ودليل آخر
لما نظرنا إلى الزمان والهواء، فأمكن في المعقول أن ينفردا من الأجسام، علمنا إذ ذلك أنهما كانا قبل الأشياء، ثم نظرنا إلى الأشياء فإذا هي لا تنفك منهما، ولا يجوز في المعقول أن تكون قبلهما، فعلمنا أن الأشياء محتاجة إليهما، مبنية في الشاهد عليهما، فلما علمنا أن الأشياء لم تكن قبلهما، ولم توجد إلا بوجودهما، رجعنا إلى الطلب لحدوثهما، والاستدلال على صنع الله فيهما، فنظرنا إلى أجلهما وأوضحهما وهو الهواء، هل ينفك طرفة عين أو أقل منها من الزمان؟ فإذا هو لا ينفك منه أصلا، فرجعنا بطلب الدليل على حدث هذا الذي لا ينفك منه شيء من الأشياء، فوجدنا - والحمد لله - في ذلك ما كفانا، ووضح لنا فشفانا، وهو ما ذكرنا، ولو لا خشية التطويل والإكثار، لشرحنا من ذلك ما لا يدفعه عاقل أبدا بإنكار.
ثم علمنا أن الله خلقهما جميعا مع إذ لم ينفك من الزمان الهواء، ثم نظرنا إلى الزمان فإذا هو عرض من أجل الأغراض، دلنا الله به على حدوث جميع الأجسام، وإبطال دعاوى الطغام، أهل التكمه في الإظلام، وأشباه عجم الأنعام، ولما نظرنا إلى هذا العرض الجليل، لم يكن بد له من جسم، فإذا جسمه هذا المكان.
Shafi 85