضاع نهايات السطوح وأوضاع الأجزاء المتميزة من المبصرات بعضها عند بعض وأوضاع المبصرات المتفرقة بعضها عند بعض.
Shafi 266