Littafin Masu Karamin Karfi
كتاب المساكين
Nau'ikan
ولو جمع الله أبنية الأماني من أوهام الناس ومثلها، وكشف عنها الغطاء فأبصرناها، لرأينا ثم «مدينة المستقبل» التي لا يملك أفخم قصورها إلا الصعاليك!
ما أنا فلا أرى كلمة «الحظ» فيما نأمله وفيما نتعلل به إلا لحنا من الألحان الطبيعية، التي خلقت في أفواهنا لنتغنى بها تحت الأحمال الثقيلة من مصائب الدنيا وأطماع النفس؛ كي تجم الطباع، وتنشط للسير بأحمالها؛ فما الإنسان إلا دابة للحمل، وعليه أن يحمل من معاني المادة التي يعيش فيها أو يعيش بها، والزمن نفسه بحكمته وعلومه وحوادثه إنما يعلمنا كيف نحتمل الأسواء والهموم أكثر مما يعلمنا كيف نتقيها.
قال «الشيخ علي»: ولكن يا بني ما هذا الذي يرتفع بالخامل، ويتقدم بالعاجز، ويجعل النكرة معرفة والمعرفة نكرة، ويضرب وجه الحق عن مستحقه، ويفلج
8
الضعيف وما يسمو به أمل، ويحرم المجد وما يشك في الظفر، ويخالف في سبيل الأقدار بين نصيب ونصيب، ويقطع في محاولة الأمور بين الأسباب والغايات، ويبعد المنفعة مما به تمامها، فإذا هي مضرة ومفسدة؟
لعلك تقول: إن كل هذا يجتمع في كلمتين هما «السعد والنحس»، وهما تنطويان في لفظة واحدة هي «الحظ»، ألا فاعلم أن هذا من وضع الإنسان لا من وضع القدر، وهي مذاهب لغوية تمر بين أنفسنا وبين أفهامنا، وقد جئتني بجمل تنطوي في كلمتين، وكلمتين تجتمعان في لفظة، وأنا آتيك بجمل في كلمات في صوت واحد؛ فما هي صرخة الألم مثلا؟ أليست قطعة طويلة من كلام النفس يجمعها الحس الثائر المتألم وينتفض فيها فلا تكون إلا صوتا واحدا! وانظر أين هذا الصوت مما يشرحه لك الطبيب من أسباب ذلك الألم وعوارضه في كلام طويل وعبارة سابغة لا يتألم منها حرف، مع أن أحدهما إنما يفسر الآخر كما ترى!
وأنا فلا بد أن أعلمك من أين خرجت هذه الأسماء،
9
لقد خرجت من تاريخ النوع الإنساني كله؛ فان هذا الحيوان العاقل كان يشعر بمعاني الأشياء قبل أن يضع ألفاظها، وكان السخط والغيظ والحسد والمنافسة ونحوها من غرائزه الطبيعية؛ إذ هي المعاني التي بثها الخالق في نفسه لتنشئ في الأرض تاريخ هذه النفس، فكان إذا تعادى رجلان أو فئتان فبغى بعضهما على بعض، أحس الغالب منهما أن قوى الطبيعة معه، وأيقن المغلوب أن قوى الطبيعة عليه؛ لأن الإنسان لم يكن عرف نفسه بعد، وكان هو وحده يمثل في هذه الطبيعة المخيفة الرائعة فكرة الخوف العاقلة!
فهذه الثقة في القوى الطبيعية المجهولة من الإنسان، وهذا الشك فيها والخوف منها، هما الأصل في تاريخ لفظتي: السعد والنحس.
Shafi da ba'a sani ba