[القناعة]
يا بني: وإياك وكثرة الحرص، فإن التخلق به يرجع بك إلى النقص، ويذهب عن صاحبه الهيبة، وتكثرله من الناس الغيبة.
يا بني: ألزم نفسك التجمل بترك السؤال، ما وجدت البلغة بما قل من المال، فإن رزقك في كل يوم، يمر بك مقسوم، والالحاف في السؤال أمر مذموم، وبهجةالبهاء معه لا تستقيم، ولا مروءة لمن لم يكن الصبر له غالبا، والاحتساب له صاحبا، فادخر لنفسك القنوع بما يبلغك المحل وإن قل، فإن ذلك من شمائل أهل الفضل، حتى تنغلق عنك أبواب العسرة، وتنفتح لك بما تحب أبواب الميسرة، فإن ذا القناعة قد يمنح من الله النصرة، في الدنيا والآخرة. وأخلق بذي التأني أن يظفر بحاجته، وأن يعطيه الله أفضل أمنيته، مع ما يتطول به عليهمن عونه وكفايته!! ولرب ملهوف عجل له غواثه، وقل عليه ارتياثه. ولربما أدب الله عبده بالفقر وابتلاه بالعسر اختبارا، ليجعل له في عاقبة ذلك خيارا، يعلي له به ذكرا في الحظ من لدنه، وهو في ذلك راض عنه! فلا تقطف ثمرة لم يبد لك صلاحها، ولا تطلب حاجة لم يأن لك نجاحها، فإنك تذوق معسول الثمرة في إبانها، وتظفر بحاجتك عند بلوغ أوانها، والمنفرد لخليقتهبالتدبير، أعلم بالمدة التي يصلح فيه التقدير، فاستخر اللطيف الخبير، يخر لك في جميع الأمور.
يا بني ولا تجعل الدهر يوما واحدا، فإن مع اليوم غدا، واطلب حوائجك بددا، ولا تطلب جميع حوائج عمرك في يومك، فيكثر قنطك ويتغلغل صدرك.
يا بني: خاش الجديدين، في كلتا الحالتين، تظفر بإحدى الحسنيين، اصحبهما بأجمل ما به يصحبان، وامرر معهما كما يمران، ولا تصاعبهما فيصاعباك، ولا تكاشفهما فيكاشفاك، بمكروههما، وأقلل من معاتبتهما، وأكثر موادعتهما، وأطل بالرضى مسالمتهما، يثلج من الهموم صدرك، ويصف لك بلذيذ العيش عصرك، واحذر عسفهما فإنهما إن عسفاك عجزت ولم تنتصر، ولم يدافعهما عنك أحد من البشر.
Shafi 212