وضد هؤلاء الأغنياء الذين تحرم عليهم الصدقة ثم هم نوعان:
نوع يجب عليه الزكاة: وإن كانت الزكاة تجب على كل من قد تباح له عند جمهور العلماء. ونوع لا تجب عليه: وكل منهما قد يكون له فضل عن نفقاته الواجبة وهم الذين قال الله فيهم: " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " وقد لا يكون له الفضل، وهؤلاء الذين رزقهم قوت وكفاف فهم أغنياء باعتبار غناهم عن الناس، وهم فقراء باعتبار أنه ليس لهم فضول يتصدقون بها، وإنما يسبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة بنصف يوم لعدم فضول الأموال التي يحاسبون على مخارجها ومصارفها فمن لم يكن له فضل كان هؤلاء وإن لم يكن من أهل الزكاة. ثم أرباب الفضول إن كانوا محسنين في فضول أموالهم فقد يكونون بعد دخول الجنة أرفع درجة من كثير من الفقراء الذين سبقوهم كما يقدم أغنياء الأنبياء والصديقين عن السابقين وغيرهم على الفقراء الذين دونهم، ومن هنا قال الفقراء: ذهب أهل الدثور وبالأجور، وقيل لما ساواهم الأغنياء في العبادات البدنية وامتازوا عنهم بالعبادات المالية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فهذا هو الفقير في عرف الكتاب والسنة.
وقد يكون الفقراء سابقين، وقد يكونون مقتصدين ويكونون ظالمي أنفسهم كالأغنياء، وفي كلا الطائفتين المؤمن الصديق، والمنافق الزنديق.
وأما المستأخرون فالفقير في عرفهم عبارة عن السالك إلى الله تعالى كما هو الصوفي في عرفهم أيضًا، ثم منهم من يرجح مسمى الصوفي لأنه عنده الذي قطع العلائق كلها ولم يتقيد في الظاهر بغير الأمور الواجبة، وهذه منازعات لفظية اصطلاحية، والتحقيق أن المراد المحمود بهذين الاسمين داخل في مسمى الصديق أو الولي والصالح ونحو ذلك من الأسماء التي جاء بها الكتاب والسنة فمن حيث دخل في الأسماء النبوية يترتب عليه من الحكم ما جاءت به الرسالة.
وأما ما تميز به مما يعده صاحبه فضلًا وليس بفضل أو مما يوالي عليه صاحبه غيره ونحو ذلك من الأمور التي يترتب عليها زيادة الدرجة في الدنيا
1 / 45