فتح عيونك في سواي فإنما
عندي قبالة كل عين إصبع
وعلى الجملة فإن وادي البردوني الجميل جامع لمحاسن الطبيعة، من خضرة النباتات وزرقة المياه وصفائها وجمال الأبنية ولطف السكان.
ومما يحسن ذكره أن المغفور له الأمير بشير الشهابي الكبير لما جاء زحلة سنة 1814م، ورأى معظم أبنيتها في الجانب الجنوبي وليس في الشمالي (القاطع)، إلا ثلاثة بيوت قرب الماء؛ تأسف لذلك وقال: إن البناء سيتكاثر في هذه الجهة الشمالية وترتفع أثمان الأرض. فحققت الأيام صدق قوله هذا ولا سيما اليوم.
وفي أسفل المدينة على جانبي النهر طريق للعربات، كأنه المنطقة المستديرة بخصر المدينة، وهو يتصل مرارا بجسور متقنة قائمة على النهر، فيمثل دوائر مختلفة الأشكال. وهناك المتنزهات التي تصف فيها الكراسي والمناضد، ويختلف الناس إليها على اختلاف أجناسهم ولا سيما بعد العصر، يروحون النفس بتجاذب الأحاديث وبقبقة النارجيلات، ويقتلون الهموم بطلعة الكئوس المقتولة بماء البردوني كأنها الشموس،
5
وأوراق الأدواح تحدق بهم كأنها المراوح المتحركة تلطف حرارة الهواء، وتنعش الأفئدة بنفحاتها المبردة. وخرير المياه يشنف الآذان بحسن إيقاعه. وبعض الشلالات تنحدر من الأقنية المرتفعة، كأنها الأفاعي الهاربة أو البلور المتكسر على الصخور. والفوارات (النوافر) تنطاد في الجو، كأنها ترشقه بمثل ما رشقها به من حب الغمام (البرد) في الشتاء. والأزهار مرصعة بها بسط الخضرة الزمردية، كأنها النجوم في القبة الخضراء وقد وصفت هذه المناظر سنة 1898م بقولي:
إلى متنزهات النهر بادر
وسرح في مشاهدها النواظر
فبرذوني زحلة في صفاه
Shafi da ba'a sani ba