ألا ترى أن الفروع متشعبة من أصولها، فإن الأصول في التدبير كنسولها، وإذا صح أن في هذه النسول من الحكمة مثل ما في الأرض فلا بد لها من محكم، وإذا صح أن عليها نعمة فلا بد من منعم، وإذا كانا جميعا محدثين، فهما بغير شك متناهيان، لأن الموت وقع على أصولها كلها، وللكل نهاية وغاية.
ألا ترى أن أصولها على معنيين يدلان على النهاية، ويخبران بالأصل والغاية، وهما الحياة والموت، وذلك أن الحياة حوتهم كلهم فلم تغادر منهم أحدا حتى حوته، ولم تترك من أجسادهم جسما حتى حلته، ثم خرجت الحياة من الأجسام كلها، وانتقلت فروعها وأصولها، فلم تبق الحياة جسما حتى فارقته، ولم تترك جسدا حتى باينته، ثم تضمن الموت جميعهم، وحوى أصولهم وفروعهم، وإذا حواهما الموت فقد ناهاهم، وأوضح حدهم وغاياهم، لأنه لم يقع على الفرع حتى تضمن أصله، ولم يفن الفرع حتى أفنى الأصل قبله، وإذا تناهت الفروع إلى أصولها، ورجع أكثرها إلى قليلها، فلا بد من النظر في الأصل الذي هو أقل من فرعه، والبحث عن (1) فعل الحكيم وصنعه، فإذا نظرنا في ذلك علمنا أن الغاية التي صحت، والنهاية التي سلفت، زوجان أصليان غير مولودين، ولا من الأصلاب والأرحام موجودين.
والدليل على حدثهما، كالدليل على حدث فروعها، وذلك أن في كل واحد منهما حكمة في ذاته، ومصالح في جوارحه وصفاته، ثم علمنا أن فيهما جميعا صنعا محدثا، من عجيب خلق الذكر والأنثى، وجعل كل واحد منهما لصاحبه غمدا، وقصد الصانع لإتفاقها قصدا.
والدليل على أنهما كانا قبل حياتهما ميتين، وكانا قبل الحياة معدومين، أنهما إذا كانا حيين معمرين، فلا يخلو ما مضى من أعمارهما من أن يكون كثيرا أو قليلا، وللكثير والقليل نهاية تدل على الابتداء، لأن ما مضى من العمر فقد تناها، لأن كثيره لم يكثر إلا بعد أوليته.
Shafi 120