Yaƙoƙin Larabawa a Andalus
معارك العرب في الأندلس
Nau'ikan
ودعا إلى محالفته الأمراء المسلمين في السهلة وشاطبة ودانية ومربيطر (Murviedro)
فلبوا الدعوة لما يضمرون من الكره للمرابطين، ثم ضرب الحصار على المدينة بجيش لهام من النصارى والمسلمين، فصبرت بلنسية عليه مدة طويلة تقاوم الجوع يائسة؛ لأن المرابطين الذين جاءوا لنجدتها هزموا وشتت شملهم، فثار الشعب أخيرا على القاضي جعفر بن جحاف حاكمها الجديد وأجبروه على التسليم، فلم يجد مناصا من مفاوضة رذريق على شروط تضمن السلامة له ولأسرته ولسكان المدينة أجمع، فقبل السيد هذه الشروط، وفتحت له بلنسية أبوابها في أيار سنة 1094م، فدخلها دون أن يتعرض لأحد بأذى، وخطب فيهم فقال:
جعلت لكم يومي الإثنين والخميس موعدين لسماع مطالبكم، فمن كان له حاجة معجلة، فبوسعه أن يدخل علي متى شاء، فأسمع له؛ لأني لن أحتجب عنكم كما كان يحتجب ساداتكم مع النساء للشراب والسماع، وأنا أقضي بنفسي في أموركم، فأكون لكم حاميا وصديقا، وقاضيا ووزيرا، وإذا شكا إلي أحدهم الآخر، حكمت بالعدل بين الخصمين.
ويقول ابن بسام: إن القنبطور ترك ابن جحاف على القضاء نحوا من عام، ثم اعتقله وأهل بيته وقرابته، وجعل يطالبهم بذخيرة القادر بن ذي النون، فأنكر القاضي أن يكون لديه شيء منها، فهدده السيد بالقتل إن كان كاذبا، وهو يعلم أنه قد استولى عليها بعد مقتل القادر، وفي جملتها عقد زبيدة «حمة العقرب» وكان من الزمرد والماس والياقوت، قيل إنه كان لزبيدة زوج هارون الرشيد، فنهب يوم مقتل الأمين، وانتقل إلى الخليفة الأموي في الأندلس عبد الرحمن الثاني.
ثم صار بعد سقوط الدولة الأموية في قرطبة إلى الدولة النونية، فحمله القادر من طليطلة إلى بلنسية، فلما قتل استحوذ عليه القاضي ابن جحاف، ثم امتلكه السيد، وبقي في حوزته حتى مات، فأخذته شيمانة معها إلى قشتالة، ويقول ميناندز بيدال: إن عقد حمة العقرب كان بخزانة قشتالة في القرن الخامس عشر، فأثار شهوة الشريف ألفارو أولينا، فعدا عليه، وعثر الملك جوان الثاني على هذه الحلية سنة 1453م تحت عمود من أعمدة القصر الملكي في مدريد ثم ضاع أثرها، فلم يسمع بذكرها بعد هذا التاريخ.
وقيل: إن ابن جحاف عرض على السيد هدية من ذخائره؛ فردها عليه ولم يأخذها منه؛ فأوجس القاضي شرا، ثم أمره أن يبين في كتاب ما لديه من المال والحلي والجواهر، وأن لا يخفي شيئا عنه، فوعده بذلك، ولكنه أخلف الوعد، وأبقى الذخيرة مطمورة في الأرض، ويقول المقري صاحب نفح الطيب: «فاتفق أنها وجدت عند القاضي، فأمر به فأحرق حيا.»
على أن الذخيرة لم تكن السبب الوحيد الذي حمل رذريق على قتل أبي أحمد بن جحاف، فهناك أسباب أخرى جعلته يحقد عليه، ويرصد له الشر، منها: اغتياله لتابعه القادر بن ذي النون، وإقفاله المدينة في وجهه، وحجزه عنه ما أودع من الحنطة فيها، واستنجاده المرابطين عليه، وتلونه في المفاوضات حينا معه، وحينا معهم، حتى أدى الأمر إلى حصار طويل، أخره عن دخول بلنسية، وأضر بسكانها ضررا بليغا؛ لما أصابهم من الجوع الغاشم حتى أكلوا جلود الحيوانات.
ويقول ابن بسام: إن رذريق كان قد هم بإحراق زوجة ابن جحاف وبنيه معه؛ فضج المسلمون والمسيحيون معا، ورغبوا في ترك الأطفال والعيال، فأجاب رذريق سؤلهم بعد جهد شديد، وأضرمت نار عظيمة في ساحة بلنسية كانت تلفح الوجوه على مسافة بعيدة، وجيء بالقاضي أبي أحمد يرسف في قيوده، وقد احتفر له حفرة، فأدخل فيها إلى حجزته، أي وسطه ومعقد إزاره، وسوي التراب حوله، وضمت النار نحوه، فلما دنت منه ولفحت وجهه قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وقبض على أقباسها وضمها إلى جسده ليقصر مدة عذابه.
ثم اختار رذريق لبون بن عبد العزيز واليا من قبله على بلنسية ليستأنس به المسلمون، وأقام هو في قصر القادر يعنى بإصلاح إمارته وتدبير شئونها، منصرفا إليها بكل قواه، قال فيه أحد المؤرخين: إنه أحبها كعشيقة له. ومع ذلك لم يغفل عن امرأته وأولاده؛ فاستقدمهم من بيفار، ولبث نحو خمس سنوات يقاوم المرابطين، ويمنع تقدمهم في إمارته، فما ينالون منها منالا، ولا يستطيعون الإيغال في الولايات الإسبانية، حتى أصابته الحمى وثقلت عليه الجراح القديمة، وبلغه - وهو على هذه الحال - مقتل ولده دياغو في جيش ألفنس، وانهزام فرسانه أمام ابن عائشة قائد المرابطين في سنة 1097، فآلمه الخطب، واشتد عليه المرض، حتى نهك قواه، وأودى بحياته في تموز سنة 1099.
وكانت الجيوش الصحراوية لا تنفك تهاجم المدينة، فأبت الأميرة شيمانة أن تتخلى عن تراث بعلها؛ فظلت تدافع المرابطين زهاء ثلاث سنوات، وقائدهم مزدلي يشد الخناق على بلنسية، فلما ضاق ذرعها بعثت أسقف المدينة جيروم ذي بيروغورد تستنجد بابن عمها ألفنس، فخف إليها ملبيا، ورفع المرابطون الحصار عن بلنسية عندما عرفوا بمجيئه؛ فدخلها دون أن يلقى مقاومة، ولكنه وجد أن الدفاع عنها يرهق جيشه على غير جدوى، فلم يشأ أن يبقيه فيها عرضة لهجمات الملثمين.
Shafi da ba'a sani ba