قالت: دون شك؛ فإني ما دعوتك إلا لأقترح عليك عقد الصلح؛ فقد رأيت أننا كفآن متوازنان ؛ فأية فائدة من العداء؟
قال: هو ذاك، وإني راض بالصلح. - إن هدية العلبة التي أرسلها إلي ناثائيل دلتني على أنك عدو مخيف، ولكن نتيجة هذه الحادثة دلتك أيضا على أني لم أكن مغلوبة، وفوق ذلك فقد رجحت عليك بتلك الطعنة التي أصابتك بها الهندية. - تريدين أن تقولي إنك التي طعنتني؛ إذ أنت التي أرشدتها إلي؟ - هو ذاك، وإني بهذه المناسبة أريد أن أسألك عن أمر أشكل علي. - أتريدين أن تعلمي كيف نجوت؟ - نعم. - الأمر بسيط؛ فقد كنت واهمة باعتقادك أن الخنجر مسموم، وذلك أن الهندي الذي يصحب الهندية كان يعلم أنها مجنونة فأبدل خنجرها المسموم بخنجر عادي فلم يقتلني الجرح.
فابتسمت ألطف ابتسام وقالت: إني أريد أن أعرض عليك الصلح. - ما هي شروطك؟ - ليس لي غير شرط واحد. - ما هو؟ - هو اعتزالك. - إن اعتزالي قد يكون كثيرا وقد يقل. - إني منذ عام أسائل نفسي هذا السؤال، وهو: أية فائدة لجان دي فرانس وهو نوري مثلي في توليه حماية المركيز روجر ابن ذلك اللورد الذي طالما اضطهد طائفتنا. - أأنت سألت نفسك هذا السؤال؟ - نعم. ولولا حدوث حادثة لم أكن أتوقعها لما عرفت الحقيقة. - أعرفتها؟ - نعم. ووثقت الآن أن المركيز روجر هو ابن اللورد إسبرتهون وسينتيا النورية أي أختك، وعرفت أيضا أن الطبيب بولتون لفق له حكاية عن الوشم الذي وشم به كتفه، وأنه آخذ بمعالجته فلا يمر أسبوع حتى يزول هذا الوشم كما زال وشمي.
أما هذه الحكاية الملفقة فقد يثق بها رجل بسيط القلب كالسير روبرت الذي رباني، ولكنها لا تجوز علي؛ وعلى ذلك فإن المركيز روجر إنما هو نوري مثلنا. - وبعد ذلك؟ - إني أحب هذا المركيز. - تريدين أنك تحبين ثروته ولقبه. - إنه يحبني ويريد الزواج بي، فلماذا تعترض هذا الزواج؟ - لأني لم أجعله مركيزا ولوردا كي يتزوج نورية. - أصغ إلي يا جان، فإني أتوسل إليك جاثية أن تغفر لي إساءتي. - وأن أدعك تتزوجين المركيز؟ - نعم يا جان. إني طامعة متكبرة، وإن روجر نوري مثلي، ولذلك أريد أن أشاركه في مجده.
وإنك متكبر مثلي، ولم يدفعك إلى ترقية ابن أختك غير الكبرياء؛ فثق يا جان أني إذا تزوجت به أكون من أشد الناس إخلاصا لطائفتكم. - إن هذا محال فكوني سيدة عظيمة إذا استطعت، وأما أن أجعل ابن أختي وملكنا سلما لمرقاتك فهذا محال.
فارتجفت شفتاها من الغضب وقالت له: إني توسلت إليك، فكنت من غير إشفاق، وأبيت إلا الحرب فليكن ما تريد واحذر لنفسك. - كما تريدين، ولكني أمهلك يوما لتتمعني. - لا أريد مهلة.
فأخذ قبعته وحاول الانصراف فقالت له بصوت يرتجف: اصبر. - إني مصغ إليك. - احرص على ابن أختك وملكك؛ فإن عدوه سيكون له أتبع من ظله. - لقد أعذر من أنذر. - كلمة أيضا. - ماذا؟ - من هي هذه المرأة التي تنتظرك في القارب؟ - اليبسي؟ - تلك المصرية الحسناء. - نعم. فهل غرت منها؟ - إنك تحبها. - أصدق حب. - إذن سأكون أقوى منك، فإنك تطعنني بأطماعي أما أنا فأطعنك بقلبك. - جربي.
فاتقدت عيناها ببارق مخيف وقالت له: اذهب واذكر أني أهنت نفسي ونزلت عن عرش كبريائي بتوسلي إليك. •••
بعد هنيهة كان جان واقفا عند الشاطئ وقد صفر فجاء شمشون بالقارب وصعد جان إليه فجلس بجانب أخته فقالت له: إن هذه المرأة ستكون شؤما علينا يا جان، فإنك بينما كنت عندها سقط نيزك من السماء، وهذه علامة الموت.
فأجابها مازحا: إن هذا النجم انحل برغيه فسقط.
Shafi da ba'a sani ba