ولعَ الفراقُ بشمْلنا ولعَ الهوى ... بقلوبنا وبمن أحبّ وَلوعي
ولقد أُراني للعواذلِ عاصيًا ... أبدًا لنهْي نُهاي غيرَ مُطيعِ
أودعتهم بالكُره إذ ودّعتُهم ... حُسن العزاء عشيّةَ التّوديعِ
ووجدتُ حزنَ الحزنِ سهلًا بعدهمْ ... ومنيعَ فيض الدّمع غيرَ منيعِ
وأذبتُ يوم الجِزعِ جزْعَ مدامعي ... جزَعًا ولم أكُ قبلَه بجَزوعِ
سار الجميعُ فسار بعضي إثرَهُ ... وودِدتُ أنْ لو كان سار جميعي
يا بانُ هل بان الصّباحُ فإنّني ... مُذْ بان بتُّ بليلة الملسوعِ
زُمّا المطيّ عن الطّلول فإنّها ... بخلَتْ بردِّ جوابها المسموعِ
لسفهتُ نفسي إذ سألتُ رُبوعَها ... عن ظاعنٍ مغْناهُ بين ضلوعي
ما أنصفتك بذي الأراكِ حمامةٌ ... أبدت سرائرَ قلبِك المفجوعِ
أبكي دمًا وبكنِّها مكنونة ... لكنّها تبكي بغيرِ دُموع
هيهاتَ لست من البكاء وإنّما ... هذا الغناءُ لشملِك المجموعِ
ولكيْفَ يُنصِفُك الحمامُ وربّما ... جار الحميمُ عليك بالتّقريعِ
لا ذنب عندي للزّمان فإنّه ... ما حالَ عن حالٍ يروّعُ روعي
هو طبعُه ولضَلّ رأيُ معاتِبٍ ... يرجو انتقالَ طبيعةِ المطبوعِ
وقوله من قصيدة:
يبيتُ في كفّها تُشَمرِخُه ... تحُطّه تارةً وترفعُه
كالطفل في حِجرها ترقّصُه ... تشبُرُه تارة وتذرَعُه
لكنّه المرْدراك يُرضِعُها ال ... دّرّ وأمّ الصبيّ ترضِعُهُ
وقوله من قصيدة:
يُنشدني أشعارَه دائبًا ... وشعرُهُ من طيبِه مُتعَهْ
أضحكُ منه عند إنشادِه ... لأنّه ينطِقُ من قرْعَهْ
وقوله من قصيدة:
إحذَرْ جليسَ السّوء والبَسْ دونَه ... ثوبَ التّقيّة جاهدًا وتدرّعِ
لا تحقِرْنَ لين العدوّ فربّما ... قتل الكميَّ النّدبَ لينُ المِبضَعِ
والصدقُ أسلمُ فاتخذْهُ جُنّة ... فالكذْبُ يفضَحُ ربَّهُ في المجمعِ
والكذبُ شَينٌ فاجتنبْه دائمًا ... والبغيُ فاحذَرْهُ وخيمُ المصرعِ
حدّثهُم إن أمسكوا فإذا هُمُ ... ذكروا الحديثَ فأصغِ جُهدَك واسمَعِ
وإذا هُمُ سألوا النّوالَ فأعطِهمْ ... وإذا هُمُ لم يسألوا فتبرّعِ
لا تحرصنّ فإنّ حرصَك باطلٌ ... واصرِفْ بعزِّ اليأسِ ذُلّ المطمعِ
ولقد تعبْتُ وما ظفرتُ وكم أتى ... ظفرٌ عقيبَ ترَفُّهٍ وتودُّعِ
ولكم توقّعتُ الغِنى فحُرمتُه ... ولَقيتُه من حيثُ لم أتوقّعِ
وقوله من قصيدة مرثية:
أبني الأماني اللائذاتِ بجوده ... موتوا فقد ماتَ الأغرّ الأروعُ
غاض النّدى مات العُلى ذهب النّهى ... هلك الوَرى ضاق الفضاءُ الأوسعُ
عجَبًا وأحوالُ الزّمانِ عجيبةٌ ... لفؤادِ دهرِك كيف لا يتصدّعُ
ولشمسِ جوّك كيف لم تكسَفْ جوىً ... بل كيفَ بعدَ أبي الفوارس تطلُعُ
ولحفرةٍ ضمّت مهذّبَ جسمِه ال ... قُدسيّ كيفَ الى العلى لا تُرفعُ
أتضيقُ عنك الأرضُ وهيَ فسيحةٌ ... وتضمُّ جسمكَ بعد موتِك أذرُعُ
فسقاك غيثٌ مثلُ جودِك صيّبٌ ... أبدَ الزّمانِ وديمةٌ ما تُقلِعُ
فالدّهرُ بعدَك عاطلٌ من حلْيِه ... مستوحشٌ من أهله متفزِّعُ
وقوله من مدح الشيخ الإمام أبي إسحاق، ﵀:
هذه سُنّةُ أبناءِ النُهى ... لستُ فيما جئتُه مبتدعا
أيّ صبٍّ لم يؤرّقْ جفنَه ... خفَقانُ البرقِ لما طلَعا
أنشُدا قلبي بجَرعاء الحِمى ... فيها خلّفْتُه منقطعا
1 / 21