فليست الدولة إذن مكانا مباحا يقيم فيه من لا يطيع قوانينه ولا يرعى حرماته ولا ينظر إلى صوالحه، إنه مكان تتعلق به حياة الإنسان الذي يؤدي له ما عليه من واجبات، فإن خان هذه الواجبات سقطت حقوقه، وجاز للدولة أن ترفضه فردا من أفرادها وجاز لها أيضا أن تحجب عنه الجنسية، وتتركه هائما في العالم بلا وطن، وفي داخل الدولة تختلف الآراء، ويجب أن تختلف، لكل إنسان في الوطن أن يختار المذهب الذي يعتقد أنه يحقق أكبر فائدة لبني وطنه، ولكن هذا الاختيار لا بد أن يكون منبعثا من حبه لوطنه، وهادفا إلى مصلحة أبناء هذا الوطن.
أما إذا تلقى الفرد مذهبه من دولة أخرى، أيا تكون هذه الدولة؟ وإذا اعتنق مذهبه هذا لا لشيء إلا لأن دولة ما تريد له أن يعتنقه، فحينئذ يصبح هذا الفرد غير مصري، وتسقط حقوقه جميعا، فنحن حين نؤدي للدولة ضريبة الدم والمال والحرية؟ إنما نعبر بذلك عن إخلاصنا للوطن تعبيرا مجسما؛ لأن الإخلاص للوطن مفروض في كل مواطن، لا يمحي عنه إلا حين يبدو من المواطن غير ذلك.
وبعض المواطنين ينتهزون فرصة الحرية ويلقون أسماعهم - وربما أيديهم - إلى بلاد أخرى، هؤلاء ليسوا مصريين، وهم أشد خطرا على المصريين من الأعداء الصرحاء، فالعدو الصريح تعرفه وتستطيع أن تتقيه وتستطيع أن تهزمه.
أما المصري الذي يعيش في نسيج الشعب المصري وينتمي بمشاعره وولائه إلى غير شعب مصر، فلا سبيل إلى اتقائه؛ فهو عدو يتخفى في دماء المصريين، وحين يكشف أمره يكون قد خرب ما خرب ودمر ما دمر.
كن مصريا واعتنق من المبادئ والمذاهب ما شئت، واجهر برأيك، ولكن فقط اجعل رأيك ينبع من أعماق قلبك المصري، ومن إخلاصك لوطنك، لا لشيء آخر، مذهبا كان هذا الشيء أو دولة أو فردا.
الليل ومحطة القذافي
حين يخلو بك الليل قد لا تجد ما تفعله إلا أن تعبث بمؤشر الراديو، وفي الظلام لا يرى المؤشر طريقه، وقد يقف حيث لا يريد، فلم يكن غريبا أن أجد محطة القذافي تطل من الراديو.
عجيب أمر هذا القذافي؛ فهو ديكتاتور كأوضح ما تكون صورة الديكتاتور، يستأثر بالحكم وحده بلا نصيح ولا مشير، ويقذف الرعب في قلوب الأحرار من بني وطنه، وهو بحكمه المتشنج يرغم أهل الرأي والكفاءة أن يتركوا البلاد إلى غير رجعة، وهو لا يسكت عنهم في البلاد التي لجئوا إليها، يخاف أن يكشفوا من أمره ما يريد أن يستره، فيتعقبهم بقابض الأرواح والأموال، ويدبر مع القتلة المحترفين مؤامراته في اغتيال للزعماء الذين يكرمون أنفسهم عن إطلاق الشعارات الكاذبة، ورفع اللافتات الخادعة، والذين لا يبرح بهم الشوق العارم إلى الزعامة العربية.
ولا شك أن المال الذي يجري بين يديه يجعله يتصور أنه بماله لا بد له أن يكون زعيم العرب أجمعين، فأمثاله من الزعماء الشغوفين بحب العظمة لا يفكرون في خير بلادهم وإنما يفكرون في أمجادهم الشخصية، ولتذهب بلادهم إلى الجحيم.
وينسى هؤلاء أن المال الذي يدمرون هو مال بلادهم وليس مالهم هم، وإن هذا المال يجب أن يستثمر ليعود على بلادهم بالتقدم والازدهار.
Shafi da ba'a sani ba