229

Zuwa'batul Dehur

أبو العلاء المعري زوبعة الدهور

Nau'ikan

وكنت أتنهد بعد كل قراءة وأصعد الزفرات كمن تسلق عقبة عمودية دون أقل استراحة. كان جدي يتلذذ بهذه الأخبار ثم ينصرف بعدها إلى صلاته، فيصلي صلاة حارة، وكثيرا ما كانت تدمع عيناه، وتارة يسمع المارة بكاءه.

وقرأنا مرة عن أنواع العذاب الجهنمي: إن العقل يتعذب بأفكار مؤلمة محزنة جدا، فلا يجد حينئذ أرسطو لذة في حكمته ، ولا سنيكا في فلسفته، ولا جالينوس في طبه، ولا غيرهم من العلماء في علومهم ومعارفهم.

وقد جاء في الأخبار أنه ظهر، لأسقف من أساقفة باريس، معلم ما، كان قد هلك في جهنم، فسأله الأسقف: هل بقي لك شيء من العلوم في جهنم؟

فأجابه المعلم الشقي: إني لست أعرف الآن سوى ثلاثة أشياء: أولها أنه قد حتم علي بالهلاك الأبدي، ثانيها أنه لا رجوع بهذا الحكم، ثالثها أني خسرت مشاهدة الله إلى الأبد لأجل ملذات الجسد.

وقرأنا مرة عن الدينونة العامة وهو رأي للقديس توما اللاهوتي: ما أكثر ما كان مجد إسكندر الكبير ويوليوس قيصر في هذه الحياة! ولكن كيف حصلا على هذا الشرف؟ أليس بالجور والظلم، وسفك دماء أناس أبرياء؟ فهذه الأفعال التي مدحت في دهور كثيرة سوف تهان وتشنع في اليوم الأخير، قصاصا من امتداحها الماضي. وهكذا يصير بالآباء الذين يولدون ثانية ويحيون بأشخاص أولادهم، فيدانون ويشجبون ثانية بمقدار أمثالهم الرديئة التي قدموها لأولادهم.

وقد قال أيضا القديس المتقدم ذكره: «إنه من أجل أن الجسد يبقى في الأرض بعد الموت فيجب أن يدان كل إنسان ثانية في الدينونة العامة؛ لأن أجسادا كثيرة من أجساد الأبرار دفنت في بطون الوحوش الضارية، وقد حرم الدفن كثير منها. وبخلاف ذلك أجساد كثيرة من أجساد الأشرار دفنت بإكرام جزيل في قبور مفخمة؛ فهذا الانعكاس يصلحه الله في ذلك اليوم - يوم الدينونة العامة؛ فالخاطئ الذي وضع جسده في قبر مزخرف يشاهده حينئذ في حال الإهانة والشقاء والعذاب. أما البار الذي لم يدفن بعد موته لكن قبر في جوف الغربان أو بطون الوحوش فإنه يشاهد جسده مكللا بالنور.»

1

فقلت لجدي: وكيف يرجع الجسد بعدما أكلته الغربان والوحوش، فأجابني بكل ما فيه من قوى الإيمان والرجاء والمحبة: الذي قال لها كوني فكانت قادر على كل شيء.

قال هذا وفتح شحيمته يصلي، وأخذت أنا شحيمتي. كنا نصلي معا جوقين: بيت مني وبيت منه، وكل ذلك باللغة السريانية، ولا فرق بيننا إلا أن صوته رخيم جهوري كأنه الأرغن . وكان بعد كل صلاة يعرب لي ما اعتقد أنني لم أفهمه من شعر مار أفرام ومار يعقوب، ثم نختم النهار بالتسبيح والتهليل والتلبية وكل ذلك باللغة السريانية:

شوبحو وهودرو وقولوسو

Shafi da ba'a sani ba