وهذا الجبل من لبنان الغربي من قضاء المتن، وهو دون جبل صنين الذي يقابله ارتفاعا يشرف على سهلي بعلبك والبقاع والجهات الأخر، وفي سفوحه كثير من القرى.
وبناء مدينة زحلة الحالي يمتد في واد منفرج على ضفتي نهر البردوني، وموقعها بديع يأخذ بمجامع القلوب حسنا، ويتخلل المدينة هذا النهر مترقرقا على الحصى، ومنه تفرعت مجار على الجانبين لإدارة الطواحين المائية.
3
وهي على علو ألف متر ونيف عن سطح البحر في أسفلها، ونحو ألف ومائتي متر
4
في أعلاها. وتملأ أبنية المدينة فسحة الوادي الواقع بين منعطف جبلين من سلسلة لبنان الغربي، منفرجين في وسطهما وضيقين في الجانبين الشرقي والغربي. فالمضيق الغربي هو تحت قرية وادي العرايش التابعة لمديرية بسكنتا من أعمال المتن في لبنان، وهناك تنحدر ذراعان من سلسلة الجبلين المتقابلين، حتى تكادا تتماسان أمام نزل - لوكندة - الصحة القائم على الجانب الشمالي من المدينة، ومن هناك إلى قاع الريم واد عميق جدا ينفرج مرة ويضيق أخرى، فيمثل أبدع المناظر الطبيعية التي تملأ العين حسنا، وفيه كثير من أشجار الحور والصفصاف والتوت والكروم وغيرها. وهناك قريتا وادي العرايش وقاع الريم (قاع فرين) التابعتان لبسكنتا في العدوة الشمالية من الوادي ومقابلهما في العدوة الجنوبية قرية حزرتا، وسكانها من الشيعيين (المتاولة)، وهي تابعة لمديرية المتن الأعلى من لبنان.
والمضيق الشرقي موقعه بين تلة شيحا، المار ذكرها، وتلة أخرى تقابلها على الجانب الشمالي تعرف بتلة الحمار؛ لاحمرار تربتها (ومعظم تربة زحلة بيضاء)، وهي فوق قصبة المعلقة وأطراف حوش الزراعنة التابع لزحلة.
ومن نظر إلى هذا المنفرج بمضيقيه، رآه أشبه بحنجرة يحدق بها مضيقا الفم والمريء (الزلعوم)؛ فيجري البردوني من فم الوادي الغربي وينساب إلى الفم الشرقي، ثم يتخلل السهل إلى أن يصب في نهر الليطاني. فالمدينة غورية جبلية وأبنيتها منضدة بعضها فوق بعض، كأنها سلالم على سفوح وأسناد الوادي.
وذكر أحد سياح الإفرنج أن زحلة أشبه بالرمانة المفلوقة، وهذا التشبيه هو اليوم أصح منه في الأمس لكثرة مسنمات الآجر (القرميد)، التي تمثل حب الرمان الأحمر. وذكر المرحوم الدكتور پوست الأميركاني: إن قرية بيلان في شمالي سورية هي أشبه بمدينة زحلة؛ لأنها مبنية على عدوتي واد عميق، ومنظر بيوتها أشبه بزحلة وكذلك تلولها. فإن ترابها أبيض وفيها وحولها كروم كثيرة، ويشرف عليها جبال شامخة وموقعها حصين.
والبردوني يقسم المدينة إلى قسمين، القسم الجنوبي منهما أكثر عمرانا من الشمالي، ولكن هذا أحدث أبنية من ذاك، وعلى ضفتيه الأشجار المتمايلة بقدودها الممشوقة التي معظمها من الحور، وفي غربيها متنزهات الصفة، وهي من أبدع المواقع الطبيعية يختلف إليها الناس صيفا، فيروحون النفس بنسماتها البليلة، وحول هذه الحدائق النضرة والرياض الغناء طريق عربات يحدق بها، ويتصل بجسور هي أشبه بالأسورة لمعاصم المجاري المائية، يمثل أشكالا هندسية تخلب محاسنها القلوب وتملأ العين جمالا. وفي أعالي المدينة دوالي الكروم اللذيذة العنب، كأنها أصابع تشير إلى جماله، أو تعاويذ من الزمرد ترد عنه عين حاسده منشدة بلسان الشاعر:
Shafi da ba'a sani ba