156

Littafin Manazir

كتاب المناظر

Nau'ikan

[27] فإذا استقرئت أحوال المبصرات، وميزت كيفية إدراك البصر للمبصرات التي يدركها البصر معا، وكيفية إدراك البصر لأجزاء المبصر الواحد، وجدت أحوالها موافقة للمعنى الذي حددناه ومطردة لا تختلف ولا تنتقض. وذلك أن الناظر إذا قابل في الوقت الواحد مبصرات كثيرة، وسكن بصره ولم يحركه، فإن ما كان من تلك المبصرات مقابلا لوسط بصره يجده أبين مما يكون عن جوانب ذلك المتوسط، وما كان قريبا من المتوسط يكون أبين مما يكون بعيدا عنه. وكذلك إذا نظر الناظر إلى مبصر فسيح الأقطار وقابل ببصره وسط ذلك المبصر وسكن بصره، فإنه يدرك وسط ذلك المبصر أبين ما يدرك أطرافه وحواشيه. ويتبين هذا المعنى بيانا واضحا إذا كانت أشخاص كثيرة أو مبصرات كثرة، وكانت تلك المبصرات متتالية، وكانت على مسافة معترضة للبصر، وكان الناظر مقابلا لشخص منها متوسط بين تلك الأشخاص الباقية ونظر الناظر إلى الشخص المتوسط وسكن بصره، فإنه يدرك ذلك الشخص إدراكا بينا محققا، ويدرك مع ذلك أيضا الأشخاص الباقية التي عن جنبتي ذلك الشخص ولكن إدراكا ليس في غاية البيان، ويحس بما قرب من المتوسط أبين ما يحس بالبعيد منه. وتظهر هذه الحال ظهورا أبين إذا كانت المسافة التي عليها تلك الأشخاص طويلة وكان بين المتطرف من تلك المبصرات وبين المتوسط منها مسافة مقتدرة، فإن المبصرات التي يدركها الناظر على هذه الصفة يكون بين إدراكه المتوسط منها وبين إدراكه المتطرف عند سكون البصر تفاوت ظاهر.

[28] ثم إن حرك الناظر بصره وقابل بوسطه مبصرا آخر من تلك المبصرات غير ذلك المبصر الذي كان مقابلا له، فإنه يدرك هذا الثاني إدراكا بينا، ويصير إدراكه للأول إدراكا ضعيفا. وإن قابل ببصره الشخص المتطرف من تلك الأشخاص وحقق التحديد إليه أدركه إدراكا أبين مما كان يدركه في الحالة الأولى، ويكون تبينه له بحسب ما يقتضيه بعده منه، ويدرك مع ذلك الشخص المتوسط في هذه الحال إدراكا ضعيفا مع قربه منه، ويكون بين إدراكه للمبصر المتوسط في حال مقابلته للمتطرف وبين إدراكه لذلك المتوسط في حال مقابلته له تفاوت ظاهر محسومس.

[29] وكذلك إذا نظر الناظر إلى جسم فسيح الأقطار، وكان بين أطرافه وبين وسطه أبعاد مقتدرة، وقابل بوسط بصره وسط ذلك المبصر، وسكن بصره وتفقد إدراكه لذلك المبصر، فإنه يجد إدراكه لوسط ذلك المبصر أبين من إدراكه لأطرافه، ويجد بين الإدراكين تفاوتا ظاهرا، ويجد ما قرب من الوسط من أجزائه أبين مما بعد عن الوسط. وإن حرك بصره وقابل جزءا غيرذلك الجزء من المبصر صار إدراكه للجزء الثاني أبين من إدراكه لذلك الجزء في الحالة الأولى، وصار إدراكه للجزء الأول أضعف من إدراكه له في الحالة الأولى.

Shafi 215