Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Nau'ikan
فذكر الروح هو ذكر الذات الإلهية في مقام المشاهدة، وذكر السر هو ذكر الصفات في مقام الهيبة والجلال، وذكر القلب هو ذكر أثر الصفات المعبر عنه بالآلاء والنعماء وذلك في مقام المعرفة، وذكر النفس هو الذكر باللسان، فإذا اطلع السر على ذكر الروح أفسد المشاهدة لأن المشاهدة الصادقة تقتضي نوعا من الفناء في الله، وإذا اطلع السر على ذكر الروح حصلت حالة الهيبة وهي منافية للتحقق بالفناء الكامل من حيث إن حصولها يقتضي وجودا وبقية للعبد الذي يشعر بها، وهذا مناف لحالة الفناء. وكذلك إذا اطلع القلب على ذكر السر أفسده؛ لأن القلب يذكر آلاء الله ونعماءه، وذكر الآلاء والنعماء يتنافى مع مقام الهيبة؛ لأن مقام الهيبة مقام قرب من الله ومقام ذكر الآلاء مقام بعد منه. أما ذكر النفس فالمراد به ذكر اللسان طلبا للثواب أو العوض وهو أدنى درجات الذكر عندهم، فإذا اختلط بذكر القلب أفسده لأنه يحول دون رؤية آلاء الله ونعمائه خالصة من الله الذي يمن بآلائه ونعمائه على العبد في غير مقابل أو عوض.
محاربة الرياء
ظهر مما ذكرناه عن نظرة الملامتية إلى النفس ومنزلتها أن لهم هدفا واحدا يرمون إليه وهو صدق المعاملة مع الله، ذلك الصدق الذي لا يتحقق إلا بتصحيح الأحوال والمقامات، والذي لا يتم إلا إذا انمحى كل أثر - ظاهر أو خفي - من آثار الرياء؛ ولذلك انطوى ذلك الأصل من أصولهم على معظم تعاليمهم، وكان بمثابة حجر الزاوية في بناء مذهبهم.
وإذا ذكر الرياء ذكر الإخلاص الذي هو ضده؛ لأن التخلص من الرياء شرط من شروط الإخلاص. ولكن الملامتية لم يتكلموا في الإخلاص - وهو هدفهم الإيجابي - بمثل ما تكلموا في محاربة الرياء وهي الوسيلة إلى ذلك الهدف، فقد حملتهم نظريتهم المتشائمة في النفس إلى إعلان حرب لا هوادة فيها ضد أخص صفة من صفاتها وهي الرياء الذي اتخذوا «الملامة» وسيلة إلى محوه. وإذا فهمنا الإخلاص على أنه إفراد الحق سبحانه بالطاعة، «والتقرب إليه سبحانه دون شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب لمحمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق»، أو أنه «تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين»،
81
أو بعبارة أدق إذا فهمناه على أنه التحقق بالعبودية الكاملة لله دون غيره، وفهمنا «الصدق» على أنه التحرر من تقدير النفس والنظر إليها بعين الاعتبار والتعظيم، أدركنا أن الملامتي المخلص هو الذي لا رياء له، والملامتي الصادق هو الذي لا عجب له، وأدركنا مبالغة الملامتية في تطهير النفس من أدران هاتين الصفتين الحائلتين دون الوصول إلى درجة العبودية الكاملة التي هي درجة القرب.
وقد يقال إن تحريم الرياء من التعاليم الإسلامية الصحيحة، وإن الإخلاص والصدق من الصفات التي دعا الإسلام إليها وأفاض فيها الصوفية جميعا، خراسانيون وعراقيون ومصريون وشاميون. وقد يقال كذلك إن الملامتية أنفسهم يرجعون مذهبهم إلى أسس إسلامية محضة حيث يقول شيخ من أكبر شيوخهم وقد سئل عن معنى الملامة: «هي التزام ما وصفت
خلق الإنسان من عجل ،
إن النفس لأمارة بالسوء ،
وكان الإنسان عجولا ،
Shafi da ba'a sani ba