وإجماع سلف الأمة، وكما علم العلو والمباينة بالمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح، وكما فطر الله على ذلك خلقه في إقرارهم به وقصدهم إياه ﷾.
والقول الثاني: قول معطلة الجهمية ونفاتهم وهم الذين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث له، فينفون الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود عن أحدهما كما يقول ذلك أكثر المعتزلة ومن وافقهم من غيرهم.
والقول الثالث: قول حلولية الجهمية الذين يقولون أنه بذاته في كل مكان كما تقول ذلك النجارية أتباع حسين النجار وغيرهم من الجهمية وهؤلاء القائلون بالحلول والاتحاد من جنس هؤلاء فإن الحلول أغلب على عباد الجهمية وصوفيتهم وعامتهم، والنفي والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم كما قيل: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا، ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء، وذلك لأن العبادة تتضمن القصد والطلب والإرادة والمحبة وهذا لا يتعلق بمعدوم، فإن القلب يتطلب موجودًا فإذا لم يطلب ما فوق العالم طلب ما هو فيه.
وأما الكلام والعلم والنظر فيتعلق بموجود ومعدوم، فإذا كان أهل الكلام والنظر يصفون الرب بصفات السلب والنفي التي لا يوصف بها إلا المعدوم لم يكن مجرد العلم والكلام ينافي عدم المعلوم المذكور بخلاف القصد والإرادة والعبادة فإنه ينافي عدم المعبود، ولهذا تجد الواحد من هؤلاء عند نظره وبحثه يميل إلى النفي وعند عبادته وتصوفه يميل إلى الحلول وإذا قيل هذا ينافي ذلك، قال ذاك مقتضى عقلي ونظري، وهذا مقتضى
1 / 70