Tunanin Tunani da Rubuta jin Rai
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Nau'ikan
ومن الناس من يستعين في حكمه بمعلوماته ومحفوظاته دون أن يكون له رأي ذاتي ويظن أنه هو الذي أصدر هذا الحكم، كلا فإنه واهم؛ إذ الحقيقة أنه صادر من فئة من العلماء الذين حفظ أقوالهم وآراءهم، فيجب عليه إذن أن يتجرد من معلوماته ومحفوظاته عند الحكم لئلا تؤثر في فكره ويستملي عقله وشعوره ليصل إلى الحقيقة، ولا مانع من الرجوع إلى المعلومات بعد إصدار الحكم علنا نجد فيها ما يعزز رأينا ويؤيد حكمنا.
ومن أدوائنا القتالة حب الشهرة التي لا تتفق مع الرقي؛ إذ هما ضدان لا يجتمعان، وللمتفانين في حب الشهرة الكاذبة أساليب متنوعة؛ فمنهم من يستعين بأقلام غيره، ومنهم من يسرق خطبة من الكتب المتفرقة، ويا ليته عرف كيف يجمعها ويجعلها موضوعا مفهوما، أو يترجم قطعة ينتحلها لنفسه ثم يذهب إلى المدارس الساقطة ويلقيها بتشدق عجيب وإشارات ملؤها الخيلاء على مجمع من تلاميذ المدرسة وخليط من عامة جيرانها فيصفقون له التصفيق الحاد، فيتمايل حضرة الخطيب المصقع تيها وإعجابا، ومنهم من يستأجر الكتاب لتحرير مجلة أو جريدة ينسبها لنفسه ويستمر في إصدارها ولو كانت سائرة في سبيل الخراب، وكفاه فوزا بأمنيته أن يلقبه صغار التلاميذ بالكاتب الفاضل صاحب جريدة أو مجلة كذا ومنشئها، ومنهم من يسعى في تأليف ما يسمونه بالجمعيات الأدبية وينفق عليها من ماله الخاص تسهيلا لتأسيسها؛ ليكون لها رئيسا وخطيبا وينقش على بطاقة زيارته اسمه بخط الثلث ويزيله برئيس جمعية كذا، ومنهم من يريد أن يمهر ابنته فضلا إن أعوزها المال والجمال وأصبحت عانسا فيستأجر من يكتب لها كل أسبوع مقالا يملأ بها أعمدة الجرائد، وقد فاته أن المال أعظم شفيع للجهل والدمامة وسوء الخلق والسمعة، وأن شبابنا لا يهمهم أن تكون لهم عروس أديبة فاضلة كريمة الأخلاق ... حياة الشهرة الكاذبة قصيرة؛ إذ لا تلبث أن تبددها شمس الحقيقة ويعقبها السقوط الأبدي والافتضاح والحسرة على ضياع عمر طويل جريا وراءها، وكان الأجدر به أن يصرفه في الرقي حتى يصل لدرجة تؤهله لإخراج ما ينفع الناس من جليل الأعمال، وما يكسبه شهرة صحيحة يتناقلها الخلف عن السلف.
ليس من الحزم أن نجاري السلف في أحكامهم ونطبقها على عصرنا دون إعادة النظر فيها وتمحيصها؛ لأن الأزمان تختلف في درجات مدنيتها ومعارفها، ولقد تمادينا في تمجيد الشهرة القديمة حتى كادت تغطي على نوابغ العصر، وما فتئ كثير منا ينقب على مؤلفاتهم ويشتريها بأثمان باهظة ويدخرها كأنفس الأعلاق أو المخلفات المقدسة.
ابتدأت اللغة في عهد محمد علي باشا وخلفائه أن تدب فيها الحياة بعد موتها، فنبغ في مصر فئة كانوا نجوم عصرهم فاهتدت بهم الأمة في ديجور الجهل، وكانت لهم اليد الطولى في تلك النهضة العلمية، مثل: «عبد الله باشا فكري، وقدري باشا، ورفاعة بك رافع، وعبد الله أفندي أبي السعود، ومحمد أفندي عبد الرازق، ومحمد بك عثمان جلال، وعبد الله أفندي نديم، ومحمود أفندي صفوت الساعاتي، والشيخ علي أبي النصر، والشيخ أحمد عبد الرحيم»، فمنهم من خدم الشعر والنثر، ومنهم من عني بالتعريب، ومنهم من اختص بالصحافة، ومنهم من نفع القضاء، ونريد الآن أن ننظر في أعمالهم ونختبرها لا قصد الازدراء؛ بل لنعلم إن كانت تنفعنا في عصرنا أم لا، فننشرها من رموسها أو ندعها نائمة مطمئنة محترمين رفاتها كأنها آثار تاريخية نستعين بها على درس أطوار اللغة والأدب في مصر. (1-1) عبد الله باشا فكري
نبدأ بأميرهم في الصناعتين ألا وهو الشاعر الناثر عبد الله باشا فكري ناظر المعارف، من كانت قدمه راسخة في العلوم العربية رقيقا في النثر والنظم، ولئن جارى زمنه في التسجيع فإن سجعه كان مقبولا سلسلا متينا تزينه سلامة الذوق قليل التكلف، ومن أرق ما كتبه نثرا رسالته التي كتبها لأحد أصدقائه يصف بها الأزهريين في ذاك الزمان، وقد حوت من رقيق الفكاهات ودقيق الوصف ومزايا العربية وفضلها وطباع أهل الأزهر وأخلاقهم، وأولها:
كتبت والذهن فاتر من وهن الدفاتر.
ومن جيد شعره قصيدته الرائية التي نظمها عقب الإفراج عنه بعد اتهامه إبان الثورة العرابية، وقد توجه إلى سراي عابدين فأعرض عنه الخديو توفيق باشا ولم يسمح له بمقابلته، وأولها:
كتابي توجه وجهة الساحة الكبرى
وكبر إذا وافيت واجتنب الكبرا
ومنها:
Shafi da ba'a sani ba