إحساس ديمقراطي لا يمكن أن نتصوره عند وزرائنا السابقين أصحاب الضياع، بل كذلك نجد الفرق العظيم بيننا وبين أوروبا حين نقارن بين أصغر المهن وأعلاها، ففي أقطار أوروبا على اختلافها لا يزيد مرتب الوزير على خمسة أو ستة أمثال مرتب الكناس.
الكناس والوزير هما محك الديمقراطية. فإذا تقاربا في الأجر كانت الديمقراطية. وإذا تباعدا في الأجر كان النظام الإقطاعي في الروح، وإن لم يكن في الواقع والقانون، إن الثورة التي قمنا بها في مصر هي ثورة الطبقة المتوسطة، ثورة الرجل «اللي في حاله»، الرجل الذي يمد رجليه على قد لحافه، وهذا الرجل ليس من العمال، وكذلك ليس هو من النبلاء والأمراء، وإخوانهم الباشوات والبكوات.
ولكنه يحس قرابته من العمال؛ إذ هو يعمل مثلهم، وإن يكن عمله هنا بعقله وليس بيديه، فهو عامل يتعب ويعرق.
ويعرف أنه إذا لم يتعب ويعرق فإنه لن يجد لقمة العيش، ومن هنا التفات هذا الرجل، رجل الطبقة المتوسطة إلى العمال، إلى الفلاحين والخدم واعترافه لهم بحق تأليف النقابات، وسعيه لأن يكفل لهم العيش الشريف بتحديد الأجور والإيجارات ومحاولته إلغاء الرواسب الإقطاعية في امتلاك الأرض، بل كذلك محاولته تطهير الإدارة الحكومية حتى ترعى الضعيف والفقير ولا تقتصر على خدمة الأثرياء والأقوياء.
يجب أن نساعد هذا الرجل، رجل الطبقة المتوسطة، على أن يغرس في بلادنا هذه الشجرة، شجرة الديمقراطية، والفرصة الحاضرة هي خير الفرص لتحقيق ذلك، فإن لجنة الدستور تستطيع أن ترى رؤيا جديدة لوطننا بأن تهيئ للمجتمع الجديد الذي يحيا على المصانع ويأخذ بالأخلاق الديمقراطية.
ورجل الطبقة المتوسطة هو في النهاية عامل تقتضيه مصلحته رعاية العمال سواء أكانوا عمال اليد أم عمال الذهن.
إني أخاف على وطني..
التاريخ لا يعيد نفسه، ولو فعل لدار حول نفسه، فلا يكون هناك ارتقاء إلى أعلى أو تقدم إلى الإمام ، وإنما تكون هناك حركة دائرية تنتهي إلى حيث ابتدأت، وإنما التاريخ يعيد المشكلات التي تشبه المشكلات القديمة ويقدم لها الحلول التي تشبه أو لا تشبه الحلول القديمة، ولكنها لا تطابقها؛ إذ هي تجري على مستوى أعلى، أي: إن التاريخ يدور، ولكن في حركة لولبية، كلما انتهى من دورة صعد درجة إلى أعلى وقام بدورة أخرى.
ونحن في هذه الأيام نعاني مشكلة بل مشكلات فلسفية كتلك التي عانتها أوروبا في نهضتها الأولى في إيطاليا ونهضتها الثانية في فرنسا.
وقد ظهر بيننا نحن المصريين، ناهضون مثل قاسم أمين الذي دعا إلى تحرير المرأة، ومثل محمد عبده الذي قال: إنه يعتقد أن كلمة «زندقة» ليست عربية وأنها في الأغلب محرفة عن «هرطقة» اللاتينية، وأنه ليس في الإسلام زندقة.
Shafi da ba'a sani ba