Lessons by Sheikh Yasser Burhami
دروس للشيخ ياسر برهامي
Nau'ikan
الغني من استغنى بالله
ألم تعلموا وتسمعوا قصة ابن عم النبي ﵊ وهو الحارث بن عبد المطلب، والذي كان من أشد الناس عداوة للنبي ﵊، ومن أشد الناس تحريضًا عليه، وكان ينبغي له أن يكون من أشد الناس حرصًا على النبي ﵊، فلما فتح الله لنبيه مكة وأسلم الحارث كان النبي ﷺ يعرض عنه؛ لما كان يتذكر من أذاه له، ومن شدته عليه حال الجاهلية، فاشتكى إلى علي رضي الله تعالى عنه ما يجد من رسول الله ﷺ، فقال له: ائته من قبل وجهه، وقل له: تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كنا لخاطئين، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن مردودًا منه، فجاءه من قبل وجهه وقال له: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فالتفت إليه النبي ﵊ وقال: «(لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»).
وبهذا كان أحسن مردودًا كما كان يوسف ﵇؛ وهذا لأنه استغنى بالله ﷿، واستغنى بعبوديته لله سبحانه، فاضمحل ما في يد الناس في نظره، ولم يلتفت إليهم قط، فإن عملوا شيئًا فهم يعاملون الله به، وإن قصروا في شيء لم يشعر بهذا التقصير ولم يلتفت إليه، فكان الجود والخلق الحسن من أخلاق النبيين، وكان ﵊ يحسن استقباله بعد ذلك ويرى فيه بديلًا عن حمزة رضي الله تعالى عنه، فمن استغنى بالله ﷿ بافتقاره إليه دون سواه أغناه الله ﷿ عن كل ما سواه، وجعل نفسه كريمة فيها الجود والسماحة وسهولة التعامل، وهكذا تضمحل الأمراض الأخرى مثل: الحسد، والتباغض، والتنافس على الدنيا، وحب الشهرة والرئاسة على الخلق، والملك والسلطان، وهل ترون العالم كله يسعى إلى الدمار وإلى الهلاك وإلى الحرب وإلى القتل وسفك الدماء وانتهاك الحرمات إلا من أجل ذلك؟ فمن استغنى بالله ﷿ أغناه وجعله في غنى عن الناس، وفي غنى عن أن يطلب منهم شيئًا، ومن افتقر إلى الخلق أفقره الله ﷿؛ لأن النفس خلقت فقيرة إلى الله وحده، فهي تميل إلى أن تذل وتخضع لله وحده، فمن كان فقره إلى الله ﷿ كان أسعد السعداء، ومن ظن أنه يستغني بشيء من المخلوقات مالًا كان أو جاهًا أو سلطانًا أو وجاهة عند الخلق فإنه لا يزال في فقر ولا يزال في ضنك وضيق؛ لأنه لم يخلص لله ﷿، فالقلوب إذا سلمت لله ﷾ وأخلصت له ﷿ استغنت به عما سواه، وتذللت وانكسرت.
4 / 7