Littafin Masu Karamin Karfi
كتاب المساكين
Nau'ikan
إن كل امرئ يريد لنفسه لا لسواه، وإن أول التوفيق أن تريد ما يصلحك، وأول الخذلان أن تريد ما لا يصلح لك، وما الطمع إلا فقر حاضر ولو كان طمع الغني.
وإن هذه النفوس لتبلى من طول ما يلبسها قدر ويخلعها قدر؛ فلقد رأيت غير الموفق حين يجور في إرادته، ويضل في مسعاته، ويلتمس من الغيب ما يقدر لنفسه دون ما قدرت له نفسه؛ لا يبرح يكد ويسعى، وكلما لبس حالة من دنياه فاضت عليه فخلعها، أو ضاقت عنه فخلعته، ولا يزال ذلك من دأبه ودأب القدر معه حتى يهن ويضعف ويصير إلى البلى في نشاطه وحزمه، وفي طماحه ورغبته، وقد أنفق من حياته ما لا يرد في ابتغاء ما يدرك، وهذا كله هلاك بطيء يأتي على العمر، وما العمر بمقدار الزمن الذي تعيش فيه، ولكنه مقدار ما توفق من عيشك.
وهل سمعت برجل كان يحفر قبره منذ عقل معنى الموت، وقد نذر أن لا يحول عنه، ثم لم يزل يوسع الأرض من عمله، ويفسح في جوانب هذا القبر، وعمر طويلا، وغبر على ذلك دهره، حتى أصبح قبره يأكل القبور أكلا،
6
ثم أدركه الموت فانطرح فيه رمة بالية، فإذا هو لا يملأ من جوفه عمل يوم واحد مما كان يعمل، وبقيت الحفرة كأنها فم مفتوح تصيح منه الأبدية: أين الميت العظيم الذي أعد كل هذا لجيفته؟ وما بال هذا الساعد وما بال هذا المنكب؟ وفيم كان ذلك العمل؟ وما هذا النبوغ الميت الذي ضاعت فيه الحياة، ولم يعظم به الموت؟
إنك إن لا تكن سمعت بهذا الرجل، فلقد رأيت كثيرا من مثله يعملون للحياة عمل ذلك الأحمق بعينه للموت؛ فهو لم يمت بمقدار ما أعد لنفسه، وهم لا يعيشون بمقدار ما جمعوا لأنفسهم، ومنهم من أنفق العمر في أكثر من حاجته، ومنهم من أضاعه في غير حاجته، والعمر لا يستخلف، وكلا الفريقين طرف من قياس واحد في الخذلان وإن كان أحدهما يبتدئ من عكس الجهة التي يبتدئ منها الآخر.
لا يوجد على الأرض من يملك شيئا في الأرض غير محدود، ولكن ما من أحد يملك طمعا محدودا في نفسه، ومن هنا كثر ما يسميه العامة «سوء الحظ»، وإنما هو سوء التوفيق.
أما حسن الحظ فما أحسب الناس يعرفون ما هو، وما أراه إلا رغبة مجنونة لا يقرها العقل ولا يستقيم بها نظام الدنيا، وإنما عرف الناس في كل وجه من وجوه الحياة كيف تكون الخيبة، وكيف يمرض الأمل، وكيف يهلك الطمع، وسموا ذلك «سوء الحظ» فحسبوا أن لهذه الأحوال ضدا، وجعل كل واحد يتمنى لنفسه هذا الضد، ويصفه ويسميه «حسن الحظ» لأنه زعم لا سوء فيه، كالذي يسمع بالموت فيحسب أنه يعرف ما هو الموت؟ والحقيقة أنه لا يعرف منه شيئا، وإنما عرف الحياة الهالكة!
يأبى كل أحمق إلا أن يختط لله خطة يبني له عليها مستقبله، فكأنما يريد أن تمشي يد الله في التقدير على أجزاء الصورة التي في خياله!
7
Shafi da ba'a sani ba