Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Nau'ikan
تصدير
1 - مذهب الملامتية
2 - رسالة الملامتية ومؤلفها
أهم المراجع
تصدير
1 - مذهب الملامتية
2 - رسالة الملامتية ومؤلفها
أهم المراجع
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Shafi da ba'a sani ba
تأليف
أبو العلا عفيفي
تصدير
ظهرت في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري بمدينة نيسابور بخراسان فرقة من فرق الصوفية أطلق عليها اسم الملامتية أو الملامية، أسسها رجال من أصدق رجال الطريق في ذلك القرن الذي امتاز في تاريخ التصوف الإسلامي بالورع والتقوى الحقيقيين، كما امتاز بقوة العاطفة الدينية وجهاد النفس العنيف، ومحاربتها ومحاسبتها على كل ما فرط منها وما يحتمل أن يفرط منها. وليس مسلك الملامتية إلا صورة من صور الزهد الغالبة في ذلك العهد، لها خصائصها ومميزاتها الإقليمية، إن صح هذا التعبير. أقول من صور الزهد، ولا أقول من صور التصوف؛ لأن مسلك الملامتية مسلك عملي من أوله إلى آخره، ومجموعة من الآداب يقصد بها إلى مجاهدة النفس ورياضتها مجاهدة ورياضة تؤديان بالسالك إلى إنكار الذات، ومحو علائم الغرور الإنساني، وإطفاء جذوة الرياء في القلب، أكثر من تأديتهما إلى أحوال الجذب والمحو والفناء والاتصال والسكر والجمع، وما شاكل ذلك من الأحوال التي تكلم فيها غيرهم من الصوفية ورسموا الطريق لتحقيقها. بل إن كانت ميزة يمتاز بها مذهب الملامتية حقا، فهي محاربتهم في تعاليمهم كل مظاهر التصوف السابقة، ومحاولتهم الرجوع بالزهد الإسلامي إلى سيرته الأولى البسيطة.
وليس للملامتية كتب مؤلفة كما يقول السلمي صاحب الرسالة التي سننشرها في القسم الثاني من هذا البحث؛ فإنه لم يؤثر عن أحد من أشياخهم أنه كتب في طريقتهم كتابا، أو على الأقل لم يصل إلينا علم بمثل هذه الكتب على افتراض وجودها. وأكبر الظن أنه لم تكن لهم طريقة منظمة وقواعد ثابتة مقررة وأتباع ينتمون إلى المشايخ انتماء أهل الطرق المتأخرين، ولكن كانت لهم صفات وآداب تكفي في التمييز بينهم وبين طوائف الصوفية الأخرى ممن عاصروهم أو عاشوا بعدهم. وكان لشيوخهم أتباع غير قليلين في البيئة التي نشأ فيها مذهبهم: أعني خراسان، ونيسابور منها خاصة. وإنما الذي أثر عن الملامتية أقوال لها طابع خاص، نجد بعضها في رسالة السلمي المذكورة، وبعضها في تراجم رجال الملامتية في كتب طبقات المشايخ، وفي معرض التمثيل والاستشهاد في مصادر التصوف الأخرى ككتاب اللمع للسراج، والتعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي، والرسالة للقشيري، وقوت القلوب لأبي طالب المكي، وعوارف المعارف للسهروردي، وكشف المحجوب للهجويري، والفتوحات المكية لمحيي الدين بن عربي، وخصوصا في هذا الأخير الذي خص مؤلفه الملامتية بكثير من العناية، ورفعهم إلى مقام في الولاية لا يدانيهم فيه أحد. أما الإشارة إلى شيوخ الملامتية وأقوالهم وآدابهم في الكتب التي ألفت قبل السلمي فقليلة مقتضبة، وفي أغلب الأحيان عرضية. والأمر على خلاف ذلك في كتب التصوف التي ظهرت بعد عصر السلمي وبعد كتابته لرسالته في هذه الطائفة وأصول مذهبها، أمثال كشف المحجوب، وعوارف المعارف، والفتوحات؛ فإن في هذه الكتب عبارات وافية ضافية في شرح معنى «الملام» و«الملامتية»، وإشارات عديدة إلى أقوال حمدون القصار وأبي حفص الحداد وأبي عثمان الحيري وغيرهم من رجال هذه الطائفة الأولين، كما أن فيها دفاعا حارا أحيانا عن أساليب الملامتية وآدابهم في الطريق الصوفي، ومقارنة بينهم وبين الصوفية وما إلى ذلك. وليس لهذه الظاهرة تعليل عندي إلا أن الكتاب الذين كتبوا في الملامتية بعد ظهور رسالة السلمي قد اقتبسوا مما كتبه في هذا الموضوع، وأفاضوا في شرح ما أجمل في كلامه عن أصول تعاليم هذه الفرقة، فكانوا في ذلك عيالا على السلمي ورسالته التي لا مناص من اعتبارها المرجع الأول والمصدر الأساسي في دراسة الملامتية. وليس الدليل على صحة ما ذهبت إليه بعزيز؛ فإن الشواهد التي تدل على اعتماد أولئك الكتاب على رسالة السلمي وأخذهم عنه كثيرة وقوية، كما سيتبين للقارئ عندما نعرض للكلام عن مذهب الملامتية في هذا البحث.
وإذا كان للملامتية، من حيث هم فرقة من فرق التصوف بمعناه العام، منزلة لا تجحد في تاريخ الفرق الإسلامية، وإذا كان لتعاليمهم وآدابهم أثر ظاهر في تطور الحياة الروحية في بعض نواحي العالم الإسلامي على الأقل، وهو أثر تجاوز موطن الملامتية الأصلي في خراسان إلى غيره من بلاد المسلمين، وظل يلعب دورا هاما في بعض الأقطار الإسلامية الشرقية - لا سيما تركيا - إلى عهد قريب. إذا كان كل ذلك أمكن أن يدرك القارئ القيمة العلمية والتاريخية لهذه الورقات التي ننشرها في القسم الثاني من هذا الكتاب، وهي رسالة السلمي عن فرقة الملامتية وأصول مذهبهم.
وبالنظر الدقيق في الأقوال المأثورة عن رجالهم، مما رواه السلمي في رسالته، وما نجده في تراجم مشايخ خراسان، نستطيع أن نؤلف صورة عامة - قد يعوزها الكثير من التفاصيل - عن طريقة الملامتية وتعاليمهم. ولم يعمل السلمي أكثر من أنه جمع ما وصل إليه من أقوال هؤلاء المشايخ، وما عرفه من تقاليدهم وعقائدهم وأحوالهم التي تميزوا بها من غيرهم، ووضع كل ذلك في صورة «أصول» توضح الأسس التي قامت عليها طريقتهم، تاركا أقوالا أخرى كثيرة لهم يتفقون في جوهرها مع غيرهم من رجال التصوف، معززا هذه الأصول بشواهد من القرآن أو الحديث أو أقوال بعض الصحابة وقدماء المشايخ. كما أنه لم يذكر - على حد قوله - إلا أطرافا من هذه الأقوال «يستدل بها على ما وراءها» تاركا للقارئ البحث عما هنالك من المعاني المستترة وراء تلك الأقوال، والبحث عن أقوال أخرى للملامتية لم يصل إليها علمه، أو علمها ولم يشأ أن يذكرها. وكأن السلمي يشير بذلك إلى أنه يخاطب برسالته عامة الناس الذين يقنعون من الأقوال بظواهرها، تاركا تفهم دقائق المذهب الملامتي وتعرف الروح الحقيقي فيه إلى خواص القراء الذين لهم ذوق في إدراك معاني القوم ونكاتهم. وقد كان له فضل السبق في هذا الميدان - كما قلنا - لأنه أتيح له من الفرص ما لم يتح لغيره من مؤرخي التصوف: فقد كان - إلى جانب علمه الواسع بتاريخ الصوفية ومذاهبهم - حفيدا لشيخ من أكبر مشايخ الملامتية هو أبو عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي، آخر من مات من أصحاب أبي عثمان الحيري النيسابوري. وقد لزم السلمي جده وهو في صباه، وعرف منه أسرار الملامتية، وإن كان معروفا أنه لم يكن في وقت من الأوقات ملامتيا.
على أن السلمي لم يصور مذهب الملامتية بالصورة التي يرتضيها الباحث المتعطش لمعرفة هذا المذهب، وإن نجح - إلى حد ما - في تأليف طائفة من الأصول تبلغ نيفا وأربعين أصلا، تكفي في تمييز أهل الملامة من غيرهم من رجال التصوف المعاصرين لهم، كما تضع حدا فاصلا بين تعاليم الملامتية الأولين ومذهب الملامتية المتأخرين الذين نزلوا بهذا المذهب إلى أحط درجات الفساد والتدهور. وهذا المذهب الأخير - لسوء الحظ - هو الذي يفهمه الناس عادة من اسم الملامتية، وهو مقرون بمعنى العبث بأمور الدين والتراخي في العبادات، والمباهاة بالفجور والمعاصي، كما يقرن اسم الكلبيين من اليونان بما كان عليه متأخروهم من انحطاط في الأخلاق وانغماس في جميع ألوان الرذيلة، وينسى ما كان عليه سلفهم من نبل المبادئ وبعد النظر الفلسفي.
وهنالك مسألة أخرى وهي: هل الصورة التي وضعها السلمي في رسالته - على نقصها - صورة حقيقية تعبر تعبيرا صادقا عن طائفة الملامتية وآدابهم وتعاليمهم؟ أم هي من نسيج خيال المؤلف ومن وضعه، وليس لها أساس تاريخي تستند إليه؟ الحق أن جوابا قاطعا عن هذا السؤال متعذر - إن لم يكن مستحيلا - في وقتنا الحاضر الذي يجب أن نعترف فيه بجهلنا بكثير من حقائق التصوف وتاريخه. فمن المستحيل أن نقطع بأن الأقوال التي رواها السلمي لشيوخ الملامتية كانت حقا من ألفاظ أولئك المشايخ؛ لأن كثيرا منها لا وجود له في غير كتبه التي منها رسالته هذه، أو لا وجود له إلا في الأقوال التي رواها عنه بإسناداته بعض تلاميذه كالقشيري وأبي نعيم. على أننا إذا افترضنا أن بعض هذه الأقوال ليس بالفعل من العبارات التي فاه بها شيوخ الملامتية - بالرغم من نظام الرواية الدقيق الذي يتبعه المؤلف وما يذكره من الأسانيد - فإن هذا لا يقدح في أن المعاني التي تعبر عنها هذه الأقوال، والتعاليم التي تشير إليها هي في صميم مذهبهم. ولكن عدم توافر المراجع الأخرى التي قد نستطيع عن طريقها تحقيق رواياته يفسح المجال للتهم التي وجهها إليه من يرميه بأنه مؤرخ غير ثقة من شأنه أن يضع للصوفية الأقوال والأحاديث، وهذه مسألة سنعرض لها عند ترجمته.
هذا وقد سبقني إلى البحث في رسالة السلمي الأستاذ ريتشارد فون هارتمان
Shafi da ba'a sani ba
1
جعل غايته منه كما يقول: «دراسة الرسالة نفسها لا الملامتية ولا مذهبهم.» أما دراسته للرسالة فلم تتعد تلخيصها وترجمة أهم أجزائها إلى اللغة الألمانية، ومقارنة رواياتها وأسانيدها بعضها ببعض، واستخلاص بعض أسماء الرواة الذين رووا لفلان أو عن فلان، وذكر ترجمات قصيرة لبعض رجال الملامتية اعتمد فيها الكاتب - في أغلب الأحيان - على رسالة القشيري وحدها، أو عليها وعلى طبقات الصوفية للشعراني. وقد ذكر فون هارتمان كلمة موجزة عن منزلة مذهب الملامتية من تاريخ الأديان، كما عرض لتفنيد رأي الأستاذ جولد زيهر في أن مذهبهم متصل بمذهب الكلبيين اليونان. ولمقال فون هارتمان قيمته من حيث تحقيق الغرض الذي توخاه منه، ولكنه ليس أكثر من محاولة أولية محدودة درس فيها بعض نواحي رسالة السلمي دراسة سطحية على ضوء المراجع القليلة التي رجع إليها، تاركا الجزء الأكبر من الموضوع من غير أن يمسه: أعني مذهب الملامتية كما هو وارد في الرسالة وفي غيرها من كتب التصوف الأخرى، وتاريخ هذه الفرقة ونشأتها، والفرق بين تعاليمها وتعاليم الصوفية. وهذه هي المسائل التي جعلتها موضوع بحثي في القسم الأول من هذا الكتاب، وسأعرض فيه كذلك لما بين الملامتية والصوفية وأهل الفتوة من صلات.
القسم الأول
مذهب الملامتية
نشأته التاريخية والصلة بين تعاليم الملامتية وتعاليم الصوفية وأهل الفتوة (1) معاني الملامة والفتوة والتصوف والصلة بينها
مضى نحو قرن من الزمان على ما كتبه العلامة «فون هامر» في المجلة الآسيوية
1
في موضوع الفتوة الإسلامية وصلتها بالفروسية الغربية، وأهمية دراسة الفتوة الإسلامية والحضارة الإسلامية عامة في فهم الفروسية المسيحية. وكان هذا أول ما كتب في الموضوع بطريقة علمية دقيقة. وكذلك ألقى العلامة «كاترمير» بعض الضوء على هذا الموضوع الغامض المتشعب الأنحاء في بعض تعليقاته على كتاب السلوك للمقريزي.
2
ولكن لم يظهر في الفتوة الإسلامية كتاب أو مقال ذو بال حتى نشر الدكتور «ثورننج»
Shafi da ba'a sani ba
3
سنة 1913 كتابه الجامع الذي ألم فيه بأطراف لم يعالجها من قبله واستند فيه إلى وثائق تاريخية هامة. وقد ظهرت مقالات أخرى قيمة في المجالات العلمية الألمانية لأمثال الأساتذة تشنر وفون هارتمان وشاخت؛
4
إلا أن هذا الموضوع الحيوي العظيم لم يلق بعد - لسوء الحظ - من العناية بدارسته دراسة مستفيضة ما هو جدير به. والحق أنه موضوع شاق عسير، أصعب ما فيه جمع مادته من بطون الكتب التاريخية والأدبية والصوفية وكتب الرحلات وغيرها، ولكن قيمته لا تقدر في تفسير كثير من النواحي الغامضة في التاريخ والأدب والتصوف والحياة الاجتماعية الإسلامية، وفي إيضاح العلاقات بين الجماعات التي خضعت لنظام الفتوة والتصوف وجماعات الفروسية المسيحية في القرون الوسطى.
ولست أقصد في هذا القسم إلى معالجة هذا الموضوع الواسع معالجة تفصيلية، ولا أن أعرض لمسألة نشأة نظام الفتوة في الإسلام أو في الأمم ذات الحضارة القديمة التي فتحها المسلمون، ولكني آمل أن أوضح - بقدر ما تسمح به النصوص التي بين يدي - نواحي الشبه وجهات الفرق بين المعاني الأساسية للتصوف والفتوة والملامة، وأحدد الصلة بينها منذ نشأة الملامتية الأوائل في القرن الثالث الهجري؛ وهي مسألة لم يمسسها - إلا من طريق عرضي - أحد ممن كتبوا في الفتوة أو في التصوف؛ فإنهم درسوا نظم الفتوة الإسلامية إما من ناحية صلتها بالفروسية المسيحية كما فعل فون هامر، أو من ناحية ما تمتاز به الفتوة من صفات عامة ثم ظهورها في صورة الفتوة الأرستوقراطية في عهد الخلفاء العباسيين، ثم انتشارها بين طبقات الشعوب الإسلامية الوسطى في ندوات أهل الحرف والصناعات كما فعل فون هامر وثورننج، أو من ناحية صلة الفتوة بالتصوف في كلمات عابرة قد تخلو أحيانا من دقة في التحليل كما فعل «هورتن».
5
ولم يطرق أحد موضوع الصلة بين الفتوة والملامة إلا ريتشارد هارتمان في مقال خاص تحت عنوان «الفتوة والملامة»؛
6
ولكنه لم يعرض للموضوع الأساسي لمقالته إلا في الصفحتين الأخيرتين منها معتمدا على بعض فقرات وردت في رسالة الملامتية للسلمي ورسالة التصوف للقشيري.
ونحن لا نزال نشعر بالحاجة إلى مراجع أغزر مادة في هذا الموضوع، وإن كانت رسالة السلمي في الملامتية قد تلقي كثيرا من الضوء على الجزء الأخير من هذا البحث لو حللت بعض نصوصها وقورنت بنصوص أخرى كالتي وردت في رسالة القشيري، وفي فتوحات ابن عربي، وكشف المحجوب للهجويري، وعوارف المعارف للسهروردي؛ وهذا ما حاولت القيام به في هذا القسم من الكتاب.
Shafi da ba'a sani ba
أما الملامية - أو الملامتية على غير قياس - فيكاد ينحصر علمنا بهم فيما أورده السلمي في رسالته وما أورده كتاب الطبقات عن مشايخهم مما أخذوه عن السلمي. ولا نكاد نتبين في وضوح شخصية الملامتية ولا الفكرة الأساسية في مذهبهم خلال ما ورد من تعاليمهم في رسالة السلمي لأنها في جملتها مصبوغة بصبغة سلبية.
فالصفات التي يجب ألا يتصف بها الملامتي أكثر من الصفات التي ينبغي أن يكون عليها، والأفعال التي يطالب بتركها أهم من تلك التي يطالب بالقيام بها. والتعاليم التي يفرضها الملامتية على مريديهم لا تكاد تعدو سلسلة من النواهي في تحريم كذا أو كراهية كذا أو إنكار كذا. ولكننا بالرغم من هذا نستطيع أن نتبين إلى حد كبير بعض الفوارق التي يتميز بها الملامتي من غيره من الناس، صوفيين كانوا أم غير صوفيين أكثر مما نتبين نوع الحياة الروحية التي يحياها.
فالملامتي مثلا مطالب بألا يظهر عبادته أو ورعه وزهده أو علمه أو حاله، وهو لا يتكلم في الإخلاص بقدر ما يتكلم في الرياء الذي هو نقيض الإخلاص، ولا يتكلم في فضائل النفس وكمالاتها بقدر ما يتكلم في عيوب النفس وآفاتها ورعوناتها. ولا يطالب نفسه بما يقوم النفس ويهذبها بقدر ما يفرض على نفسه اتهام النفس وتحقيرها ومصادرتها في جميع رغباتها ومطامعها. وهو يفضل الكلام عن نقائص الأعمال ومساويها على الكلام في مناقب الأعمال ومحاسنها.
وإنك لتجد هذه الصفة السلبية منعكسة حتى في الاسم الذي اختارته هذه الطائفة لنفسها، فاسم الملامتية مشتق من الملامة التي هي بخع وتأنيب للنفس.
وربما كان لهذا الأسلوب من التعليم ما يبرره - كما سيتضح لك فيما بعد - لأن الملامتية قوم ثائرون على الكثير مما كان مقررا ومعترفا به عند الصوفية وغيرهم من رجال الدين. فمن الطبيعي أن يضعوا ذلك النظام السلبي ليقاوموا به نظاما لم يرضوا عنه؛ ومن أجل ذلك أطلقوا هذا الاسم على أنفسهم في مقابل اسم الصوفية الذي كان يسمى به أهل العراق أولا. وقد اختص بهذا الاسم «الملامتية» أهل خراسان. يقول السهروردي صاحب عوارف المعارف: «ولم يزل في خراسان منهم طائفة ومشايخ يمهدون أساسهم ويعرفونهم شروط حالهم. وقد رأينا في العراق من يسلك هذا المسلك ولكن لم يشتهر بهذا الاسم. وقلما تتداول ألسنة أهل العراق هذا الاسم.»
7
وليس ببعيد أن يكون اسم الملامتية متصلا ببعض الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر اللوم، كقوله تعالى:
ولا أقسم بالنفس اللوامة ،
8
وقوله:
Shafi da ba'a sani ba
يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ؛
9
فإن الآية الأولى تعلي من شأن النفس اللائمة لصاحبها، المؤنبة المحاسبة له على كل ما يصدر منه، وهي النفس الكاملة في الاصطلاح الملامتي. وتذكر الآية الثانية من صفات عباد الله الذين يحبهم ويحبونه أنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وأنهم في جهادهم في سبيل الله وإخلاصهم في ذلك الجهاد لا يخافون في الله لومة لائم ولا يكترثون بمدح الناس وذمهم. فإذا فهمنا الجهاد بالمعنى الصوفي أو الملامتي - أعني جهاد النفس - أدركنا أن الآية تشير إلى أخص صفات الملامتية، وأنها تصلح لأن تتخذ أساسا لمذهبهم وتكون مصدرا لاسمهم. ومما يعزز هذا الفرض قول حمدون القصار - وهو من أكابر مشايخهم وأوائل مؤسسي فرقتهم - وقد سئل عن طريق الملامة فقال: «ترك التزين للخلق بحال وترك طلب رضاهم في نوع من الأخلاق والأحوال، وألا يأخذك في الله لومة لائم.»
10
ولكن ما المراد بالملامة التي ينتسب إليها الملامتية؟ أهي لوم الملامتي نفسه، أو لوم الناس إياه، أم لوم الملامتي الدنيا وأهلها؟ أما لوم الدنيا فليس من نظام الملامتية في شيء لأن في تعاليمهم الصريحة النهي عن ذم الدنيا. رأى أبو حفص النيسابوري بعض أصحابه وهو يذم الدنيا وأهلها فقال: «أظهرت ما كان سبيلك أن تخفيه. لا تجالسنا بعد هذه ولا تصاحبنا.»
11
وأما المعنيان الآخران فيدخلان في جوهر الفكرة الملامتية وإليهما يشير كثير من تعريفاتها. ذلك أن الملامتي لا يرى لنفسه حظا على الإطلاق ولا يطمئن إليها في عقيدة أو عمل ظنا منه أن النفس شر محض وأنها لا يصدر عنها إلا ما وافق طبعها من رياء ورعونة؛ ولذلك وقف منها دائما موقف الاتهام والمخالفة، وهذا هو المراد بلوم النفس.
12
ومن ناحية أخرى يرى الملامتي أن معاملته مع الله سر بينه وبين ربه لا يصح أن يطلع عليه غيره، فهو حريص على كتمان ذلك السر، غيور على محبوبه أن يطلع الخلق على صلته به، فهو يظهر للخلق بآداب العبودية ويحفظ سره مع الله. بل إن الملامتية - خوفا من أن تنكشف أحوالهم وأسرارهم التي يضنون بها على الخلق، وخشية من أن يتسرب الغرور إلى نفوسهم إذا ظهروا للناس بما يوجب مدحهم - تعمدوا فعل ما يجلب عليهم من الخلق السخط والازدراء ويرسل ألسنتهم بالذم والتأنيب. وهذا هو لوم الناس إياهم. ويشير إلى هذا المعنى قول بعضهم: «الملامة ألا تظهر خيرا ولا تضمر شرا.»
13
Shafi da ba'a sani ba
وقول الآخر: «وأهل الملامة أظهروا للخلق ما يليق بهم من أنواع المعاملات والأخلاق وما هو نتائج الطباع، وصانوا ما للحق عندهم من ودائعه المكنونة.»
14
وإلى ملامة النفس وملامة الغير تشير عبارة أبي حفص وقد سئل عن مذهبه فقال: «أهل الملامة قوم قاموا مع الحق تعالى على حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم على جميع ما أظهروا من أنواع القرب والعبادات، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه وكتموا عنهم محاسنهم، فلامهم الخلق على ظواهرهم ولاموا أنفسهم على ما يعرفونه من بواطنهم.»
15
وهذا أكمل تعريف نعرفه للفكرة الأساسية في المذهب الملامتي، وفيه تظهر ناحيتا الملامة بكل وضوح كما تظهران في تعاليم الملامتية التي لخصها السلمي في رسالته وشرحنا أمهات مسائلها في هذا القسم عند الكلام على «أصول الملامتية».
ولا تكاد تخرج التعريفات العديدة التي أوردها السلمي لمذهب الملامتية عن هذا المعنى الذي أشار إليه أبو حفص . أما المعاني الصوفية التي تفرعت عن هذه الفكرة الأساسية كالإخلاص في الطريق، والرياء في القول والعمل والنية، ونحو ذلك، فقد عالجناها بشيء من التفصيل في جزء آخر من هذا البحث.
ويذهب ابن عربي الذي أفرد للملامتية صفحات عدة في كتابه «الفتوحات المكية» إلى أنهم اختصوا بهذا الاسم لأمرين: «الواحد يطلق على تلامذتهم لكونهم لا يزالون يلومون أنفسهم في جنب الله ولا يخلصون لها عملا تفرح به تربية لهم؛ لأن الفرح بالأعمال لا يكون إلا بعد القبول وهذا غائب عن التلامذة. وأما الأكابر فيطلق عليهم لستر أحوالهم ومكانتهم من الله حين رأوا الناس إنما وقعوا في ذم الأفعال واللوم فيها فيما بينهم لكونهم لم يروا الأفعال من الله وإنما يرونها ممن ظهرت على أيديهم، فأناطوا اللوم والذم بها، فلو كشف الغطاء ورأوا الأفعال لله لما تعلق اللوم بمن ظهرت على يديه، وصارت الأفعال عندهم في هذه الحالة كلها حسنة شريفة.»
16
ولا يخفى ما في عبارة ابن عربي هذه من إشارة إلى مذهبه في وحدة الوجود التي يهضم فيها فكرة الملامتية كما هضم غيرها من أفكار المذاهب الأخرى الصوفية وغير الصوفية.
ويضع ابن عربي الملامتية في أعلى درجات السالكين من أهل الله ويعتبرهم الكاملين من أهل الطريق؛ ولهذا يلتمس لاحتجابهم عن الخلق وظهورهم فيهم بما ينطق الناس بلومهم سببا آخر غير الذي ذكرناه: ذلك «أنهم لو ظهرت مكانتهم من الله للناس لاتخذوهم آلهة.» فلما احتجبوا عن العامة بالعادة انطلق عليهم في العادة ما ينطلق على العامة من الملام فيما يظهر عنهم مما يوجب ذلك. ثم يقول: «وهذه الطريقة مخصوصة لا يعرفها كل أحد، انفرد بها أهل الله.»
Shafi da ba'a sani ba
17
والملامتية فرقة متميزة من فرق زهاد المسلمين، لها طابعها الخاص وحياتها الروحية الخاصة بالرغم من أنهم يعتبرون عادة من بين طوائف الصوفية. وقد تنبه إلى الفروق الواضحة بين الملامتي والصوفي بعض رجال التصوف ومؤرخيهم؛ فأشار إليها السلمي في رسالته وابن عربي في فتوحاته والسهروردي في عوارف المعارف والتهانوي في كشافه. أما السلمي فيقسم أرباب العلوم والأحوال؛ أي أهل العلم الظاهر والعلم الباطن أو أهل الرسوم وأهل الحقائق، إلى ثلاثة أقسام: علماء الشريعة المشتغلين بظواهر الأحكام وهؤلاء هم الفقهاء، وأهل المعرفة بالله المنقطعين إلى الله الزاهدين فيما فيه الخلق من أسباب الدنيا الذين جعلوا همهم في الله فكانوا له وبه وإليه، وهؤلاء هم الصوفية. والطائفة الثالثة هم أولئك الذين زين الله بواطنهم بالقرب والاتصال به فلم يكن للافتراق إليهم سبيل، وقد غار الحق عليهم لئلا يعرف الخلق أحوالهم فأظهر للخلق منهم صفاتهم الظاهرة التي تدل على معنى الافتراق لكي يسلم لهم حالهم معه تعالى، وجعل من أسنى أحوالهم ألا يؤثر باطنهم في ظاهرهم لئلا يفتتن بهم الناس، وهؤلاء هم الملامتية، فالصوفية مع الله أشبه بموسى عليه السلام لما ظهر أثر باطنه في ظاهره عندما كلمه ربه فلم يطق أحد النظر إليه. والملامتية مع الله أشبه بمحمد عليه السلام، لم يؤثر باطنه في ظاهره بعد ما ناله من القرب والدنو عندما رفع إلى المحل الأعلى، فلما رجع إلى الخلق تكلم معهم في أمور دنياهم كما لو كان واحدا منهم، وهذا أكمل العبودية.
18
فالفرق الأساسي بين الصوفي والملامتي في نظر السلمي هو أن الصوفي ينم ظاهره عن باطنه وتظهر عليه أنوار أسراره في أقواله وأفعاله؛ لذلك لا يتحرج الصوفي عن إظهار الدعاوى كما فعل الحلاج وغيره، ولا عن إعلان ما يفتح الله به عليه من أسرار الغيب، ولا عن الخروج إلى الناس بكرامة يظهرها الله على يديه. أما الملامتي فحفيظ على سر الله يكتم في نفسه ما بينه وبين ربه. ثم هو فوق ذلك لا دعوى له لأن الدعاوى في نظره رعونات وجهل، ودليل على عدم التحقق من التقصير. ولا يظهر الملامتي كرامة خوفا من أن تكون الكرامة ابتلاء من الله يمتحن بها غرور النفس وعجبها، وخوفا من أن يفتتن الناس به.
19
أما ابن عربي فيستعمل اسم «الملامتية» في معنى أوسع بكثير مما يفهمه السلمي، فهو لا يدل عنده على طائفة معينة من طوائف الزهاد، ولا يشير إلى وجهة نظر معينة في الدين أو في حياة الطريق الصوفي، بل هو اسم لصنف من أهل الله يعيشون في كل زمان ومكان لهم صفات خاصة يتميزون بها من غيرهم: يزيدون وينقصون بحسب الوقت الذي يظهرون فيه. وليس موطنهم خراسان ولا نيسابور ولا شيخهم حمدونا القصار ولا أبا حفص أو أبا عثمان الحيري، على الرغم من أنه يذكر من مشايخ نيسابور ممن تحقق بمقام الملامتية حمدونا القصار خاصة، كما يذكر من بين من تحقق بهذا المقام أبا سعيد الخراز وأبا يزيد البسطامي وأبا السعود بن الشبل وعبد القادر الجيلاني وغيرهم من مشايخ الصوفية على اختلاف طبقاتهم وبلادهم، ويعد نفسه واحدا من الملامتية إذ يقول: «وهو (أي مقام الملامتية) حالنا.»
20
بل إن ابن عربي يتوسع في معنى «الملامتي» إلى حد إطلاقه على النبي
صلى الله عليه وسلم
بدعوى أن مقام الملامتية هو مقام القرب من الله، وهو مقام
Shafi da ba'a sani ba
ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى .
21
وهو في هذا أكثر جرأة من السلمي الذي اكتفى بتشبيه الملامتي بمحمد والصوفي بموسى عليهما السلام بعد أن تجلى لهما ربهما.
ويقسم ابن عربي السالكين إلى الله إلى ثلاثة أقسام لا تختلف كثيرا عن الأقسام التي ذكرها السلمي. الأول العباد الذين غلب عليهم الزهد وأفعال الظاهر المحمودة وتطهير النفس من مرذول الأفعال. وهؤلاء لا علم لهم بالأحوال والمقامات والعلوم الدينية والأسرار. وإن قرأ أحد منهم شيئا كان كتابه «الرعاية» للحارث المحاسبي أو ما يجري مجراه.
22
الصنف الثاني هم الصوفية الذين يرون الأفعال كلها لله وأنه لا فعل لهم أصلا. وهم مثل العباد في الورع والزهد والتوكل، أهل خلق وفتوة، يظهرون في العامة بما ينالونه من الكرامات وخوارق العادات ولا يبالون بإظهار أي شيء يؤدي إلى معرفة الناس بمنزلتهم من الله لأنهم لا يشاهدون - في زعمهم - إلا الله. وهم بالنسبة إلى الملامتية أهل رعونات وأصحاب نفوس، وتلامذتهم مثلهم أصحاب دعاوى يظهرون الرياسة على عباد الله.
23
والصنف الثالث الملامتية وهم رجال قطعهم الله إليه وصانهم صيانة الغيرة عليهم لئلا تمتد إليهم عين فتشغلهم عن الله: «قد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم طرفة عين، لا يعرفون للرياسة طعما لاستيلاء الربوبية على قلوبهم، وليس ثم من حاز مقام الفتوة والخلق مع الله دون غيره سوى هؤلاء ...»
24
أما الصفات التي اختص بها الملامتية كما يفهمهم ابن عربي فهي أنهم رجال لا يتميزون عن سائر المؤمنين المؤدين فرائض الله بحالة زائدة يعرفون بها، فهم لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب، يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الناس، يؤدون الفرائض مع الخلق ويدخلون في كل بلد بزي أهل ذلك البلد، لا يتوطن أحد منهم في المسجد، وتختلف أماكنهم في المسجد الذي تقام فيه الجمعة حتى يضيعوا في غمار الناس، وإذا تكلموا راقبوا الله في كلامهم، يقللون من مجالسة الناس إلا من جيرانهم حتى لا يشعر أحد بهم، ويقضون حاجة الصغير والأرملة، ويلاعبون أولادهم وأهلهم بما يرضي الله، ويمزحون ولا يقولون إلا حقا.»
Shafi da ba'a sani ba
25
وهذا وصف لا يختلف عن وصف السلمي للملامتية؛ مما يرجح أن ابن عربي أخذ مادته منه، وإن كان ابن عربي - كعادته - يتخذ من الملامتية شيعة لمذهبه في وحدة الوجود. ومن الواضح أنه خالف كل من سواه في فهمه لمعنى «الملامتي» حيث فهم «الملامة» على أنها مقام من مقامات الصوفية، بل اعتبرها أعلى المقامات، كما اعتبر الملامتية أكابر أهل الله «الذين حلوا من الولاية في أقصى درجاتها، وما فوقهم إلا درجة النبوة.»
26
وأما أبو حفص عمر السهروردي فالظاهر من مقارنته بين الصوفية والملامتية أنه يفضل الصوفية ويضعهم في منزلة من الحياة الروحية فوقهم؛ لأن حال فناء الصوفي عن كل ما سوى الله - بما في ذلك نفسه - أفضل في نظره من حال الملامتي الذي لا تزال تربطه بالخلق وبنفسه رابطة وهي شعوره بنفسه وبالخلق. وقد أشرنا في غير ما موضع من هذا البحث إلى كراهية الملامتية للدعاوى وإنكارهم أحوال الجذب والسكر ونحوهما، فمن الطبيعي لقوم هذا شأنهم ألا يتكلموا عن «الفناء» وهو أقصى حالات الجذب، ولا أن تبدر منهم الدعاوى التي تبدر من زملائهم الصوفية في مثل هذه الحالات. وإذا ادعى الصوفي الفناء عن الخلق أو عن نفسه وأعمالها، فإنه شاعر أبدا بالخلق وبنفسه قوي الملاحظة لهما، لا يغفل عن نفسه وتأنيبها واتهامها؛ لأنه - كما يقول السهروردي - «عظم وقع الإخلاص وموضعه وتمسك به، والصوفي غاب في إخلاصه.»
27
فالإخلاص حال الملامتي، ومخالصة الإخلاص حال الصوفي، وثمرة مخالصة الإخلاص فناء العبد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه، بل غيبته عن رؤية قيامه، وهو الاستغراق في العين عن الآثار.
28
وإنني أرى أن عدم ذلك الاستغراق في الله، وعدم الغيبة عن النفس والعالم المحيط بها قد كانا الحائل المنيع الذي سد على الملامتية باب القول بوحدة الوجود أو بالحلول أو الاتحاد أو المزج أو ما شاكل ذلك من الأقوال التي شاعت على ألسنة الصوفية الذين تكلموا في الفناء، وبخاصة صوفية العراق والشام؛ فإنهم باسترسالهم في الكلام عن الفناء عن الخلق والبقاء بالحق، وباستغراقهم التام في الحق وغفلتهم التامة عن كل من سواه وما سواه، زلت أقدامهم من حيث لا يشعرون فوقعوا في القول بوحدة الوجود أو ما شابهه. ويظهر أن القول بالاتحاد والحلول ووحدة الوجود كان في معظم الحالات من لوازم القول بالفناء؛ ولذلك لا نجد في كلام رجال الملامتية - الأولين على الأخص - شيئا عن الفناء ولا عن وحدة الوجود ونظائرها.
وقد بين السهروردي في مقارنته بين الصوفية والملامتية اختلاف الطائفتين في الغاية من الحياة الروحية: فغاية الصوفية الفناء في الله ورؤية الخلق بعين الزوال ومعاينة سر قوله تعالى:
كل شيء هالك إلا وجهه . وهؤلاء لا تعنيهم النفس ولا إخلاصها ولا الخلق وآراؤهم لأنهم استولى عليهم سلطان الحقيقة فلم يشاهدوا عينا ولا رسما. وهذه حال أبي يزيد البسطامي الذي يقول: «نظرت فإذا في باطني زنار (وهو الرابطة التي تربطه بالخلق) فعملت في قطعه خمس سنين أنظر كيف أقطعه، فكشف لي فنظرت إلى الخلق فإذا هم موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات.»
Shafi da ba'a sani ba
29
وهذا أيضا هو المعنى الذي أشار إليه بعضهم عندما قال: «صدق الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.»
30
أما الملامتية فأهل صحو وإدراك، يرون أن الغاية من الطريق الإخلاص في الأعمال وتحريرها من كل معنى من معاني الرياء. وهذا يقتضي مراقبة دقيقة للنفس وعدم «الفناء» عنها. وإلى ذلك يشير السهروردي بقوله: «إن الملامتي أخرج الخلق من عمله وحاله، ولكنه أثبت نفسه فهو مخلص، والصوفي أخرج نفسه من عمله وحاله كما أخرج غيره فهو مخلص. وشتان بين المخلص الخالص والمخلص.»
31
قال الدقاق: «لا بد لكل مخلص من رؤية إخلاصه وهو نقصان عن كمال الإخلاص.»
32
ولكن ليس هذا مذهب الملامتية.
ويظهر الفرق جليا بين الملامتية والصوفية في مسألة الإخلاص فيما ذكره القشيري عن أبي علي الدقاق أنه قال: «لما دخل الواسطي نيسابور سأل أصحاب أبي عثمان (الحيري): بماذا كان يأمركم شيخكم؟ فقالوا: كان يأمرنا بالتزام الطاعات ورؤية التقصير فيها، فقال: أمركم بالمجوسية المحضة، هلا أمركم بالغيبة عنها برؤية منشئها ومجريها؟»
33
Shafi da ba'a sani ba
ومعنى ذلك أن إخلاص الملامتي هو رؤيته التقصير في عمله، وإخلاص الصوفي هو عدم رؤية الأعمال على الإطلاق، أو بعبارة أخرى الفناء عن الأعمال.
وستتضح للقارئ فروق أخرى كثيرة بين الصوفية والملامتية عند عرضنا لأصول الملامتية وتعاليمهم.
وأما «الفتوة» فاسم أطلق على مجموعة من الفضائل، أخصها: الكرم والسخاء والمروءة والشجاعة، تميز المتصف بها عن غيره من الناس. وبهذا المعنى الخلقي وجدت الفتوة قبل الإسلام وفي الصدر الأول منه في بلاد العرب وفارس. وبها لقب علي بن أبي طالب وأهل بيته. ولكنها كانت إلى ذلك العهد أمرا فرديا لا وجود له في جماعة منظمة، ولا يعرف نظام اجتماعي لأهل الفتوة إلا في عصر متأخر.
وقد اتصلت الفتوة بالتصوف منذ ظهور التصوف تقريبا وانصبغت بصبغته، وكان ذلك على الأخص في البلاد الإسلامية ذات الحضارات القديمة لا سيما فارس، حتى إنك لتجد آثارا واضحة للأفكار الصوفية في تعاليم أصحاب الفتوة في كل العصور الإسلامية تقريبا. والعكس صحيح أيضا، أي إن آثارا كثيرة للفتوة قد تسربت إلى بيئات الصوفية. ويدلك على ذلك الاتصال المتبادل بين الفتوة والتصوف أن كثيرا من الفتيان الذين نعرف شيئا عن تاريخ حياتهم كانوا إما صوفية أو ممن لهم ميل إلى الطريق الصوفي كما يظهر ذلك من قصة نوح العيار مع حمدون القصار.
34
ومن ناحية أخرى نرى أن كثيرا من رجال الصوفية المشهورين ذوي المكانة العالية كانوا من الفتيان قبل أن يدخلوا الطريق الصوفي، وذلك مثل علي بن أحمد البوسنجي وأحمد بن خضرويه وغيرهما.
كان الفتى قبل الإسلام فردا غايته المحافظة على شرفه الذي هو شرف قبيلته، فأصبح بعد الإسلام عضوا في جماعة يعمل من أجلها. ولكن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الفتى كان لها أثر ظاهر في الحالتين.
ويظهر أن أول اتصال بين الفتوة المنظمة داخل هيئات اجتماعية وبين الصوفية كان في العراق المتصل اتصالا وثيقا ببلاد فارس. وكان ذلك في دائرة الحسن البصري الذي أطلق عليه أيوب بن أبي تميمة «سيد الفتيان». والحسن كما نعرف كان من أوائل من مهدوا لظهور التصوف في الإسلام، ومن الذين اعتبرهم متأخرو الصوفية من الأقطاب. ويظهر كذلك أن الانتقال كان إلى عهد الحسن البصري من نظام الفتوة إلى الطريق الصوفي كما تدل عليه عبارة الحسن نفسه التي يقول فيها: «كان الفتى إذا نسك لم نعرفه بمنطقه وإنما نعرفه بعمله وذلك العلم النافع.»
35
ولما ظهر التصوف ظهرت فيه مع فضيلة التقوى مجموعة من الفضائل الأخرى المستمدة من الفتوة، فلما كمل نموه في القرنين الثالث والرابع قويت فيه الفكرة الأساسية التي امتازت بها الفتوة العربية القديمة وهي فكرة الإيثار، واعتبرها الصوفية من أوائل مبادئهم وأضافوا إليها صفات أخرى متصلة بها مثل: كف الأذى، وبذل الندى، وترك الشكوى، وإسقاط الجاه، ومحاربة النفس، والعفو عن زلات الغير، وغير ذلك من معاني التصوف.
Shafi da ba'a sani ba
36
قال علي بن أبي بكر الأهوازي: «إن أصل الفتوة ألا ترى لنفسك فضلا واحدا.» وقال القشيري: «أصل الفتوة أن يكون العبد أبدا في أمر غيره.»
37
وقال بعضهم في تفسير قوله تعالى:
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم : «الفتوة هي كسر الصنم (الوارد في القصة)، وصنم كل إنسان نفسه ، فمن خالف هواه فهو فتى على الحقيقة.»
38
وهذه كلها معان وجدت طريقها إلى بيئات الصوفية والملامتية على السواء، ولعبت دورا هاما في تشكيل أفكارهم ونظرتهم إلى الحياة الروحية.
وليس بصحيح ما ذهب إليه ثورننج من أن إقبال الفتيان على التصوف لا يتفق وأخلاق الفتوة، إلا إذا قصد بالفتوة الفتوة الأرستوقراطية التي كانت من مميزات طبقة خاصة من طبقات الأمة الإسلامية، وهذه لم تظهر إلا في زمن متأخر يحدده المؤرخون بالخليفة الناصر العباسي (575-622ه). أما إذا نظرنا إلى الفتوة في معناها العام وجدناها خالية من هذه النزعة الأرستوقراطية التي تتعارض مع روح التصوف، بل وجدناها دائما مسايرة للتصوف صديقة له يأخذ عنها وتأخذ عنه. وليس للفتيان دعوى امتياز على غيرهم إلا في الشعور بالواجب وفعل ما يقضي به الشرف، لا دعوى أفضلية طبقة على طبقة أخرى داخل النظام الاجتماعي، فإن ادعى فتيان الصوفية لأنفسهم ميزة على غيرهم، لزم أن نحمل هذه الدعوى على المحمل الأول.
ولما كان من صفات الصوفية عامة كثرة الدعاوى - وهي مسألة يختلفون فيها تماما عن الملامتية كما سنذكره فيما بعد - سهل على بعضهم اعتبار الدعاوى من مقومات الفتوة الصوفية، فالفتى الصوفي في نظر هؤلاء من كانت له دعوى يدافع عنها ويضحي بنفسه في سبيلها كالحسين بن منصور الحلاج الذي يقول: «إن رجعت عن دعواي (وهي قوله أنا الحق) وقولي، سقطت من بساط الفتوة.»
39
Shafi da ba'a sani ba
ويتخذ من دعوى إبليس أنه أفضل من آدم في قوله: «أنا خير منه.» ومن دعوى فرعون الألوهية في قوله: «أنا ربكم الأعلى.» دليلا على فتوتهما، فيقول على لسان الأول: «إن سجدت سقط عني اسم الفتوة.» وعلى لسان الثاني: «إن آمنت برسوله سقطت من منزلة الفتوة.»
40
وأما صلة الفتوة بالملامتية فقد أنكرها «هورتن» الذي لم يتردد في تقرير الصلة بين الفتوة والتصوف، مستندا إلى أنهما فكرتان متعارضتان. وهو يرى أن أصحاب الفتوة رجال يجمعون بين التقوى والشعور بالشرف، في حين أن أهل الملامة رجال يحتقرون الدنيا علنا ويعتبرون لوم النفس وسيلة ضرورية لتوصيلهم إلى الكمال الروحي أو الخلقي. ولكن إذا كانت هناك فتوة تتعارض مع المذهب الملامتي فهي «الفتوة الناصرية» المتأخرة التي أطلقنا عليها اسم «فتوة الأرستوقراطيين». أما الفتوة الأولى، أي الفتوة العامة المتصلة بالتصوف، فقد كانت شديدة الاتصال أيضا بالمذهب الملامتي. بل إنني أرى - اعتمادا على ما ورد في رسالة الملامتية للسلمي - أن صلتها بالملامتية كانت أقوى من صلتها بالصوفية، يؤيد ذلك أن السلمي عندما أراد أن يفسر صفات الملامتية ذكر من بينها أخص صفات الفتوة، وأن مؤسسي الملامتية الأولين فهموا «الملامة» على أنها نوع من الفتوة أو الرجولة وأطلقوا على أنفسهم اسم الفتيان والرجال. ويقول أبو حفص النيسابوري: «مريدو أهل الملامة متقلبون في الرجولية لا خطر لأنفسهم.»
41
أما صفات الفتوة التي يطالب الملامتية بها أنفسهم ومريديهم ويعتبرونها جزءا لا يتجزأ من شخصية الملامتي الكامل فكثيرة، نجد الشواهد عليها في كل صفحة من صفحات السلمي، فمن صفات الفتوة في الملامتي ما ورد في الأصل الحادي والأربعين من رسالة الملامتية في قول أبي حفص الحداد لعبد الله الحجام: «إن كنت فتى فيكون بيتك يوم موتك موعظة للفتيان.»
42
يريد بذل كل شيء وعدم الإبقاء على شيء خدمة للإخوان. ومنها ما ورد في الأصل الخامس والأربعين في قول أبي عثمان الحيري في الصحبة: «حسن الصحبة ظاهره أن توسع على أخيك من مال نفسك ولا تطمع في ماله، وتنصفه ولا تطلب منه الإنصاف
43 ... وتتحمل منه الجفوة ولا تجفوه» إلخ.
44
ومنها أن الملامتي هو: «من لا يكون له من باطنه دعوى ولا من ظاهره تصنع ولا مراءاة.»
Shafi da ba'a sani ba
45
ومنها: «إن الملامتية كرهوا أن يخدموا أو يعظموا أو يقصدوا، وقالوا: ما للعبد وهذه المطالبات؟ إنما هي للأحرار.»
46
ومنها: «ترك الاشتغال بعيوب الناس ودوام الاشتغال بعيوب النفس واتهامها.»
47
ومن أجمع ما ورد في رسالة الملامتية من الفقرات التي تشرح صفات الفتوة كما يفهمها الملامتية قول بعضهم وقد سئل عمن يستحق اسم الفتوة، فقال: «من كان فيه اعتذار آدم، وصلاح (أو صلابة) نوح، ووفاء إبراهيم، وصدق إسماعيل، وإخلاص موسى، وصبر أيوب، وبكاء داود ، وسخاء محمد
صلى الله عليه وسلم ، ورأفة أبي بكر، وحمية عمر، وحياء عثمان، وعلم علي، ثم هو مع هذا كله يزدري نفسه ويحتقر ما هو فيه ولا يقع بقلبه خاطر مما هو فيه أنه شيء ولا أنه حال مرضي، يرى عيوب نفسه ونقصان أفعاله وفضل إخوانه عليه في جميع الأحوال.»
48
بل لا أبالغ إذا قلت إن معظم تعاليم الملامتية مستمد من تقاليد الفتيان وتعاليمهم، وقد أشرت إلى ذلك بما فيه الكفاية عند كلامي عن أصول الملامتية وعن نشأة فرقتهم بنيسابور. وفي رأيي أن الملامتية هم «فتيان» زهاد المسلمين الحقيقيون، وفيهم تظهر الفتوة بآثارها الباطنة والظاهرة أكثر من ظهورها في غيرهم من فرق التصوف الأخرى. ولو أنصف الجنيد ما قال: «الفتوة بالشام واللسان بالعراق والصدق بخراسان.»
49
Shafi da ba'a sani ba
بل قال: «الفتوة والصدق بخراسان.» (2) نشأة الملامتية بنيسابور
ظهر مما ذكرناه من العلاقة الوثيقة بين رجال الملامة والصوفية وأصحاب الفتوة أن الملامتية لم تنشأ طفرة بنيسابور وبمعزل عن حركة التصوف العامة التي انتشرت في معظم أنحاء العالم الإسلامي في القرنين الثاني والثالث. كما أنها لم تقف بعد نشأتها عند الحدود الجغرافية التي ظهرت فيها، بل استمدت عناصرها من أصول سبقتها في تاريخ التصوف، فألبست هذه الأصول ثوبا خاصا وتعمقت في معانيها وجعلتها أساسا لتعاليمها، ثم شقت طريقها بعد نشأتها إلى أوساط أخرى صوفية وغير صوفية.
لذلك يجدر بالباحث في تاريخ مدرسة الملامتية بنيسابور أن يلم بحركة التصوف في خراسان عامة: كيف ظهرت هذه الحركة، ومن هم القائمون بها، وما صلة هذه الحركة بالاتجاهات الصوفية التي هي أقدم منها عهدا، ليحدد على سبيل التقريب مركز مدرسة نيسابور من مدرسة خراسان أولا، ومن مدارس التصوف الإسلامي الأخرى في نهاية الأمر. ثم لا بد له - من ناحية أخرى - من أن يلم بالحركات الصوفية التي ظهرت في القرن الرابع وما بعده ليتبين مدى تزاوج الأفكار الصوفية والملامتية خارج البيئة النيسابورية.
على أن نشأة الملامتية بنيسابور لم تتصل بالحركات الصوفية التي سبقتها في خراسان أو خارج خراسان فحسب، بل اتصلت - فيما أعتقد - بحركة أخرى ليست لها صبغة صوفية ولا دينية، وهذه هي حركة الفتوة التي لا تزال غامضة كل الغموض من هذه الناحية. بل ربما أتى كلام الصوفية عن الفتوة التي يعقد لها القشيري بابا خاصا في رسالته، نتيجة لهذه الصلة التي توثقت بين تعاليم الملامتية وتعاليم الفتوة في نيسابور قبل أن تحتل من تعاليم الصوفية خارج نيسابور محلا هاما. وهذه مسألة أعقد من سابقتها؛ لأن علمنا بالفتوة وأساليبها - بالرغم من كثرة ما كتب عنها - لا يزال ضئيلا. وهي حركة من أكثر الحركات في الإسلام خطرا، جديرة بأن يفرد لها الباحثون مؤلفا خاصا يوضح نواحيها التاريخية والاجتماعية والسياسية والصوفية.
لا نعرف من الوثائق التاريخية حركة صوفية في خراسان سابقة على حركة إبراهيم بن أدهم العجلي (المتوفى سنة 160ه) الذي تلقى أصول تصوفه عن أساتذة كلهم من رجال البصرة. ولا يعنينا في هذا الموضوع الذي نحن بصدده إبراهيم بن أدهم بقدر ما يعنينا أتباعه الذين عادوا بعد موته بالشام إلى مدينة بلخ وقاموا فيها بحركة واسعة، ونشروا عن طريق الوعظ والقصص الديني تعاليم أستاذهم في قبائل خراسان في النصف الثاني من القرن الثاني. وإنك لتجد أهم مميزات المدرسة البصرية في التصوف واضحة في مدرسة بلخ هذه؛ ففيها المبالغة في الزهد والعبادة والخوف، وفيها التزام آداب الفقر واعتبار التصوف أمرا باطنيا بحتا لا يؤبه فيه بالمظاهر الخارجية، كما تجد فيها محاربة الطقوس الدينية والتقاليد التي عظم أهل الشام من أمرها.
نعم لم يزد إبراهيم بن أدهم على تعاليم صوفية البصرة كثيرا، ولكنه تعمق - كما يقول الأستاذ ماسنيون - في بعض معانيهم: كالمراقبة التي أخذت معنى أدق من مجرد التأمل أو التفكير في النفس، وكالكمد الذي أحله ابن أدهم محل الحزن، وكالخلة التي أصبح معناها رضا الله الدائم عن العبد. ولكن تلامذة إبراهيم هم الذين أضافوا - تحت تأثير عوامل محلية إن صح هذا التعبير - كثيرا على ما قال به أستاذهم وما قالت به مدرسة البصرة، وأضافوا في شرح بعض الأفكار التي لم تكن قبل سوى قواعد بسيطة للسلوك في الطريق، إفاضة رفعت هذا الشرح إلى مستوى البحوث النظرية، فنرى شقيقا البلخي المتوفى سنة 194ه، وهو من أفضل تلامذة ابن أدهم، يفيض في الكلام عن التوكل الصوفي والرجوع إلى الله في كل شيء. نعم قال ابن أدهم وقال غيره بالتوكل على الله، والتوكل على الله من الأمور التي طالب الإسلام بها وحض عليها، ولكن شقيقا البلخي درس أسبابه وعلة تشريعه وما يترتب عليه من أثر في تنظيم سلوك المريدين، وانتهى من درسه إلى نتيجة ذات أثر بالغ في التصوف الخراساني عامة، وفي تصوف بعض ملامتية نيسابور بوجه خاص. إن قصة إبراهيم بن أدهم التي يبسطها أبو نعيم في ترجمة طويلة، هي قصة رجل راعى «التوكل» في كل خطوة خطاها، وإن تطوافه في العراق والشام طلبا للرزق الحلال الخالي من الشبهات لدليل قاطع على ثقته بالله وتوكله عليه. ولكن للتوكل الذي تكلم عنه تلميذه شقيق البلخي معنى آخر.
يرى شقيق أن التوكل معناه «طمأنينة النفس إلى موعود الله.» فإذا أردت أن تعرف مقدار صدق الزاهد في توكله فانظر بأي الأمرين يأخذ: أبما وعده الله، أم بما وعده الناس؟ وإذا كان الرجل لا يستطيع أن يزيد في حياته أو يغير من طبعه، فكيف يستطيع أن يزيد في رزقه؟ ولماذا يتعب الرجل نفسه في اقتناص أشباح زائلة، أو يتكالب على المكاسب التي قلما تخلص من الشبهات؟ أدت هذه الفكرة العميقة في «الجبرية» بشقيق إلى القول بالتسليم المطلق لإرادة الله والإذعان التام لقضائه وقدره، والتعطيل التام للإرادة الإنسانية، والرضا التام بما هو مقدر في علم الله. وكان من نتائجها قولان كان لهما أثرهما البالغ في تطور التصوف بعد عصر شقيق: أولهما ترك الكسب لأن كل المكاسب مسممة، وثانيهما تفضيل الفقر على الغنى. قال شقيق: «إذا صار الفقير يخاف من الغنى كما يخاف من الفقر فقد تم زهده.»
50
وقد أصبحت المقالة الأولى - مقالة ترك الكسب - من أهم مبادئ التصوف الخراساني منذ عهد شقيق، وعمل على نشرها من بعده تلميذه حاتم الأصم (237ه) وأحمد بن خضرويه (240ه) ومحمد بن الفضل البلخي (243ه). وممن عمل على نشرها في نيسابور أبو حفص الحداد الملامتي (264ه) وأحمد بن حرب (234ه). ويظهر أن المركز الصوفي القوي الذي اشتهرت به بلخ حقبة قصيرة من الزمن انتقل في النصف الثاني من القرن الثالث إلى نيسابور التي ظهر فيها رجال الملامتية الأولون. وقد كان لهؤلاء الرجال - كما سيتضح لك فيما بعد - صلة غير منقطعة بمشايخ مدرسة بلخ وبعض مشايخ بغداد عن طريق التلمذة أو الصحبة أو الزيارة، مما لا يدع مجالا للشك في وجود الاتصال الفكري بين رجال هذه المدارس كلها.
ولئن أراد السلمي وغيره من مؤرخي التصوف أن يرجعوا نشأة الملامتية إلى رجل بعينه كأبي حفص النيسابوري أو حمدون القصار (271ه) أو إلى الاثنين معا باعتبار أنهما واضعا الأسس الأولى لأصول هذه الفرقة، فإنني أرى أن من العبث أن نحاول رد جميع هذه الأصول إلى ما نعرفه من أقوال هذين الرجلين وحدهما، سواء في ذلك الأقوال التي رواها السلمي نفسه لهما في رسالته أو التي أوردها لهما غيره من مؤلفي كتب التصوف أو كتب طبقات المشايخ. بل من العبث محاولة رد جميع هذه الأصول إلى هذين الرجلين وإلى غيرهما من مشهوري رجال الملامتية الذين أخذوا عنهما مثل عبد الله بن منازل (329ه) وأبي عمرو بن نجيد (361ه) وأبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي (328ه) ومحفوظ بن محمود النيسابوري (303ه) ومحمد بن أحمد الفراء (370ه) وغيرهم؛ فإن لأصول الملامتية التي استخلصها السلمي في رسالته صلة لا يمكن إنكارها بمقالات لغير هؤلاء الرجال أخذوها عنهم وفسروها في ضوء نظريتهم العامة. بل إن السلمي نفسه لم يدع أنه استمد أصول الملامتية من عبارات الملامتية وحدهم، بدليل أنه يذكر من متصوفة القرن الثالث يحيى بن معاذ الرازي وشاه الكرماني وسهل بن عبد الله التستري، إلى جانب أبي حفص النيسابوري وحمدون القصار وأبي عثمان الحيري، ويذكر من متصوفة القرن الرابع أبا بكر الواسطي وأبا عمرو الدمشقي وأبا بكر محمد بن علي الكتاني، إلى جانب ملامتية القرن الرابع أمثال أبي عمرو بن نجيد وابن منازل وأبي محمد عبد الله بن محمد الرازي وغيرهم. بل إنه ليكثر من ذكر أقوال أبي يزيد البسطامي، ويستشهد بها على أصول الملامتية حتى يخيل للقارئ أن أبا يزيد كان واحدا منهم.
Shafi da ba'a sani ba
والحقيقة أن مذهب الملامتية يمثل نزعة خاصة في التصوف الإسلامي واتجاها خاصا في النظر إلى النفس الإنسانية وأعمالها وتقدير تلك الأعمال، وفي الزهد ومظاهر ذلك الزهد؛ فكل ما يصلح أن يكون أساسا لهذه النزعة سواء أكان من أقوال الملامتية أم من أقوال غيرهم، وسواء أكان آية قرآنية أم حديثا نبويا، قد ذكره السلمي على أنه أصل من أصولهم. وسنرى في دراستنا للأصول الخمسة والأربعين التي ذكرت في رسالة الملامتية أنها في الحقيقة فروع لعدد قليل جدا من المبادئ العامة التي تعين معالم الطريق الملامتي ويستند مذهبهم في جوهره إليها، وأن هذه المبادئ القليلة هي التي تظهر فيها الخصائص الأساسية لفكرة الملامتية، ويتبين فيها الاتجاه الذي يمتاز به رجال هذه الطائفة من غيرهم من رجال التصوف الآخرين.
مدرسة نيسابور
تعاصر في نيسابور في النصف الثاني من القرن الثالث ثلاثة من كبار الصوفية، أقدمهم يحيى بن معاذ الرازي (المتوفى سنة 258) الذي يقول فيه القشيري: «إنه كان له لسان في الرجاء خصوصا وكلام في المعرفة.»
51
والظاهر أن يحيى - بالرغم من منزلته العالية بين رجال التصوف الأولين - لم يترك أثرا كبيرا في أهل نيسابور لأنه عني بمسائل نظرية في التصوف، والنيسابوريون رجال عمليون في طريقتهم؛ ولأنه، من ناحية أخرى، لم يكن من أهل نيسابور كما كان أبو حفص وحمدون القصار اللذان التف حولهما مواطنوهما مع أنهما كانا أقل من يحيى بن معاذ درجة.
أما أبو حفص
52
فقد كان من كورداباد على باب نيسابور في الطريق إلى بخارى. وقد ذكر الهجويري وأبو نعيم أن أستاذه كان عبيد الله الأباوردي،
53
وذكر الشعراني من شيوخه عبد الله المهدي
Shafi da ba'a sani ba
54 - وهو الأباوردي الذي أشار إليه الهجويري وأبو نعيم - وعليا النصرابادي. وهذا الأخير من نيسابور أيضا ، ونصراباد حي فيها. ولكننا لا نعلم شيئا عن هذين الشيخين، وأغلب الظن أنهما لم تكن لهما شهرة خاصة ولا حظ كبير في حركة التصوف بنيسابور ولا في نشأة أبي حفص الملامتية.
وقد كان لأبي حفص منزلة عظيمة في نفوس النيسابوريين والبغداديين على السواء، فإن الخطيب البغدادي يحدثنا أنه: «لما ورد أبو حفص بغداد اجتمع إليه من كان بها من مشايخ الصوفية وعظموه وعرفوا له قدره ومحله.» وقد ذكر الخلدي أنه سمع الجنيد يقول وقد ذكر عنده أبو حفص النيسابوري: «كان رجلا من أهل الحقائق ولو رأيته لاستغنيت، وقد تكلم من غور بعيد. ثم قال: كان (أي أبو حفص) من أهل العلم البالغين، وأهل خراسان شيوخهم وأحوالهم وأمورهم وحقائقهم بالغة جدا.»
55
ولا بد أن بعض الأفكار المتصلة بالفتوة، ولا سيما فكرة التضحية بالنفس وإيثار الغير عليها، قد تسربت إلى رجال المدرسة النيسابورية بطرق لا ندري الآن تحديدها، واكتسبت على أيديهم معاني صوفية أخرى، مما جعل الفتوة في نظرهم مثالا أعلى في الحياة الروحية، كما كانت من قبل مثالا أعلى في الحياة الاجتماعية. ومما له مغزاه أننا نجد فيما نعرفه من تاريخ حياة الملامتية الأول أمثال أبي حفص وحمدون القصار وغيرهما كثيرا من الأقوال في الفتوة الصوفية التي تخصصوا في فنونها وأساليبها واعتبروا دون سواهم المبرزين فيها، ففي أبي حفص يقول أبو عبد الرحمن السلمي: «سمعت عبد الرحمن بن الحسين الصوفي يقول: بلغني أن مشايخ بغداد اجتمعوا عنده (عند أبي حفص) فسألوه عن الفتوة، فقال: تكلموا أنتم فإن لكم العبارة واللسان، فقال الجنيد: الفتوة إسقاط الرؤية وترك النسبة. فقال أبو حفص: ما أحسن ما قلت، ولكن الفتوة عندي أداء الإنصاف وترك مطالبة الإنصاف. فقال الجنيد: قوموا يا أصحابنا فقد زاد أبو حفص على آدم وذريته.»
56
وهذا اعتراف من الجنيد بأسبقية أبي حفص في ميدان الفتوة. وإذا قارنا بين عبارتي الرجلين تبين لنا الفرق بين وجهتي نظرهما في هذه المسألة: فالجنيد يرى الفتوة في إسقاط الرؤية؛ أي في عدم النظر إلى الأعمال نظرة اعتبار وتقدير، وترك النسبة؛ أي إسقاط العلائق والروابط التي تربط الإنسان بأي شيء أو أي موجود غير الله؛ وعلى ذلك فالفتوة عنده هي الزهد الكامل. أما أبو حفص فيرى الفتوة في أداء ما يراه الصوفي إنصافا وعدلا؛ أي القيام بجميع الواجبات الشرعية والاجتماعية بدون أن يطالب القائم بها بإنصاف من جانب الشرع أو من جانب المجتمع؛ أي إن الفتوة عنده هي التضحية الخالصة.
ومما يؤيد ما ذكرناه أيضا ما حكاه الخطيب البغدادي من أن أبا حفص لما أراد الخروج من بغداد شيعه من بها من المشايخ والفتيان، فلما أرادوا أن يرجعوا قال له بعضهم: دلنا على الفتوة ما هي، فقال: الفتوة تؤخذ استعمالا، معاملة لا نطقا، فعجبوا من كلامه.
57
أي أن الفتوة نظام أو أسلوب من الحياة يحياها الصوفي - وهي حياة الملامتية - لا نظرية تشرح ويتحدث عنها.
ومما له مغزاه أيضا أن أبا حفص قد التقى بأحمد بن خضرويه (240ه) الذي قصده من بلخ، وكان كما يقول المترجمون له: «كبيرا في الفتوة.» وشهد له أبو حفص عندما قال: «ما رأيت أحدا أعلى همة ولا أصدق حالا من أحمد بن خضرويه.» ويقول فيه السلمي: «وهو من مذكوري مشايخ خراسان بالفتوة.»
Shafi da ba'a sani ba
58
وقد كان أحمد من أصحاب أبي تراب النخشبي (245ه) المشهود له بالفتوة أيضا. ولا شك عندي أن اتصال أبي حفص بهؤلاء الفتيان الصوفيين قد كان له أثره في تشكيل فكرته الملامتية وتوجيهها وجهة خاصة. وقد تخرج به أعلام النيسابوريين من الملامتية أمثال أبي عثمان الحيري (298ه) فخر رجالهم وأطولهم باعا، وأبي الفوارس شاه بن شجاع الكرماني (حوالي سنة 300ه)، ومحفوظ بن محمود النيسابوري (303ه)، وغيرهم. وممن صحبه أيضا أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي الذي كان إمام وقته بنيسابور (328ه)، وأبو علي عبد الله بن محمد المعروف بالمرتعش (المتوفى ببغداد سنة 328ه)، وأب محمد عبد الله بن محمد الخراز المتوفى حوالي سنة 310ه وغيرهم.
وأشهر رجال الملامتية على الإطلاق أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة المعروف بالقصار المتوفى سنة 271ه، كان أحد علماء الفقه على مذهب الثوري. وأشهر أساتذته في التصوف اثنان:
الأول سلمان أو سالم الباروسي
59
الذي كان من كبار مشايخ نيسابور ذوي الأتباع. يحكي السلمي عن جده أبي عمرو بن نجيد الملامتي أنه قال: «دخل سالم بن الحسن (الباروسي) على محمد بن كرام
60 (المتوفى سنة 256) فقال له (أي للباروسي): كيف رأيت أصحابي؟ فقال: لو كانت الرغبة التي في بواطنهم على ظواهرهم والزهد الذي على ظواهرهم في بواطنهم لكانوا رجالا. ثم قال: أرى صلاة كثيرة وصياما كثيرا وخشوعا كثيرا، ولا أرى عليهم نور الإسلام.»
ولهذه القصة مغزاها في تأريخنا لرجل من مؤسسي الملامتية؛ لأنها تلقي بعض الضوء على ما كان يعتبر في ذلك الوقت فرقا بين الزهد الحقيقي والزهد الكاذب، أو بين الزهد الملامتي وغيره. نحن نعلم أنه كان من عادة ابن كرام وأصحابه أن يسيروا في البلاد يلبسون الجلد المدبوغ الممزق وعلى رءوسهم القلانس البيضاء يعظون في الأسواق ويروون الحديث، فلما رأى الباروسي مظهرهم أنكره؛ لأنه رأى فيه معنى الرياء، وطالب ابن كرام وأصحابه - كما طالب أساتذة الملامتية تلامذتهم فيما بعد - أن يكون الزهد زهد الباطن لا زهد الظاهر، وأن تكون الرغبة التي يدعونها في بواطنهم بادية على ظواهرهم، وألا يتظاهروا بكثرة الورع والخشوع والصلاة والصيام، ولا غرابة أن تصح فراسة الباروسي في رجل كابن كرام كان يقنع في تعاليمه بإيمان الإنسان بلسانه دون قلبه.
وثاني أساتذة حمدون هو أبو تراب النخشبي (245ه) الذي كان من كبار مشايخ نيسابور، وممن اشتهروا فيها بالعلم والزهد والفتوة. ولكثير من آرائه صدى في تعاليم تلميذه حمدون لا سيما في مسائل التوكل والسؤال والنهي عن لبس المرقعة، وفي معنى الصدق والإخلاص وغير ذلك.
ولحمدون شهرة خاصة من بين مشايخ نيسابور، وهي أنه المؤسس الحقيقي الأول لمذهب الملامتية بها، أو على الأقل أنه نص على أنه مؤسسها. فالسلمي يصفه بأنه «شيخ الملامتية بنيسابور، ومنه انتشر مذهب الملامة.»
Shafi da ba'a sani ba
61
وكذلك يردد هذه العبارة القشيري في رسالته والشعراني في طبقاته، وإن كان أتباع حمدون لا يسمون عادة باسم الملامتية بل باسم الحمدونية أو القصارية.
62
وقد أشرنا إلى صلة أبي حفص بأصحاب الفتوة الصوفية داخل خراسان وخارجها وإلى منزلته الخاصة فيها، ولكننا نجد أن صلة حمدون بالفتيان من الصوفية وغيرهم آكد وأشد. كان بنيسابور فتيان من غير الصوفية في زمن حمدون من غير شك، وكانت لهم هيئات أو جماعات لا نكاد نعرف من أمرها شيئا، وكان يطلق على الفتى منهم اسم «العيار» أو الشاطر أحيانا.
63
وكان الاتصال موجودا بين هؤلاء الفتيان وبين رجال الملامتية؛ بدليل القصة التي ذكرها الهجويري وفريد الدين العطار
64
وهي مما يلقي بعض الضوء على سيرة حمدون القصار ومن اتصل به من هؤلاء الفتيان. قال حمدون: «كنت أسير يوما في حي من نيسابور فلقيت نوحا العيار أحد المعروفين بالفتوة، وكان على رأس الشطار بنيسابور، فقلت له: يا نوح ما الفتوة؟ فقال: فتوتي أم فتوتك؟ فقلت: صف الاثنتين، فقال: «أخلع القباء وألبس الخرقة وأفعل الأفعال التي تليق بهذا الثوب لعلي أصبح صوفيا، وأقلع عن المعاصي لما أشعر به من الحياء من الله. ولكنك تخلع الخرقة لكيلا يخدمك الناس وينخدعوا بك، ففتوتي في اتباع ظاهر الشرع، أما فتوتك ففي تلبية نداء القلب.» وهذا بعينه هو الأساس الذي بنى عليه الملامتية مذهبهم وسلوكهم، خلع الخرقة وكل مظهر يرمز به إلى الورع والتقوى، وتلبية نداء القلب، وإخلاص المعاملة مع الله، فنوح الفتى يود لو لبس خرقة الصوفي لتحول بينه وبين إتيانه ما لا يليق بها من الأفعال وتحمله على فعل ما يتمشى مع ظاهر الشرع، وحمدون الملامتي يخلع عن بدنه ثوب الصوفية ليحول بين نفسه وبين الرياء، ويخلص لنداء قلبه المتصل بالله ليحول بين نفسه وبين ما لا يليق في جانب الله. وإذا كانت الفتوة بمعناها العام هي المروءة والرجولة والإيثار المحض، فهذه معان نجدها متحققة في حمدون القصار أكثر منها في زميله أبي حفص. وليس أدل على ذلك من العبارات المأثورة عنه في رسالة السلمي ورسالة القشيري وما أورده له مؤلفو الطبقات؛ فمن الفتوة عنده ألا يظهر الإنسان العجب والكبر، ومنها غض الطرف عن مواطن التقصير في الغير، ومنها الإيثار والاعتراف بالتقصير والتواضع والتماس المعاذير عند رؤية القبيح إذا صدر عن الغير، وهذه كلها شديدة الاتصال بمعاني الفتوة، ومنها يتألف عدد كبير من أصول تعليم الملامتية.
ليس من غير المحتمل إذن بعد الذي ذكرناه عن مشايخ مدرستي بلخ ونيسابور أن يكون نظام الفتوة الذي كان لا شك سائدا في خراسان، والفتوة الصوفية التي كانت قد ظهرت في العراق، قد مهدا الطريق لظهور المذهب الملامتي ولعبا دورا هاما في تشكيله، وإن كنا لا نستطيع الآن الجزم بشيء في تكييف ذلك التأثير أو تحديد مداه. وقد أشرت من قبل إلى أن عددا كبيرا من الصوفية - وأضيف هنا: والملامتية أيضا - كان ممن تفتى وعاشر الفتيان قبل دخوله في الطريق الصوفي أو الملامتي، نذكر من هؤلاء على سبيل المثال شقيقا البلخي.
65
Shafi da ba'a sani ba