Majmuc
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
Nau'ikan
ألا ترى أن هذه الحواس جعلت لعلم جاعلها بضرورة أصحابها إليها وفاقتهم لها، وجعل سبحانه لهم من الأغذية واللذات ما لا قوام لهم (1) باضطرار إلا بها، وجعل لهم مداخل للأغذية ومخارج، ولا يجعل المخارج للشيء إلا عالم بما صنع من المداخل التي لا قوام لهم إلا بها ولا منصرف لهم عنها إذ اضطرهم إليها، وجعل ما ينتفعون به من الآلات والأدوات من (2) الأيدي التي تصلح للبطش، والأرجل التي تصلح للخطو والحركة والسير، والألسن الناطقة بأفنان الحكمة المؤدية للمصلحة، والعقول المميزة النافرة عن المضار المجتلبة للمنافع، التي هي حجج على من جعلت له.
ولا تكون حكمة محدثة صح حدثها وبطل قدمها، وكانت بعد عدمها إلا من حكيم، مدبر عليم، حي قيوم، ولا يجعل ذلك إلا لبقاءه ونفعه، لا (3) لفنائه وضره، إذ الحكمة موجبة لذلك فيما قد بان من رأفة الصانع، إذ جعل في المصنوعات مصالح تدل على أنه أراد ذلك لها، وأخبر بذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك أوجبت حكمة الألباب أن من مكن من(4) الاستطاعة من الأنام لا بد من إساءته وإحسانه، فوجب لذلك الثواب على إحسان من أحسن من المحسنين، ووجب عقاب من استحق العقوبة من المسيئين، فلما انقضت آجال المحسنين ولم يثابوا، وانقضت آجال المسيئين ولم يعاقبوا، علمنا أن دارا غير هذه الدار يثاب فيها من استحق الثواب، ويعاقب فيها (5) من استحق العقوبة من المسيئين، فنسأل الله أن يرزقنا ما رزق المستحقين لثوابه، وأن يصرف عنا ما استوجب العاصون من عقابه وعذابه، وأن يثبت أقدامنا على صراطه، إنه على كل شيء قدير، وإليه المعاد والمصير.
- - -
Shafi 168