وكلاهما عمل لتحريرنا؛ الأول: حرر المرأة من الحجاب. والثاني: حرر أفكارنا من القيود، ونحن في حاجة إلى أن نذكرهما هذه الأيام.
ماذا كان يقول محمد عبده في ظروفنا الحاضرة؟
ماذا كان يقول قاسم أمين في هذا الخبر الذي ذكرته الصحف وهو أن حكومة لبنان قد قررت تعيين ثلاث سيدات في المجلس البلدي وتعيين سيدتين للقضاء؟
ولكن فوق محمد عبده، وقاسم أمين. أحس كأن ذكرى فولتير تصدم رأسي كما لو كانت حجرا يشجه. «أيكرازيه لاتفام». اسحقوا الخزي. صحية مدوية صاح بها فولتير قبل أكثر من مئتي سنة.
أي خزي هذا؟ هو خزي الاضطهاد لمن يخالفوننا في الرأى ...
إننا في أزمة فلسفية من حيث أسلوب الحياة، ومن حيث نظام المجتمع الذي يجب أن نعيش فيه. ونحن أيضا في تنازع بقاء مع أمم كبيرة وصغيرة.
هل نحيا أحرارا نفكر كما نشاء، وكما يهدينا إليه تفكيرنا، أم نتقيد بقيود الماضي. وإلى متى تبقى هذه القيود؟ ألف سنة قادمة أم مليون سنة قادمة؟ ثم هل نحيا في مجتمع انفصالي مختلط، يختلط فيه الجنسان، وتعمل فيه المرأة أعمال الرجال أم نحرم المرأة حقها الإنساني فلا تكون نائبة في البرلمان أو وزيرة أو سفيرة أو قاضية؟
هذه الأزمة الفلسفية التي نعانيها ، أي : فلسفة العيش، قد وجدت أخيرا من التفكير والتعبير في موضوع الأدب والعلم ما حملنا على المناقشة التي تشبه الملاكمة، والذي حملني على كتابة ما تقدم وعلى الكلمات التالية هو فولتير؛ ذلك أن هذا الأديب العظيم الذي علم أوروبا، وعمم حرية التفكير، سئل ذات مرة: من هو أعظم رجل في العالم؟ فأجاب: هو إسحق نيوتن.
ولم يكن إسحق نيوتن من رجال الأدب الذين استطاعوا أن يعرفوا أن رجل العلم أيام النهضة خير من رجل الأدب وأنفع منه، وبكلمة أخرى، لو أن فولتير كان قد سئل أيهما أنفع لأبناء فرنسا كي يدرسوه وينقلوا مؤلفاته إلى لغتهم ... «شكسبير» مؤلف روميو وجولييت أم «اسحق نيوتن» صاحب مبدأ الجاذبية؟ لقال فورا: إنه إسحق نيوتن.
وقد درس فولتير شكسبير وكان يتقن اللغة الإنجليزية التي تعلمها في إنجلترا، ولكنه كان يفهم أن الحضارة علم وصناعة، ولذلك آثر إسحق نيوتن عليه؛ لأنه فهم من العلم أنه ارتقاء وحضارة.
Shafi da ba'a sani ba