Waƙar 'Yanci da Shuru
لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
Nau'ikan
1 - في هجومهم على الأجيال السابقة، وأصبح أدبهم بأجمعه صرخة حارة في سبيل أدب جديد يعبر عن إنسان جديد وقيم جديدة تحقق العدل والحرية والكرامة والإخاء البشري.
أما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الموقف مختلف تمام الاختلاف، لقد انشق الجيل السابق على نفسه بسبب الطغيان النازي الذي اضطر أنبل الأصوات إلى الهجرة أو النفي أو الصمت، كان هناك الأدب الذي أنتجه المهاجرون، ولا يزال قسم كبير منه مجهولا، وما عرف منه لم يتغلل بعد في وعي القراء والأدباء، وكان هناك أدب الكتاب الذين فضلوا البقاء في بلادهم أو اضطروا إليه، ونشروا كتبهم في ظل الطغيان (ولا يعني هذا بطبيعة الحال أنهم انضووا تحت لوائه القذر).
تسبب هذا الصدع في تشويه الصراع الطبيعي بين الأجيال على أنحاء مختلفة، وجاءت الأجيال الشابة فبدأت الحساب الشامل مع الأجيال السابقة على سنة الكارثة (1945م)، ثم أخذت تتطلع لحوار آخر مع أدب المهاجرين الذي بدأ يعود بالتدرج إلى وطنه الأصلي، وتبين للأجيال الشابة أن جيل المهاجرين جيل مختلف عنهم، وأن أصحابه الذين قاوموا الطغيان وتنبئوا بسقوطه ليسوا رفاقهم في السلاح، وتعذر على الشباب أن يجدوا نقطة الالتقاء مع الجيل الذي سبق الكارثة، فكان عليهم أن يبدءوا من نقطة الصفر المخيفة،
2
ولكنهم من ناحية أخرى لم يعدموا فرصة اللقاء مع أدب عظيم آخر كانت بلادهم قد فقدت الصلة به تماما؛ ألا وهو الأدب الأوروبي والأمريكي، ونشطت حركة الترجمة عن الإنجليزية والفرنسية بوجه خاص، وشارك فيها أدباء ما بعد الحرب بنصيب موفور، وتعرف القراء على أسماء كبيرة ولامعة في الرواية، مثل: جويس وبروست، وهنري جيمز وفرجينيا وولف، وهمنجواي وشتينبك وتوماس وولف فوكنر، بالإضافة إلى كافكا الذي كان مجهولا لهم حتى كتب عنه توماس مان ونشر أعماله ماكس برود، كما عرفوا أشعار باوند وإليوت وأودن وديلان توماس، وإنجاريتي ومونتاله وخيمينث ولوركا وجين وألبرتي ونيرودا، وبريتون وميشو وإلوار ورينيه شار وغيرهم وغيرهم من الشعراء والكتاب الذين استوعبتهم القارة، وبقي على الأديب الألماني أن يقرأهم ويتأثر بهم ويتحاور معهم، ولقد أقبل الأديب الألماني على هذا الزاد الوافد بشهية مفتوحة أوشكت أن تفسد معدته! ولم يستطع في البداية أن يتمثلهم ويبرأ من تأثيرهم، فكاد أن يفقد شخصيته ويضيع فرديته، وجدير بالذكر أن بعض الشباب ترجموا للشعراء الأوروبيين أو الأمريكيين، نذكر منهم على سبيل المثال: إنجبورج باخمان التي ترجمت إنجاريتي، وباول رسلان الذي ترجم رامبو وكوكتو ورينيه شار وإلكسندر بلوك وسرجي إيزينين وأوسيب باندلستام، واريش فريد الذي ترجم ديلان توماس وكارل كرولوف الذي ترجم عن الشعر الفرنسي والإسباني، إلى جانب عدد من النقاد والدارسين الذين أسهموا في هذه الحركة النشيطة.
وهنا نجد ملمحا يسري على الشعر كما يسري على الرواية، على اختلاف الأسلوب والموضوع والرؤية، وهو محاكمة الماضي، وتعرية أوهام الأجيال السابقة وآمالها الكاذبة في المستقبل، ومواجهة قيم الواقع والحضارة والمدنية والتقدم ... إلخ، على ضوء الكارثة البشعة والمستقبل الضائع والماضي الذاهب بلا عودة، تلاشى الأمل الساذج في مستقبل إنساني ومثالي، واختفى الإيمان الطيب بماض يرجى إحياؤه وبعثه، وبقي على الأديب أن يحدق في هوة واقع خرب بغيض لا يحتمل!
وليس معنى هذا أن الأدب صار محدودا بالواقع، بل معناه أنه اكتشف آفاقه اللامتناهية التي يحقق فيها إمكانياته المحدودة، بعد أن أغلق باب المستقبل في وجهه، ونفض يديه من ماض ثبت خداعه، صحيح أنه عزف عن رسم صورة الإنسان في المستقبل أو استلهام صورته من الماضي، ولكنه - وهذا هو سر اتصال التراث الذي لا يستطيع أحد أن ينكره مهما تنصل منه - قد استأنف التجربة العظيمة التي يتميز بها الأدب الألماني منذ أجيال: كيف يربى الإنسان؟ أو بالأحرى: كيف يستطيع الإنسان أن يحقق نفسه في هذا العالم؟ وسواء أجاب عليه - كما فعل بعد الحرب - باتهام المجتمع والبيئة أو القول بأن الإنسان حصيلة ظروفه ووضعه، فإنه لم يستطع في الحالين أن يكف عن إلقاء هذا السؤال الذي شغل به أدبه على مر العصور، ولم يستطع أن يعفي نفسه من مسئولية هذه الأمانة التي تقتضي منه الوعي بواقعه، والشهادة على عصره الذي يحاصره من كل ناحية، وليس عجيبا بعد هذا أن يغلب الطابع الأخلاقي بوجه عام على أدب ما بعد الحرب، وأن يذهب الشعر والقصة والمسرحية والمقال والتمثيلية الإذاعية في حساب الضمير كل مذهب، وهذا يؤكد صدق عبارة الفيلسوف الإسباني أورتيجا جاسيت، حين قال: «إن الإنسان يضطر إلى الفعل بوحي من ضميره وشعوره بالمسئولية، حين يعجزه الوهم والخيال عن التحليق ...»
لعل الدهشة أن تكون هي الدليل المقنع على جودة عدد كبير من القصائد التي كتبت بعد الحرب، الدهشة من قدرة الأديب الألماني على الكتابة والإبداع على الرغم من كل شيء ... على الرغم من كل ما كابده وكابدته بلاده - في ساعة الصفر المخيفة - من جوع وشقاء وذل وخراب، ولن تكفينا الصفحات الطوال للحديث عن كل ما تنطوي عليه عبارة «على الرغم من ...» وقد يكون أول ما يرد على الخاطر أن الشعر استطاع أن يعري الواقع من أقنعته الزائفة، وأن يصمد له ويتحداه وجها لوجه، ويطرح كلمات وتعبيرات كانت عزيزة على المعجم الشعري الموروث، فأصبحت أكاذيب تثير الضحك والسخرية! ومن الصعب أن نؤلف بين أشعار ما بعد الحرب في نسق معين؛ لأن معنى هذا أن نتسرع بفرض النظام على واقع متفجر مضطرب لم يعرف النظام.
وقد تساعدنا النظرة العاجلة إلى المجموعات التي توالت في الظهور على تبين بعض الخصائص التي يمكن - مع الحذر الواجب! - أن تهدينا إلى خيط أو خيوط مشتركة بينها، ففي سنة 1948م ظهرت مجموعة شعرية لجنتر آيش
3 (1907-1972م) بعنوان «أحواش نائية»
Shafi da ba'a sani ba