يتذكر طه حسين أسطورة تونسية خلاصتها أن الفتى أحمد والفتاة جويدة، كانا يعيشان في مدينة القيروان فالتقيا، فتحابا، فتعاهدا على الزواج، فغضبت قبيلتاهما وخلعتاهما، فهربا من القيروان، وتزوجا وعاشا في ضيق وضنك؛ يسعى أحمد على جواد له ليكسب رزقه المحدود، وهو لا يجد لديه مالا يشتري به سرجا للجواد، ثم ينقضي عام على زواجهما، وتريد جويدة أن تقدم لزوجها هدية في عيد الزواج، فتقص شعرها الطويل الجميل، وتشتري بثمنه سرجا لجواد أحمد، ولكنه يعود إليها في يوم عيد زواجهما راجلا بدون الجواد وفي يده مشط ذهبي اشتراه لزوجته لتزين به شعرها الطويل الجميل، وهكذا تقدم جويدة إلى زوجها السرج وقد باع الجواد، ويقدم أحمد إلى جويدة المشط الذهبي الذي طالما اشتهته، ولكنها قد قصت شعرها فما حاجتها إلى المشط الآن؟
ويتسامع الناس بقصة هديتي عيد الزواج، وتصل القصة إلى القبيلتين فترق القلوب للزوجين، ويسعى إليهما الأهل، فيردونهما إلى القيروان يعيشان فيها حياة السعادة والرخاء.
وتقول سوزان: «أنا لا أعرف لي قبيلة في فرنسا، وأنت لا تنتظر أن تهرع إليك القبيلة من المنيا.» وهي لذلك تسأل عن وظيفة مدير مكتب الترجمة والنشر العلمي، التي من شأنها أن تعين على الحصول على بعض المال، ويقول لها طه: «على هذه الوظيفة السلام، لقد ضيعتها، مدركا لما أفعل، بمقال ...» وتسأل سوزان: «والآن؟» ويقول طه: «الآن نستأنف الحياة معا، نستعد للعام الجامعي الجديد، ونتحدث بعد العشاء.»
بعد العشاء يقول لها إن جريدة السياسة تعرض عليه الإشراف على صفحتها الأدبية وتحريرها، أي تولي كل مسئوليتها وليس مجرد الكتابة فيها كما كان يفعل من قبل.
وتسأل زوجته: «ألن يشق عليك هذا العمل؟ إنك تبذل في الجامعة مجهودا ضخما.» فيقول طه: «سأخصص الصباح لأعمال الجامعة، وأخصص وقتي بعد الظهر لأعمال الصحيفة.»
وتحاول زوجته أن تثنيه عن القبول فهي لا تريد أن يرهق نفسه، وهو يؤكد لها أن الكتابة لن ترهقه، ويتقدم الليل وتنتهي المناقشة بقوله: «إن الليل يقبل بالمشورة.»
وكعادته يقوم بالتأكد من إغلاق النوافذ والأبواب قبل النوم.
في الصباح يقول طه حسين لزوجته وهما جالسان إلى مائدة الإفطار: «لقد أقبل الليل بالنصيحة، إن أثر محاضراتي على الطلاب محدود بعددهم ... وطلاب الثقافة في مصر والعالم العربي لا يمكن أن يختلفوا جميعا إلى الجامعة، ولا أن يحضروا جميعا محاضرات في الجمعية الجغرافية مثلا، إن الصحيفة وسيلة العصر لنشر الثقافة وإتاحتها لطلابها أينما كانوا ومهما كان عددهم، أرجو أن يوفقني الله في هذا العمل الجديد، إني أحس الحاجة إلى أن يصل صوتي إلى أبناء وطني. وأنا أعدك ألا يطغى وقت الجامعة على وقت الصحيفة وألا يطغى وقت الصحيفة على وقت الجامعة.»
وتجيب هي بأن المهم ألا يطغى الاثنان على الوقت الذي يقضيه مع أسرته، الوقت الذي تحس فيه أن الجامعة والحياة العامة لم تأخذاه منها ومن ولديه تماما ولم تستبدا به غاية الاستبداد.
حديث الأحد ... وحديث الأربعاء
Shafi da ba'a sani ba