رُوحي الفداء لأحبابي وإنْ نقضوا ... عهد الوفيِّ الذي للعهد ما نَقَضَا
قفْ واستمعْ راحمًا أخبار مَنْ قُتِلُوا ... فمات في حُبِّهم لم يبلُغِ الغَرَضَا
رأى فَحَبَّ فرامَ الوصلَ فامتنعوا ... فسام صبرًا فأعيا نيلهُ فقَضَى
فنظرَ إلي نظرة مشفق وراحم، وقال: سبحان مقلب قلوب العوالم، ولم أزل على حالي الحائل العجيب، ودمعي السائل المجيب، إلى أن أتت عساكر الليل الجحافل، وأقبلت طلائعه بكل بطل ومقاتل، فحكم الليل في وأمر، وحبس النوم وأسلم العين للسهر، وأطلق أجفاني بسيل المدامع الذوارف، ونصبني واقفًا أتلهف من عينيه وصدغيه على الماضي والسالف، قد شرد النوم عن أجفاني، فمالي بالمنام منال وأمرني بتوديع قلبي عند توديع ذلك الرشا الغزال:
ودَّعتُ قلبي يوم توديعهم ... وقلتُ يا قلبي عليكَ السَّلامْ
وأنتَ يا نومُ انصرفْ راشدًا ... فإنَّ عيِني بعدَهُمْ لا تنامْ
وقد نسيت الكرى والصباح، وتذكرت الجوى والصياح، وساهرت النجوم، وسامرت الهموم، والليل مستمر لا يبرح، وكواكبه لا تتقلقل ولا تتزحزح، وطال علي الليل فهو سنة، فما ألم بمقلتي غمض ولا سنة:
وطالَ عليَّ اللَّيلُ حتَّى كأنَّه ... من الطُول موصولٌ به الدَّهرُ أجْمَعُ
وشرعت في مسامرة القمر، ولم أجد عونًا على السهاد والسهر،
1 / 36