/1 - فالشرع بوجه عام في أمة من الأمم ليس إلا صورة صحيحة الحياة اجتماعية واقعية. وهدفه العام فيها إقامة العدل وحفظ التوازن في الحقوق والالتزامات، وصيانة حقوق الناس الفردية، ومصالح المجتمع بقواعد قانونية. وهذه القواعد تكون وقتية غير صالحة للخلود إذا كانت تعبر عن أوضاع خاصة عرفية إقليمية، وتكون صالحة للخلود إذا كانت تعبر عن مفاهيم وحقائق مسلمة ثابتة عالمية، كقاعدة منع الضرر وإيجاب التعويض عنه، وقاعدة عدم سريان حكم العقد على غير عاقديه، وعدم تأثيره في حقوق الغير... فالتشريع دائما في الأمة هو كالأدب فيها كلاهما يعطي صورة عن واقع اجتماعي واقتصادي في الأمة، ويعبر عما وصلت إليه الحياة فيها من التطور واللادراك الاجتماعي. وبقدر ما فيه من قواعد ذات مفاهيم تشريعية عامة عالمية الاعتبار، وبقدر ما فيه من توجيه للأمة نحو الإصلاح المستمر ، تكون درجة رقي ذلك الشرع، وصلاحية مبادئه للخلود.
/1 - وليس اختلاف الشرائع بين الأمم إلا تعبيرا عن الاختلاف في الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيما بينها؛ وفي الأهداف التي تتجه نحوها هذه الحياة، وفي المثل العليا 6 التي تستلهمها الأمة وتستوحيها من عقيدتها. فعندما تبلغ الأمة ذروة الرقي الفكري تبلغ تلك القواعد التشريعية لديها منتهاها من الرقي والقوة وتتمتع بالخلود. فالأمة الرومانية مثلا لما كانت تعيش حياة منعزلة عن العالم، منكمشة على عادات خاصة بها كانت قوانينها مجرد عادات، نم شرعا موقتا لحياة محدودة. ولما خرجت من موطنها الأصلي واندفعت نحو الشرق، وحكمت عناصر أخرى من الناس، اضطرت لخروج من نطاق شرعها الضيق، فتطور وتوسع ولكنه بقي موقوتا غير صالح لخلود، إذ كان لهم شرعان: أحدهما يتمتع به الرومان الأصليون، والآخر الأجانب. حتى إذا بلغوا مستوى عاليا في الرقي المدني والفكري بعد القرن الثالث للميلاد، وثبتوا قدمهم الثانية في الشرق الأوسط مهد الحضارات القديمة
Shafi 44