ولما سكتت اليمامة كان وقع كلامها مختلفا بين خشوع وموافقة واستهجان وسخر وجمود، ولم تطل هذه الحال إلا ريث أن وثب الثعلب قائلا ...
خطاب الثعلب
معشر الأحياء:
أنا لا أجهل يا بني أمي أن بينكم كثيرا يتهمونني بالخبث والخسة، فمن خطر له من هؤلاء أن يشك فيما سأقوله الساعة فليفعل؛ فإني لا أحاول تبرئة نفسي!
وعظتكم اليمامة وأوصتكم بالضعفاء، وقالت لكم إن الله بارك في مخلوقاته الضعيفة ليحرم عليكم قتلها، أما أنا فأسلوبي في الوعظ غير هذا الأسلوب، وطريقتي في المنطق خلاف هذه الطريقة؛ أنا أقول لكم إن الله أكثر من مخلوقاته الضعيفة لأنه قدر على أكثرها الفناء في هذا المعترك العصيب، فإن رغبتم في المزيد فاسمعوا ما أقول. إن شئتم أن تستقيم أحوالكم، ويهدأ بالكم، ويعرف كل منكم مقداره، فانبذوا من بينكم هذه الكلمات الفارغة: العدل والحق والواجب والضمير؛ فإنها أوهام يضيع الجهد وراءها هدرا، وعلالات تخدع أصحابها ولا ترد عنهم ضررا.
فما دام في الدنيا القوي والضعيف، وما دامت المساواة مستحيلة، حتى بين الفردين من جنس واحد، والأخوين من نبعة واحدة، فلا عدل.
وما دام الجهل يغطي على أبصار الجاهلين، والخوف والاضطرار يلجمان أفواه العارفين، والأمر يحسن اليوم ويقبح غدا، فلا حق.
وما دامت البرية تحيا بالأهواء وتموت طبائعها بموتها، والغاية من الوجود مستورة عنا، والطبيعة لا تكشف لنا بواطنها القصوى؛ فلا واجب.
وما دام العدل مستحيلا، والحق معدوما والواجب مجهولا؛ فلا ضمير.
فاطرحوا عنكم هذه الترهات التي ما أظن مخترع الغول والعنقاء والشيطان أوسع من مخترعها خيالا، أو أقدر منه على تمثيل المعدوم وتصوير شيء من لا شيء.
Shafi da ba'a sani ba