يا بني، إنَّ الملوك لا يسمحون بالملك أنْ يخرج من أحدهم في حياتهم إلاّ إلى الولد والقريب، حمير إذا حيل بينه وبينه، وبلغت النفس اللهاة قال: هاك خذه حباء! هيهات جاد بما ليس له. إلاّ وإني أحبوك به أحرص ما كنت على الحياة، ألا وإنَّ الالغبطة أنفس من القارضة؛ ولرب قائل منهم يقول: ألا يا ليتني إذا مت أرجع فأنظر ما يصنعون. ألا وإني جعلت آخر الأمر أوله لأخرج من الدنيا وليس لي شجن فيها، وأنشأ يقول:
جعلت عمري أثلاثًا فأوله ... صبي وأوسطه للغشم والحرث
ثم استقمت فكان الثلث آخره ... قسما لدنياي موفورًا لآخرتي
فلما توفي شدد قام بعده ابنه وتار، وكان ولي عهده، وكان في عهد إليه:
إذا أنا مت فقف عمرك على خمس خصال، تستعذب وردها، وتستعدي صدرها، وتحمد غبها: على فرض لله تؤديه، وقرض لنفسك نقضيه، وتيقظ في الملك تحميه، وحكم عدل في الرعية تمضيه، ولذي اللب في غير الدهر ما يكفيه
ولم تطل مدة وتار، ولا ثبت قدمه في الملك؛ حمير نازعه عمومته بنو الصوار في الأمر، وقالوا: نحن أقعد، وإنّما هو ملك أبينا، ولن نتخاطى به إلى الأولاد دون
الآباء. فشح في ذلك وشحوا، وتداعوا إلى الحرب. ولمّا رأت ذلك وجوه حمير خافوا الفرقة وحاذروا القطيعة، فرأوا خلع وتار وإخراج عمومته من الملك، وفتلوا حبل الملك في
1 / 56