Waƙar 'Yanci da Shuru
لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
Nau'ikan
الحب ... ماذا بقي من العاطفة الأليمة الخالدة في عالم خرب منهار؟ ماذا يفعل الشاعر الذي يأكل الجوع ويسكن بين الأنقاض بالحمامة الذهبية التي ترفرف بين ضلوعه؟ بأي عين ينظر إلى عروس السماء الرائعة البائسة، التي تزف إليه كل لحظة وتهجره وتعذبه كل لحظة؟ ألا يزال في قدرته أن يغني لها غناءه الحلو العذب كما فعل آباؤه وأجداده، أم امتلأت قصيدته بالنشاز والأشواك، وانعكست عليها صورة العصر الذي لم يعد عصر القلوب الخفاقة والعواطف الدافئة؟
حدثتك عن مبدأ هام يصدق على الشعر الحديث منذ عهد بودلير ورامبو ومالارميه إلى كبار المجددين في القصيدة الأوربية المعاصرة، وأعني به إلغاء «الأنا» واستبعاد النزعات الشخصية والعواطف الفردية، وطردها من القصيدة بكل سبيل! فماذا يبقى من قصيدة الحب بعد أن طردت الذات من بيتها الطبيعي، وزال «الشخص» في مجتمع الجماهير والزحام، وتحطمت القدرة على التوحد مع العاطفة، التي كانت تعبر عنها قصيدة الحب التقليدية؟ كيف يمكنها أن تواصل الحياة وتثبت قدرتها على البقاء؟
أثبتت قصيدة الحب بالفعل قدرتها على الحياة، والنماذج العديدة التي نجدها في أية مجموعة شعرية مختارة أو النماذج القليلة التي ستقرؤها بعد قليل تؤكد ما نقوله، غير أنها اضطرت أن تغير طبيعتها، وتحيا في حدود الإمكانيات المتاحة لها، والضرورات والواجبات الملقاة على عاتقها.
وأول ما يخطر على البال أنها تجد في البحث عن المحبوب، والتماس الطريق إلى الحب المستحيل! إنه يفلت منها في الزحام، وهي تخفي خصوصيتها الحميمة فتكتسي بأكثر من قناع، وتقاوم حياءها وحساسيتها باللجوء إلى «الموضوعية»، والتخلي عن العواطف الكاذبة والانفعالات الصارخة، والخضوع لقوانين التفتت والتغير والتشوه والآلية التي تطبع حياتنا العادية، بحيث تبدو في معظم الأحيان كأنها تؤكد عداءها لهذه العاطفة القديمة الغالية، أو تجاهد للتنفيس عن إحساسها الفردي الذي لا تريد أن تبوح به حتى لا تتهم بالسذاجة؛ ولهذا تعكس قصيدة الحب قلق الشاعر الحديث وتناقض وجوده، وتبدو أشبه بمسرح داخلي تتصارع عليه الأشباح، ولعل بعض النماذج تمكننا من توضيح ما نحاول الإشارة إليه، وتسمعنا بعض الألحان التي تطلقها هذه القصيدة، وتطلعنا على قبس ضئيل من جمالها القاسي الأخاذ، ونبدأ بإحدى قصائد «جو تفريد بن» المتأخرة - وقد سبقت الإشارة إليه - وعنوانها «ساعة زرقاء»، ترف عليها ظلال من الحب بمعناه القديم، لمحات من الجمال الساحر الغابر، من تنهدات ترستان لحبيبته إيزولده، وشكوى أورفيوس لمعبودته الضائعة في ظلام العالم السفلي:
أخطو في الساعة الزرقاء المظلمة،
ها هو ذا المدخل، الرتاج ينغلق،
وفي الحجرة (تبدو الآن) حمرة على فم،
ووعاء ورود أخيرة - أنت!
كلانا يعلم أن تلك الكلمات،
التي كثيرا ما قلناها للغير وحملناها إليه،
Shafi da ba'a sani ba