فتقدم الكاهن إلى الملك فوضع يده على رأسه فمسحه بالعطور وقال له: أيها الملك المقدس، انهض، وتلق بركة آمون.
فسجد الجميع مرة أخرى، وقام الملك مترنحا ثم أحنى رأسه وقال مرة أخرى: «المجد لآمون!»
وعلت عند ذلك ضجة عظيمة من الجمع العظيم: «توت عنخ حبيب آمون.» وعلت أناشيد الكهنة تدوي بين جدران المعبد العظيم. ولم يلحظ أحد ما اعترى الملك من اضطراب، ولم يسمع أحد تلك الأنة العميقة التي ترددت في صدره تشبه الحشرجة وهو يقول في ألم: أواه!!
شاءول بن شمويل اللاوي
«ما زال المستعبد يحن إلى الحرية وينطق بالأمل فيها، ولكنه قلما يقوى على أعبائها!»
كان لي ولع بالتجوال في الصحراء منذ الصبا، ففيها كنت أملأ صدري من الهواء الصافي الذي لا تعكره أنفاس هذه الإنسانية المزدحمة، وكنت أجد في سمائها جلاء لبصري، وفي عمق سكونها سلاما لنفسي. كنت أنقل عيني بين رمالها الصفراء فأجد راحة لا أجد مثلها بين الحقول الخضراء أو على شاطئ اللجة الزرقاء. فإذا سرت فيها يوما من أيام الشتاء وقد غسل القطر رمالها، كان من أبدع المناظر عندي منظر حصبائها تلمع مختلفة الألوان في قيعان الجداول الصافية، تزري باليواقيت واللآلئ.
وقد جمع حب التجوال في الصحراء بين قلوب مختلفة الميول متباينة الطباع، ألفت الصحراء بين قلوبهم؛ لأنها كشفت لكل منهم مخبوء طبع صاحبه، إذ لا شيء يكشف حقائق الناس مثل البعد عن زخارف المدينة وغشاواتها الخادعة. فهناك في الصحراء يقابل الإنسان أخاه وجها لوجه، ويقابل الحياة صريحة لا تمويه فيها.
وكان صديقي الذي أؤثر صحبته في هذه الجولات صديقا قديما منذ أيام الطفولة، وكنا كلما خرجنا معا إلى قلب الصحراء تبينت لنا تفاهة الحياة المتكلفة التي نحياها بما فيها من حدود وأوضاع وعادات ورسوم وعقائد. كان كل منا يرى في الآخر أخا من بني الإنسان، لا يحتاج معه إلى رباط أوثق من علاقة الإنسانية.
ولقد طالما تساءلنا فيما بيننا إذا ما خلونا إلى النجوى تحت النجوم المتلألئة السرمدية عن جوهر تلك الحدود التي يخلقها الناس فيما بينهم، وكثيرا ما كنا نعجز عن الجواب.
وقد قصدت مع صديقي هذا إلى برية سيناء في بعض أيام الشتاء، وكنا نسير يومنا كله على هينة في سيارتنا، حتى إذا أدركنا المساء ملنا إلى أقرب واد فقضينا فيه الليلة، حتى يطلع الصباح فنستأنف السير معرجين على كل ما نمر به مما يسترعي أنظارنا. وكنا نجد في ذلك كله مجالا فسيحا للتأمل والدرس.
Shafi da ba'a sani ba