وقد كان من أعظم الأسباب في استغلاق الفقه على الطلاب خلال دراستهم الجامعية أن مسائله الفرعية تتصل بأصولي كلية، ونظريات عامة أساسية، يشترك في العلاقة بكل منها كثير من أبواب الفقه، ويتوقف على الاحاطة بها فهم مسائله وأحكامه، والطالب في بدء دراسته يجهلها جميعا .
و ذلك كنظرية الملكية وأنواعها وأسبابها؛ ونظرية الارتباط التعاقدي، أي العقود، وما ترتكز عليه من أسس عامة؛ ونظرية الشروط العقدية من تعليق وتقييد وإضافة؛ ونظرية المؤيدات التشريعية، وما يتفرع عنها في الحقل المدني من قضية البطلان والفساد والتوقف؛ ونظرية الأهلية؛ ونظرية الضمان؛ ونظرية العرف وسلطانه، ونحو ذلك من المبادىء الأساسية والنظريات الموضوعية االكبرى التي هي من أركان الفقه ودعائم أحكامه، وهي منثورة الأجزاء في غضون الأبواب الفقهية يذكر منها في كل باب ما يتعلق به ، ولكنها يمكن أن تقتطف أجزاؤها وتجمع من أماكنها، وتصاغ منها سلسلة نظريات يصدر بها علم الفقه فتكون مفاتيح لأغلاق مسائله، وتزود الطالب فيه بملكة في الفهم عاجلة كان يحتاج في اكتسابها إلى سير طويل في جميع فصول الفقه .
لذلك رأيت من الضروري أن أقدم بين يدي هذه السلسلة الفقهية مدخلا فقهيا عاما يشتمل على ثلاثة أقسام: - مقدمة تعريفية وتاريخية عن الفقه الإسلامي، ومصادره، ونشأة المذاهب الاجتهادية فيه، وأسباب اختلافاتها، وقيمة تلك الاختلافات في الثروة التشريعية، وحركة التدوين فيه، وطبقات مؤلفاته إلى بروز المجلة وعن سعة هذا الفقه الاسلامي بمجموع اجتهاداته، وعن تطوره وصلوحه لوفاء حاجات العصور إذا أريدت الاستفادة منه، وجاد عليه الباحفون المعنيون بخدمة جديدة وحراثة حديثة يجود على أثرها بما في مناجمه من ثروة دفينة، ومعادن ثمينة.
- النظريات الأساسية في مباني الأحكام الفقهية .
وهي النظم والركائز التأسيسية الكبرى التي تعتبر دعائم الفقه وأركانه وأشرنا آنفأ إلى ضرورة جمعها وتصدير الفقه بها.
Shafi 29