[76] فأما كمية البعد فيختلف إدراك البصر لها، ومنها ما يدرك بحاسة البصر ويتحقق مقداره، ومنها ما ليس يدرك بحاسة البصر حقيقة مقداره. فبعد المبصر عن البصر يدرك من كل مبصر ويتحقق من كل مبصر ، وكمية البعد ليس يتحققها البصر من كل مبصر. وذلك أن المبصرات منها ما يكون بينه وبين البصر أجسام مرتبة متصلة، وهنها ما ليس بينه وبين البصر أجسام مرتبة متصلة، ولا يسامت بعده أجساما مرتبة متصلة. فالتي أبعادها تسامت أجساما مرتبة متصلة فإنه إذا أدرك البصر الأجسام المرتبة التي تسامت أبعادها فهو يدرك مقادير تلك الأجسام، وإذا أدرك مقادير تلك الأجسام فهو يدرك مقادير المسافات التي بين أطرافها. والمسافة التي بين طرفي الجسم المرئي المسامت للبعد الذي بين البصر والمبصر، اللذين أحدهما يلي المبصر والآخر يلي الإنسان الناظر، هي بعد المبصر عن البصر، لأنها تسامت المسافة بين البصر والمبصر فإذا أدرك البصر مقدار هذه المسافة فقد أدرك مقدار بعد المبصر. فالبصر يدرك كمية أبعاد المبصرات التي أبعادها تسامت أجساما مرتبة متصلة من إدراكه لمقادير الأجسام المرتبة المسامتة لأبعادها.
[77] وهذه المبصرات منها ما أبعادها معتدلة ومنها ما أبعادها خارجة عن الاعتدال. فالتي أبعادها معتدلة فالبصر يدرك مقادير أبعادها إدراكا صحيحا متيقنا. وذلك أن المبصرات التي أبعادها معتدلة وبينها وبين البصر أجسام مرتبة متصلة فإن البصر يدركها إدراكا صحيحا متيقنا. وإذا كان يدرك هذه المبصرات إدراكا متيقنا فهو يدرك الأجسام المرتبة المتوسطة بينه وبينها إدراكا متيقنا. فإذا أدرك هذه الأجسام إدراكا متيقنا فهو يدرك المسافات التي بين أطرافها إدراكا متيقنا. وإذا كان يدرك المسافات إدراكا متيقنا فهو يدرك مقادير أبعاد المبصرات المسامتة لهذه المسافات إدراكا متيقنا. فالمبصرات التي أبعادها تسامت أجساما مرتبة متصلة وأبعادها عن البصر أبعاد معتدلة فالبصر يدرك مقادير أبعادها إدراكا صحيحا متيقنا. وأريد بالتيقن غاية ما يدركه الحس.
Shafi 247