209

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

Nau'ikan

الفرق بين القصة القرآنية وغيرها الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام، فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلًا، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلًا، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:٤٢]، فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه كما وحد الله ﷿ وعرفنا به ودعا إليه وسلم تسليمًا. أما بعد: عباد الله! أصدق الحديث كتاب الله ﷿ وخير الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام:١٣٤]. فالقصص القرآني عباد الله! قصص حق؛ لأنه وقع في تاريخ البشرية، سجله الله ﷿ لنا في كتابه المعجز من أجل أن يرتقي بأحوالنا الإيمانية، ومن أجل أن يغرس في نفوسنا الصفات الجميلة والأخلاق النبيلة، قال تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ﴾ [هود:١٢٠]، أي: في سورة هود، والله ﷿ يقص علينا القصص من أجل أن يرتفع مستوى الأمة الإيماني، ومن أجل أن تشهد هذه الأمة لجميع الأمم يوم القيامة، كما قال النبي ﷺ: (يدعى نوح يوم القيامة فيقول الله ﷿ له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقول لقومه: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول الله ﷿ لنوح ﵇: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد، ثم تلا قوله ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]). وقال ﷿: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف:٣] بخلاف القصص الدنيوي التي هي من نسج الخيال، وليس من بحر الحقيقة، والتي غالبًا ما يخالطها الكذب، وغالبًا ما يأتي بها الذين قد غلب عليهم التبرج والأفكار الإباحية وهم يريدون -عباد الله- أن يغرسوا في نفوس الناس التعلق بالدنيا والأخلاق المذمومة الباطلة، فمن الناس من يؤهل للسعادة وللحسنى وزيادة فهو يتمتع بسماع القصص القرآني والسيرة النبوية وغير ذلك مما يقربه إلى الله ﷿، ومما يزيده حبًا لله ﷿ ولطاعة الله ﷿، ومن الناس من يقضي الساعات الطوال أمام الأفلام الساقطة والتمثيليات الهابطة التي لا تخلو من متبرجة متهتكة، أو اختلاط ماجن أو رؤية من يشربون الخمور أو غير ذلك مما يغرس في الناس الجرأة على معصية الله ﷿، وكل ميسر لما خلق له، وكل نفس لها ما يناسبها وما يشاكلها، وقد بدأنا في قصص الأنبياء الكرام الذين اصطفاهم الله ﷿ واختارهم على علم، وجعلهم قدوة للبشرية وأسوة حسنة لمن أراد الحياة الأخروية. ذكرنا قصة آدم أبي الأنبياء ثم ذكرنا بعد ذلك قصة نوح وهو أبو البشرية الثاني بعد أبيهم آدم، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات:٧٧]، وهو أول الرسل إلى أهل الأرض.

26 / 2