ومثل هذه الأفلام تتيح للشباب أن يعرف تاريخ دينه من الوسيلة الإعلامية التي يقصد إليها، وقد كانت هناك مفاوضة معي أن أشترك مع كتاب هذا الفيلم، ثم انقطعت هذه المفاوضة، وإني أشهد الله والحق أنني ما كنت لأستطيع أن أضيف أو أعدل مشهدا أو كلمة من مشاهد الفيلم أو حواره.
وإني أرى الأعداء يتربصون بديننا من داخل الوطن، ويلبسون عباءة الإسلام ويمسكون خنجره، ثم يوجهون عدوانهم إلى الدين والوطن ... وأنا رجل مؤمن عميق الإيمان لم يختلج في نفسي شك إلا الذي يؤدي كل الاطمئنان إلى قوله تعالى:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، ولكن هذا لا يمنعنا أن نرد كيد الكائدين ومكر الماكرين.
وهم في كيدهم يحاولون أن يجعلوا ديننا السمح الذي أمرنا أن نوغل فيه برفق - يبدو دينا عسرا عنيفا يتمثل أمام الذين لا يعرفونه وسيلة تضييق وأخذ بالخناق، فينهار اقتصادنا وتتحطم آمالنا في الانتعاش المالي، فإن المذهب الذي يلحدون إليه لا يلتقط أنفاسه إلا من العفن، ولا يتفرع وينمو إلا في الدمار، ولا تنبت جذوره إلا في الأرض الخراب.
وبعد يا مولانا الإمام، فإن أخشى ما أخشاه أعداء يتخفون في ثوب الأصدقاء، ولكنني في نفس الوقت مطمئن إلى صدق نظرتك وجلاء بصيرتك، وقد ارتضيناك لديننا إماما، وشأننا وإياك في هذا الدين أن تأمر فنأتمر، وتنهى فننتهي، وتسمح فنترخص، وأنت بما ارتضيناك له جدير.
من العاملين وإليهم ...
جاءني خطاب من أحد العمال يقول فيه: «إنني من خلال ملاحظتي، ومن خلال استعمالي لوسائل النقل العام، لاحظت أن بعض العاملين بالمؤسسة يتعاملون مع الجمهور باستهتار شديد، فمثلا تقبل السيارة على محطتها وهي غير مزدحمة، ولكن السائق في الكثير من المرات يتوقف في منتصف الطريق والعربة شديدة الازدحام ليشرب كوب شاي أو عصير قصب، رغم وجود هذه الأشياء بنهاية الخط، ومثل هذه الأشياء تجعل الأزمة تبدو وكأن ليس لها حل على الإطلاق، حتى لو زيدت السيارات، وأصلحت الطرق ... فإن العيب الأساسي هم العاملون بمؤسسة النقل العام، بل إن تصرفاتهم هذه تضغط على أعصاب الجمهور وتستفزه إلى درجة اليأس ...»
وقد أحببت أن أنقل الخطاب الذي جاء إلي بعباراته، فكلنا نعلم أن البلاد تمر بأزمة طاحنة، وكلنا نعرف أن السيارات العامة غير كافية وأن التليفونات غير صالحة، وأن الخدمات العامة جميعها ناقصة لدرجة مثيرة، ولكن هذا جميعه يهون إذا لم يتسرب اليأس إلى قلوبنا، وإني أذكر أنني كنت أتحدث إلى وزير سابق قبل أن يخرج من الوزارة، وقلت له في أثناء الحديث عن شأن من الشئون العامة إن هذا الأمر لا بد أن يصلح، فقال: «نصلح إيه ولا ايه». والواقع أن الكلمة صدمتني من وزير مسئول، وأذكر أنني قلت إن كل سفر طويل يبدأ بخطوة ... والواقع أنني لا أرى الخطوة أبدا، بل أحيانا أراها إلى الوراء، تستطيع الأيام أن تدمر التليفونات والكهرباء والطرق والمواصلات، لكن ويل لنا وللأيام إن هي دمرت نفوسنا، إننا أشبه بمن يدخل بيتا قائم الجدران راسي الأسس، ولكن الأثاث بداخله جميعه حطام، ولا بد لنا أن نبدأ برفع الحطام لنضع الأثاث الجديد، فإنه لا أمل لنا يرجى إذ ظللنا نبكي الأثاث المطحون أو إذا هالنا الأمر وتولانا اليأس، فلا سبيل لنا إلى تجديده أبدا.
وكم أكره هذا الكلام وما أكتبه، فإن النصائح الموجهة إلى الجماعات كلمات ضائعة فكل إنسان يعرفها، وترديدها ثقيل على نفس الكاتب والقارئ جميعا، ولكن نحتاج إليها لنصل إلى ما نريد، فإنني أوجه هذا الكلام إلى كل مسئول، والمسئولون أقل عددا من العاملين بطبيعة الأمر، وإن هؤلاء المسئولين إذا لم يلجئوا إلى القواعد العامة التي تؤكدها التشريعات السماوية، والقوانين الوضعية، فلا أمل لنا ولا لهم، لا بد من العقاب والثواب، ولا بد أن يكون العقاب في أيام محنتنا هذه شديدا رادعا، وإننا لنعلم أن عمر بن الخطاب شدد العقوبة على الذين يخفون الطعام في عام الرمادة وهي سنة القحط الشديد الذي ألم بالناس في أثناء حكمه .
وقد سمي عام الرمادة؛ لأن وجوه الناس أصبحت في لون الرماد من شدة الجوع، وقد استطاع عمر أن ينجو بالناس من الأزمة دون أن تلحق أذى بنفوسهم، وإن ألحقت بأجسامهم الجوع والهزال وبوجوههم لون الرماد.
Shafi da ba'a sani ba