لم يكن وجدان يكثر من الذهاب إلى ياسر، فوكيل النيابة بطبيعة عمله قل أن يجد وقت فراغ، ولكن العجيب أن زوجته ميرفت أيضا كانت قليلة الزيارة لسوسن. لم يكن وجدان قد تنبه إلى هذه الحقيقة إلا حين كلمه صفوت هذه المكالمة، وحين عاد إلى البيت أراد أن يخبر ميرفت بالدعوة، فإذا بها تخبره أن الست حنان قد دعتها فعلا كما أكدت سوسن الدعوة، وذكره اسم سوسن لما انتبه إليه وسألها: أراك قليلة الزيارة لسوسن؟ - فعلا. - لماذا؟ - أنت تعرف أنني لست من هواة الزيارة، وهي تعمل كل صباح في البنك. - ميرفت، ليس هذا هو السبب! - هل ستعمل وكيل نيابة في المحكمة وفي البيت؟ - لا والله إنما فقط أردت أن أعرف. - الحقيقة أننا لم نرفع الكلفة بيننا تماما، فهي على كل حال جديدة علينا والزيارات الكثيرة تبدأ قليلة حتى يتعود بعضنا على الآخر. - ولا هذا هو السبب؟ - حتى أكثر من الزيارة لا بد أن أشعر حين أزورها أنني في بيتي، وأنها لا تفكر في مواعيد أخرى تجعل الزيارة محددة الزمن، وهذا أمر يحتاج إلى وقت. وسوسن مشغولة دائما بمواعيد أخرى إن لم يكن الكوافير فصديقات أخريات في النادي. وهي تلعب إسكواش أيضا. أما في الصباح فهي موظفة في البنك كما تعلم. - هذا هو السبب. إنها نوع آخر غيرك. - لا تخش شيئا سنتعود على بعضنا البعض. - كل ما في الأمر أنني عارضت ياسر في زواجه ولا أحب أن يشعر من ناحيتي الآن بما يضايقه. لقد تزوج وقضي الأمر. والزيجة في ذاتها حتى الآن ليس فيها عيوب واضحة، فليظل ياسر أخي، فأنا واثق أنه سيحتاج إلي، ولا أحب أن يتردد إذا احتاج إلى أن يفاتحني. - معقول. حاضر. •••
ذهب عزام ومجيدة ووجدان وميرفت إلى دعوة العشاء. وتساءل في نفسه وهو يصعد المصعد: فيم سيكون الحديث؟ وسرعان ما جاء الجواب؛ هذا رجل صنع الملايين، ألا يستطيع أن يجد موضوع كلام يعجب جماعة من السذج أمثالنا. لن يعدم وسيلة لخلق موضوع إذا لم نتكلم نحن.
كان الترحيب حارا بسعادة المستشار وبالسيدة حرمه وبسعادة وكيل النيابة والسيدة حرمه. وبدا ياسر وهو ينظر إلى المفروشات الفاخرة والثريات الهائلة والتهاويل على الحائط والتحف على المناضد أنه يريد أن يقول لأخيه ولأبيه ولأمه: هيه، أرأيتم أن ابنكم وقع واقفا!
وكان بين المدعوين غريبان قدمهما صفوت على أنهما صديقان له لصيقان، ثم عرف وجدان بعد ذلك أنهما يملكان شركة للتصدير، وأنهما كانا بسبيلهما إلى توقيع عقد مع صفوت، فأراد أن يتفاخر أمامهما بنسبه الجديد.
ودار الحديث في كل شيء. وبطبيعة الحال بدأ بمديح من عزام للمفروشات، وحين أجاب صفوت أدرك وجدان أنه شخص غاية في الذكاء قال: تعرف سعادتك الأبيسون الذي تجلس إليه هذا كان لقطة لا مثيل لها، ملك لتاجر صديقي كان معروضا عند عبد اللطيف شهدي، وحين عرضه علي عرفته، فقد زرت صاحبه عدة مرات وجلست عليه عنده. طلب في الطقم عشرة. قلت ثمانية آلاف، وأنا أعرف أن صديقي كان داخلا في صفقة يحتاج فيها إلى مال سائل من أي طريق، واشتريت الطاقم.
لعلك تتعجب يا سعادة البك كيف عرف فلاح مثلي بدأ في وكالة البلح الأبيسون والكريستوفل وما أشبه؟ أنا كنت صديقا لتاجر لبناني اسمه عطار. كان الله يرحمه لا يفيق من السكر، وأنا والحمد لله لا أشرب، كنت أجلس معه دائما يشرب هو وآكل أنا المزة، ويتكلم عن هذه الأشياء، ولم أكن سمعت عنها، أبيسون مركيت ري كريستوفل، والخشب المطعم بالنحاس، ويسمونه البول، كله عرفته منه.
وقالت حنان: أكان لا بد أن تذكر وكالة البلح؟ - اسمعي يا بنت زكريا بك. الذي يتنكر لأصله لا حاضر له. ولا تعملي نفسك ذكية يا أختي؛ عزام بك سأل عنا قبل الزواج، وإن لم يكن هو سأل، فوجدان بك وأعضاء النيابة يعرفون التائه، فما بالك بالشيء الذي يعرفه الجميع. وإن لم يكونا قد سألا فهما مخطئان، وحاشا لله أن يخطئ سعادة المستشار وهو يزوج ابنه، أو يخطئ سعادة وكيل النيابة وهو يزوج أخاه الأصغر.
وقهقه الجميع بالضحك، فالحديث بسيط وفيه صدق وفيه ذكاء . ذلك الذكاء الذي يخفي نوعا خطيرا من المكر، فشر المكر ذاك الذي يخفيه الحديث الساذج الواضح الطيبة. وأكمل صفوت: تعرف سعادتك كل هذه التحف أعرف أصلها وفصلها بعد الذي تعلمته من عطار الله يرحمه وهو يسكر. ولذلك فتجار التحف يتعاملون معي معاملة الند للند، ولا يحاولون أن يضحكوا علي أبدا.
وقالت حنان زوجته وهي تضحك في فرح شديد: يا أخي دوشتنا بالتحف، وأنا عندي بشرى عظيمة للست مجيدة وسعادة البك المستشار وسعادة وكيل النيابة.
وابتسم عزام في وقار وفرح: البشرى التي تجمعنا لا بد أننا سنصبح أنا ومجيدة جدين، وسيصبح وجدان عما.
Shafi da ba'a sani ba