Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Mai Buga Littafi
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Shekarar Bugawa
1315 هـ
ومنهم رجال من سادات التابعين أولهم أويس القرني
رضي الله تعالى عنه
كان من أكابر الزهاد رث البيت قليل المتاع وكان أشهل ذا صهوبة بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة، آدم شديد الأدمة ضاربا بذقنه إلى صدره، راميا ببصره إلى موضع سجوده واضعا يمينه على شماله، وكان له طمران من الثياب وكان يتزر بإزار من صوف خامل الذكر لا يؤبه له، وكان إذا أمسى يقول اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائع فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وكان رضي الله عنه يقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن من صديق فكلما أمرناهم بالمعروف شتموا أعراضنا ووجدوا على ذلك أعوانا من الفاسقين حتى والله لقد رموني بالعظائم.
قال بشر الحافي رضي الله عنه وبلغ من ورع أويس رضي الله عنه أنه جلس في قوصرة من العرى فهذا هو الزهد، وكان رضي الله عنه يقول: لا ينال الناس هذا الأمر حتى يكون الرجل كأنه قتل الناس أجمعين، وقال له رجل أوصني فقال فر إلى ربك قال فمن أين المعاشر؟ فقال إن القلوب يخالطها الشك أتفر إلى الله لدينك وتتهمه في رزقك، وكان رضي الله عنه مشغولا بخدمة والدته فلذلك لم يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى أنه اجتمع به مرات وحضر معه وقعة أحد وقال: والله ما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم حتى كسرت رباعيتي، ولا شج وجهه حتى شج وجهي ولا وطئ ظهره حتى وطئ ظهري هكذا رأيت هذا الكلام في بعض المؤلفات والله أعلم بالحال، وكان قوته مما يلتقط من النوى. وكانوا لا يرونه إلا كل سنة أو سنتين مرة لأنه لما نسبوه إلى الجنون بنى له خصا على باب داره، فكانوا لا يرونه يخرج منه إلا في النادر، وقال له رجل مرة أوصني فقال: وصيتي إليك كتاب الله تعالى، وسنة المرسلين وصالحوا المؤمنين وعليك بذكر الموت ولا يفارق قلبك ذكره طرفة عين، وافصح الأمة جميعا، وإياك أن تفارق الجماعة، فتفارق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار، وقال: له رجل ادع لي فقال حفظك الله ما دمت حيا، ورضاك من الدنيا باليسير وجعلك لما أعطاه لك من الشاكرين.
وطلب شخص أن يجالسه فقال: يا أخي لا أراك بعد اليوم فإني أكره الشهرة والوحدة أحب إلى إني كثير الغم ما دمت مع الناس في هذه الدنيا، فلا تسألني ولا تطلبني بعد فراقك فإني لا أنساك يا أخي، وإن لم أرك وترني، وكان رضي الله عنه يتصدق إذا أمسى بكل ما في بيته، وبلغ من عريه أنه جلس في قوصرة، وكان يلتقط الكسر من المزابل، فيغسلها ويأكل بعضها ويتصدق ببعضها، وقال له هرم بن حيان أوصني فقال توسد الموت إذا نمت وأجعله نصب عينك إذا قمت، وكان يقول الدعاء بظهر الغيب أفضل من الزيارة واللقاء لأنهما قد يعرض فيهما التزين والرياء، ولما دفنوه في قبره رجعوا فلم يجدوا لقبره عينا ولا أثرا رضي الله عنه.
ومنهم عامر بن عبد الله بن قيس
رضي الله تعالى عنه ورحمه
كان رضي الله عنه يقول لو أن الدنيا كانت لي بحذافيرها ثم أمرني الله تعالى بإخراجها كلها لأخرجتها بطيب نفس، وكان قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة وفي رواية ثمانمائة ركعة، فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه إنما خلقت للعبادة والله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ الفراش منك نصيبا، وكان يقول لا أبالي حين أحببت الله عز وجل على أي حال أمسيت وأصبحت، وكان رضي الله عنه يقول منذ عرفت الله تعالى لم أخف سواه، وكان إذا تشوش من إنسان ودعا عليه يقول اللهم أكثر ماله وأصح جسمه وأطل عمره، وكان رضي الله عنه يقول كم من شيء كنت أحسنه أود الآن أني لا أحسنه وما يغني في ما أحسن من الخير إذا لم أعمل به، وكان إذا سافر إن شاء صب من الركوة ماء للوضوء وإن شاء صب منها لبنا للشرب، وكان إذا دخل عليه شيء من الدراهم ينفق منها على المساكين ما شاء ولا ينقص منها شيء، وكان إذا أعطى السائل الرغيف يقول: إني لأستحي أن يكون في ميزاني أقل من رغيف، وقيل له مرة من هو خير منك فقال: من كان صمته تفكرا وكلامه ذكرا ومشيه تدبرا فهذا خير مني، وكان يقول: ذكر الله شفاء وذكر غيره داء، وكان يقول: من جهل العبد أن يخاف على الناس من ذنوبهم، ويأمن هو على ذنوب نفسه، وكان رضي الله عنه يقول: ما غيركم اليوم بخير ولكنه خير من أشر منه. وكان يطعم المجانين فيقول له الناس إنهم لا يدرون الأكل فيقول إن لم يكونوا يدرون فإن الله تعالى يدري، وكان
Shafi 24