ويستفاد منه ما يأتي: أولًا: وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات، وان التسبيع أمر لا بد منه، وهو مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: لا يجب التسبيع وإنما يجب غسله فقط، والحديث في دلالة ظاهرة على وجوب غسل الإناء سبعًا كما ذهب إليه الجمهور (١) من الصحابة والتابعين وسائر فقهاء الإسلام، إلاّ أن الحنفية حملوا السبع على الندب (٢) واختلفوا في التتريب، فذهب الجمهور إلى وجوبه لقوله ﷺ: " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات السابعة بالتراب " خلافًا لأبي حنيفة. والحكمة في تتريبه أن ريق الكلب فيه لزوجة فأمر ﷺ بغسله بالتراب لأن فيه طهورية وإزالة لها ويجزىء عن التراب الاشنان والصابون ونحوهما والصابون ونحوه أبلغ (٣) وأقوى في الإزالة والإنقاء. ثانيًا: نجاسة الكلب ونجاسة سؤره وكل ما خرج منه، وبهذا قال الجمهور، لأن العلة عندهم في غسل الإناء تنجسه بسؤر الكلب الذي وقع فيه، ومما يؤكد أن النجاسة هي العلة الشرعية في الأمر بغسله ما روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " (٤) فإن قوله ﷺ " طهور إناء أحدكم " يدل على نجاسة الإناء الذي ولغ فيه الكلب -لأن الطهور والطهارة معناهما إزالة النجاسة، فيكون معنى الحديث أن تطهير الإناء الذي ولغ فيه الكلب، وإزالة النجاسة منه لا تكون إلّا بغسله سبعًا، ومعنى ذلك أن الإناء قد تنجس، وأنه لا يطهر إلاّ بغسله سبعًا، فالعلة إذن هي النجاسة. وذهب مالك إلى طهارة الكلب وسؤره، وقال: العلة في الأمر بغسل- الإناء من شربه فيه شيء آخر غير النجاسة، وأن
(١) الإحكام شرح أصول الأحكام ج ١ للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي النجدي المتوفى سنة ١٣٩٢.
(٢) ويكفى غسله ثلاثًا كما في عون المعبود ج ١.
(٣) الإحكام شرح أصول الأحكام للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي الحنبلي.
(٤) أخرجه مسلم وأبو داود.