ودليل آخر أن حركة الحيوانات الأوائل المتقدمة التي زعمت أنها غير متناهية، لا تخلو من أن تكون الآن كلها موجودة، أو هي الآن معدوم وبها معدومة، فوجود ما مضى من حركات الأولين محال، لأنهم إنما تحركوا قبل موتهم في قيامهم وقعودهم، وإقبالهم وإدبارهم، وتنقلهم وسيرهم، والقيام والقعود فغير موجودين، بل يكونان عند جميع الخلائق معدومين، وإذا صح عدم جميع الحركات، التي ذكرنا تولدها من أجسام الحيوانات، فقد صح تناهي أجسامهم، لأن أجسامهم لم تنفك من حركاتهم، وللحركات نهاية وغاية وحال عدم فيه جميعها فانتفى عنها العدم.
ودليل آخر
أن جميع الحيوانات لم تنفك أصولها من الحياة، ثم قد وقع الموت على جميعها ، فهي في حالين محدثين، حال أحييت فيه بعد موتها فحييت كلها، وحال أميتت فيه فماتت جميعه، وإذ لم تنفك من الحالين المحدثين فهي محدثة مثلهما، إذ لم توجد ولم تكن قبلهما، وسبيلها في الحدث سبيلهما، إذ تضمنا أصول الحيوانات فلم تخرج منهما، فكيف لا تتناها الأصول وقد حوت الحياة جميعها، ثم تضمنها الموت بعد حياتها.
فإن قال: وما أنكرت أن تكون طينة العالم قديمة لم تزل ميتة، ثم حييت وانتقلت عن سكونها فتحركت؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا قدمها الذي ذكرت، لأنها إذا كانت ميتة كما زعمت، ثم حييت بعد موتها فذلك دليل على محييها، لأن الحياة من أكثر النعم وأجلها وأعظمها، ولا بد لكل نعمة من منعم، ويستحيل أن يكون الكرم من غير متكرم، إذ في الحيوان من الحكمة مالا يتم إلا لعالم، كما يستحيل أن يكون الكلام المحكم من غير متكلم.
ودليل آخر
إذا كانت الطينة بزعمك لم تزل ميتة ثم بطل موتها، فقد بطل قدم الموت، والقديم لا يبطل.
فإن قال: وما أنكرت من بطلانه؟
Shafi 105