وهكذا تصبح الواقعية الفنية في الرواية والقصة أمرا مختلفا كل الاختلاف عن واقعية الحياة، واللغة جزء من هذه الواقعية، وجمال السرد يحبب القارئ في العمل الفني، ويجعله يشعر أن الكاتب يحفل به ويحترمه ويقدم له أجمل ما عنده، والجمال في الأسلوب لا يباعد بين القصة والقارئ، ما دام جمال الأسلوب ليس استعراضا أسلوبيا، وإنما سبك لأحداث القصة وتوفير الانسجام بين عرضها ومضمونها وشكلها جميعا.
حتى الحوار يجمل به أن يكون باللغة العربية البسيطة، فالقارئ قد عود أن تكون القراءة بالعربية لا بالعامية، وهو قادر، بل إنه يجد متعة أن يقلب الحوار العربي إلى حوار عامي في ذهنه، وقد استطاع توفيق الحكيم ومن بعده نجيب محفوظ، ثم تبعتهما أنا أن نكتب حوارنا بلغة سهلة عربية يخيل لقارئها أنها عامية، ولم يشق على القراء ذلك، بل لعله كان أكثر إمتاعا لهم.
ولكن معرفة الكلمة العربية السهلة تحتاج إلى إلمام كبير باللغة العربية، وإلى حس صادق بخوافيها، ولكن من قال إن الفن شيء سهل؟ إنه جهد ضخم، وعلى من يرود طريقه أن يحتمله أو يبتعد عنه.
حيرة مع مليم ناقص
الأهرام - العدد 32680
1 يونيو سنة 1976
من مفكرة ثروت أباظة
كانت المدارس تبدأ قبل أن يجمع الفلاحون القطن، فكان أبي يرسلنا إلى القاهرة، ويبقى هو في القرية ليشرف على جمع القطن، وكانت مدبرة منزلنا سيدة كبيرة السن، وكان زوجها صديقا لأبي، فحين مات عنها عاشت هي معنا ترعى أمري أنا وإخوتي، وكانت مصاريف المنزل ومصاريف أيدينا في يدها، وبطبيعة الحال فرتكت أنا مصروفي في لحظات، وأصبحت يا مولاي كما خلقتني، وجاءني صديقي إحسان عفيفي، وهو اليوم الدكتور إحسان عفيفي، وقال إن فيلما جديدا ظهر للوريل وهاردي ومعروض في سينما متروبول، وعملت الحسبة وتبينت أنني أريد خمسة قروش لأذهب إلى السينما وأركب الترام ذهابا وإيابا، فتذكرة السينما صالة درجة أولى ثلاثة قروش ونصف القرش، والترام ستة مليمات ذهابا ومثلها إيابا، ويبقى معي ثلاثة مليمات، ذهبت إلى أم عبده وطلبت منها القروش الخمسة، وطبعا سألتني فيم تريدها؟ فقلت لها أشتري كتابا - وكانت بعض الكتب في ذلك الحين تباع بخمسة قروش - وتظاهرت أم عبده أنها صدقت ونفحتني القروش الخمسة!
بكرنا في يوم الجمعة أنا وإحسان ذاهبين إلى السينما، وركبنا ترام 33 إلى العتبة، ودفع إحسان لي تذكرة الترام، وحين حاولت أن أحتج قال ادفع أنت لي عند عودتنا، فابتلعت احتجاجي، كنت يومذاك في الابتدائية بمدرسة العباسية، وكان إحسان بالسنة الأولى الثانوية بمدرسة فاروق الأول الثانوية، وهكذا كنت لا أعرف أحدا من أساتذته.
وقفنا عند شباك التذاكر، فرأى أستاذا له مع آنسة يقفان عند شباك البلكون، فطار عقله وهتف بي في جنون فرحان: أستاذ الإنجليزي معه واحدة، ويقطعان بلكون، لا بد أن نقطع بلكون معهما. - تقطع معهما؟! - نعم. - كيف؟ - كذا. - بكم تذكرة البلكون؟ - بأربعة قروش ونصف. - وكيف أرجع؟ تذكرة الترام بستة مليمات، ولن يبقى معي إلا قرش تعريفة. - ولا يهمك أن أقطع لك تذكرة الترام.
Shafi da ba'a sani ba