Takaitaccen Tarihin Iraqi
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Nau'ikan
من عبد الله هارون أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم، أما بعد: فقد فهمت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسلام على من اتبع الهدى.
ويقال إنه كتب: «الجواب ما تراه لا ما تسمعه، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.» وعلى أثر ذلك زحف الرشيد بخيله ورجله، فكانت له اليد العليا عليه، واضطر الروم إلى المسالمة والموادعة، وأوجبوا على نفوسهم حمل الجزية، ولقد غزاهم غزوات جمة ولم يخفق في واحدة منها.
والخلاصة: كان هارون الرشيد في عهده كما كان أوغسطس قيصر ملك الرومان في عصره، وما يكون لويس الرابع عشر ملك الفرنسويين في القرن الثامن عشر للميلاد. على أن الذي يلام عليه الرشيد إلى أبد الدهر هو نكبته للبرامكة، وإفناؤه لهم عن آخرهم، وبذلك هدم الدولة العربية وحضارتها، وأهوى بها من حالق إلى أسفل سافلين. وقد ذهب الناس في سبب هذه النكبة مذاهب شتى، منها: أن الرشيد نكب البرامكة؛ لأن جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي خالط العباسة أخت الرشيد، وهذا لا حقيقة له، فلو فرضنا أن ما ينسب إلى جعفر قد وقع فإن الرشيد ما كان يقتل إلا المذنب نفسه؛ إذ يعلم أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهل يمكن له - وهو العاقل المحنك - أن يقتل الأسرة كلها بذنب واحد منها؟! فهذا الرأي إذا فطير. وذهب آخرون إلى أن سبب النكبة هو امتلاء صدر الرشيد حسدا مما رآه في جعفر من الهمة البعيدة في تنشيط العلماء، وتعريب كتب الأجانب، فأراد أن يمحو ذكر البرامكة بإبقاء ذكره، وهذا أيضا رأي فج؛ لأن قتل الرجال لا يمحو آثار الأبطال، بل يزيدها ذكرا ومجدا وتخليدا. وذهب ابن خلدون بعد تفنيد بعض هذه الآراء إلى أن سبب النكبة كان من استبدادهم بالدولة واحتجابهم أموال الجباية، وهذا أيضا ضعيف؛ لأنه لو كان الأمر كما يزعم الناقد المذكور لكان اكتفى الرشيد بخلعهم من الوزارة ومصادرة ما بيدهم من الأموال الطائلة وعزلهم عن كل وظيفة، لا قتلهم.
وذهب فريق من الناقدين إلى أن سبب هذه النكبة كان التجاء الناس في جميع أمورهم إلى البرامكة دون أمير المؤمنين، وهذا أيضا لا يوجب القتل، ولو صدق أن سواد العوام كانوا يلتجئون إليهم في دعاويهم وظلاماتهم لكان كفى الرشيد أن ينزع منهم وظائفهم، فيصبحوا من الرعايا، فلا يلتفت إليهم أحد. والذي نراه نحن أن سبب هذه النكبة العظمى هو سياسي، وهو تحزبهم لأهل البيت؛ فقد قال الرشيد يوما لأبي معاوية: «هممت أنه من يثبت خلافة علي بن أبي طالب فعلت به وفعلت به.» وقد قال جبريل بن بختيشوع طبيب الرشيد المقرب منه إن الرشيد تحول عليهم بتمحل الفضل بن الربيع الذي يتعصب على أهل البيت، ويذكر له ما على باب البرامكة من الجيوش والغلمان والمواكب، ويخوفه استفحال ملكهم في خراسان وفارس، ويوهمه تمحلهم في إزالة الأمر من يده، وأن مال الدولة وجندها في أيديهم، فلما تحقق الأمر صمم على إبادتهم؛ لأنهم جميعا كانوا على هذه الفكرة، يشهد على ذلك أن العلويين الذين ساروا إلى المغرب نزحوا بإيعاز البرامكة؛ إذ كانوا لهم متحزبين ومتعصبين، وهم الذين قلدوهم الولايات بدون أن يتعمدوا ضرر الرشيد، بل تمكينا لدعائم الدولة الإسلامية في العالم، ومشاطرتهم بعض الولايات ليلهوا بها عن الطموح إلى الخلافة ودس الدسائس وإحداث الفتن.
ومجمل الكلام أنه كان للرشيد محاسن ومساوئ، وهي تكاد تتعادل، ومن آثاره الجليلة أنه اتخذ المصانع والآبار والبرك والقصور في طريق مكة، وبنى الثغور ومدن المدن، وحصن فيها الحصون، مثل طرسوس، وأذنة، وعمر المصيصة ومرعش، وأحكم بناء حرب (على طريق حاج صنعاء)، إلى غيرها من دور السبيل والمواضع للمرابطين. ومما أدخله الرشيد في عالم الحضارة ثم تبعه ملوك الإفرنجة على اختلاف طبقاتهم وبلادهم، واليوم أخذ يتبعه جميع المتمدنين في ديار الإفرنج: الألعاب الرياضية البدنية، والألعاب الفكرية. فالرشيد هو أول خليفة لعب بالصولجان في الميدان، ورمى بالنشاب بالبرجاس، ولعب بالكرة والطبطاب، وهو اللعب الذي قد أغرم به الإنكليز أشد الغرام، وقرب الحذاق والمهرة في هذه الألعاب، حتى عم الناس ذلك الفعل حصولا على الجوائز التي كان يحسن بها الرشيد على المبرزين فيها، وطمعا بنظر الخليفة إليهم، وكان أيضا أول من لعب بالشطرنج من آل عباس، وكذلك بالنرد (الطاولة)، وقدم اللعاب وأجرى عليهم الأرزاق، فسمى الناس أيامه لنضارتها وخصبها «أيام العروس».
وكانت وفاته في طوس سنة 193ه/809م، وكانت خلافته نيفا وثلاثا وعشرين سنة، وكان عمره خمسا وأربعين سنة وشهرين و16 يوما، ودفن هناك بطوس. (4-5) الأمين
وقام بعده ابنه الأمين في 19 جمادى الآخرة سنة 193ه/21 نيسان سنة 808، وكان ذا قوة مفرطة، وبطش، وشجاعة معروفة، وله فصاحة وبلاغة وأدب وفضيلة، لكن كان سيئ التدبير، كثير التبذير، ضعيف الرأي، أرعن، لا يصلح للإمارة، فأول ما بويع بالخلافة أمر ثاني يوم ببناء ميدان جوار قصر المنصور للعب بالكرة، وكان حسن له خلع أخيه المأمون من ولاية العهد وتولية ولده موسى، فكاتبه يستدعيه إلى بغداد، فعرف السبب واستدعاءه فامتنع، ونفذ عسكره صحبة طاهر بن الحسين، ونفذ الأمين أيضا عسكرا، فالتقوا فانكسر عسكر الأمين وغنمت أموالهم، ونزل عسكر طاهر بن الحسين على بغداد محاصرا لها، وكان الأمين متشاغلا بلهوه ولعبه، وذاك مجدا في القتال والحصار واستمالة العساكر والوجوه، إلى أن ظفر بالأمين فقتله ليلة الأحد خامس المحرم سنة 198ه/6 أيلول سنة 813م بالجانب الشرقي، وقد عبر في سفينة، فأمسك وحمل رأسه إلى المأمون وهو بخراسان، ودفن جسده في مقابر قريش، وكانت خلافته 4 سنين و4 أشهر، وليس له عقب في الخلافة والخلفاء من ولد أخيه المعتصم. (4-6) المأمون
في السنة التي قتل فيها محمد الأمين (198ه) ورد كتاب من المأمون بعد قتل أخيه بخلع القاسم بن هارون الرشيد، وفيها بويع المأمون البيعة العامة في 15 المحرم (16 أيلول سنة 813)، والمأمون هو أعظم خليفة عباسي قام في بغداد، وإن تكن الشهرة لأبيه هارون، فقد قال السيوطي: كان أفضل من رجال بني العباس حزما وعزما، وحلما وعلما ورأيا، ودهاء وهيبة وشجاعة، وسؤددا وسماحة، وله محاسن وسيرة طويلة، أدبه اليزيدي، وجمع الفقهاء من الآفاق، وبرع في الفقه والعربية وأيام الناس، ولما كبر عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها، فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن. ولم يل الخلافة من بني العباس أعلم منه، وكان فصيحا مفوها، وكان يقال لبني العباس فاتحة، وواسطة، وخاتمة، فالفاتحة: السفاح، والواسطة: المأمون، والخاتمة: المعتضد. وكان معروفا بالتشيع، حتى إنه خلع أخاه المؤتمن من العهد، وجعل ولي العهد من بعده «علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق»، حمله على ذلك إفراطه في التشيع، حتى قيل إنه هم أن يخلع نفسه ويفوض الأمر إليه، وهو الذي لقبه الرضى، وضرب الدراهم باسمه، وزوجه ابنته، وكتب إلى الآفاق، وأمر بترك السواد ولبس الخضرة، فاشتد ذلك على بني العباس وخرجوا عليه، وبايعوا إبراهيم بن المهدي، ولقب المبارك، فجهز المأمون لقتاله، وجرت أمور وحروب، وسار المأمون إلى نحو العراق فلم ينشب علي الرضى أن مات في سنة ثلاث ومائتين، وبلغ إبراهيم بن المهدي تسلل الناس من عهده، فاختفى في ذي الحجة، فكانت أيامه سنتين إلا أياما، وبقي في اختفائه مدة ثماني سنين، ووصل المأمون إلى بغداد في صفر سنة أربع، فكلمه العباسيون وغيرهم في العود إلى لبس السواد وترك الخضرة، فتوقف ثم أجاب إلى ذلك. ا.ه.
وقال صاحب كتاب «خلاصة الذهب المسبوك»: «كان المأمون شهما أبي النفس، أخذ من جميع العلوم بقسط، وضرب فيها بسهم، واستخرج كثيرا من كتب الطب وترجمت له، واستخرج إقليدس وترجم له، وعقد المجالس للمناظرة بين أهل العلم في الأديان والمقالات، وغزا الروم، وفتح فتوحات كثيرة، وكان جوادا موصوفا بالحلم، وعفوه عن إبراهيم بن المهدي - عمه - وقد نازعه رداء الملك بعد أن بويع له بالخلافة مشهور، وعفوه عن الفضل بن الربيع الذي جلب الحرب بينه وبين أخيه الأمين معلوم، وعن الحسين بن الضحاك، وقد بالغ في هجائه وأطنب في تقبيح ذكره تعصبا لأخيه الأمين مفهوم.»
وقال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: «إن العرب في صدر الإسلام لم تعن بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها، حاشا صناعة الطب، فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم، غير منكورة عند جماهيرهم، لحاجة الناس طرا إليها، فهذه كانت حالة العرب في الدولة الأموية، فلما أدال الله تعالى للهاشمية وصرف الملك إليهم، ثابت الهمم من غفلتها، وهبت الفطن من ميتتها. وكان أول من عني منهم بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور، وكان مع براعته في الفقه كلفا في علم الفلسفة، وخاصة في علم النجوم. ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هارون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه، وداخل ملوك الروم، وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة، فبعثوا إليه منها ما حضرهم، فاستجاد لها مهرة الترجمة، وكلفهم إحكام ترجمتها، وترجمت له على غاية ما أمكن، ثم حرض الناس على قراءتها، ورغبهم في تعليمها، فكان يخلو بالحكماء، ويأنس بمناظراتهم، ويلتذ بمذاكراتهم؛ علما منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه، ونخبته من عباده؛ لأنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة، وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصنائع العملية، والتباهي بأخلاق النفس الغضبية، والتفاخر بالقوى الشهوانية؛ إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها وتفضلهم في كثير منها.
Shafi da ba'a sani ba