والدليل على ذلك اتفاق الأمة على أن من كان مؤمنًا ثم ارتد فإنه لا يحكم بأن إيمانه الأول كان فاسدًا بمنزلة من أفسد الصلاة والصيام والحج قبل الإكمال وإنما يقال كما قال الله تعالى: " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله " وقال: " لئن أشركت ليحبطن عملك " وقال: " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " ولو كان فاسدًا في نفسه لوجب أن يحكم بفساد أنكحته المتقدمة وتحريم ذبائحه وبطلان عباداته جميعها حتى لو كان قد حج عن غيره كان حجه باطلًا، ولو صلى مدة يقوم ثم ارتد كان لهم أن يعيدوا صلاتهم خلفه، ولو شهد أو حكم ثم ارتد أن تفسد شهادته وحكمه ونحو ذلك، وكذلك أيضًا الكافر إذا تاب من كفره ولو كان محبوبًا لله وليًا له في حال كفره لوجب أن يقضي بعدم إحكام ذلك الكافر وهذه كلها خلاف ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع. والكلام في هذه المسألة نظير الكلام في الآجال والأرزاق ونحو ذلك وهي أيضًا على قاعدة الصفات الفعلية وهي قاعدة كبيرة وعلى هذا يخرج جواب السائل. فمن قال إن ولي الله لا يكون إلا من وافاه حين الموت بالإيمان والتقوى فالعلم بذلك أصعب عليه وعلى غيره، ومن قال قد يكون ولي الله من كان مؤمنًا تقيًا وأن يعلم عاقبته فالعلم بذلك أسهل ومع هذا يمكن العلم بذلك للولي نفسه ولغيره ولكنه قليل ولا يجوز التهجم بالقطع على ذلك، فمن ثبتت ولايته لله بالنص وأنه من أهل الجنة كالعشرة وغيرهم فعامة أهل السنة يشهدون له بما شهد له به النص، وأما من شاع له لسان صدق من الأمة بحيث اتفقت الأمة على الثناء عليه فهل يشهد له بذلك؟ هذا فيه نزاع بين أهل السنة والأشبه أن يشهد له بذلك، هذا في الأمر العام.
وأما خواص الناس فقد يعلمون عواقب أقوام بما يكشفه الله لهم، لكن ليس هذا مما يجب التصديق العام به فإن كثيرًا مما يظن به أنه حصل له هذا الكشف يكون ظانًا في ذلك ظنًا لا يغني من الحق شيئًا، وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة ويخطئون أخرى كاهل النظر والاستدلال في موارد
1 / 42