قدم زياد البصرة واليا لمعاوية، وضم إليه خراسان وسجستان، والفسق بالبصرة كثير فاش ظاهر، فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها، قال:
أما بعد، فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى عنها الكبير، كأنكم لم تقرءوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول، أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله؟ ما هذه المواخير المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعدو غير قليل، ألم تكن فيكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار؟ قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغضون عن المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبته، ولا يرجو معادا.
ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السفهاء فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونه حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوسا من مكانس الريب. حرام علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا.
إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله؛ لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، وإني أقسم بالله لآخذ الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم قناتكم.
إن كذبة المنبر بلقاء مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، فإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في، واعلموا أن عندي أمثالها. من نقب منكم عليه فأنا ضامن لما ذهب منه، فإياي ودلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بمقدار ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليكم.
وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد أحدا دعا بها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم إحداثا لم يكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوما غرقناه، ومن أحرق قوما أحرقناه، ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرا دفناه حيا فيه، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدي ولساني، ولا تظهر من أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عاملكم إلا ضربت عنقه. وقد كانت بيني وبين أقوام إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان منكم مسيئا فلينزع من إساءته.
إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أمركم وأعينوا على أنفسكم، فرب مبتئس بقدومنا يسر، ومسرور بقدومنا سيبتئس.
أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا، فاستوجبنا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا، واعلموا أني مهما قصرت عنه فلن أقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن إبانه ولا مجمرا لكم بعثا، فادعو الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون لكم وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم؛ فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا له حاجتكم مع أنه لو استجيب لكم فيه لكان شراككم. أسأل الله أن يعين كلا على كل، وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على إذلاله
1
وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي. (7) عمر بن عبد العزيز
Shafi da ba'a sani ba