Kawkab Satic da Abokin Tarayya Nagari
الكوكب الساطع ومعه الجليس الصالح
Nau'ikan
(الثانية ) : استصحاب مقتضى النص حتى لا يرد الناسخ , والعموم حتى يرد المخصص وهو حجة جزما , وقال ابن السمعاني: لا يسمى هذا استصحابا , لأن ثبوت الحكم فيه باللفظ . (الثالثة): استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه , كثبوت الملك بالشراء , وشغل الذمة بالقرض ونحوه حيث لم يعرف وفاؤه , وهي الصورة التي فيها الخلاف , كما يأتي تفصيله قريبا. وقوله:((والخلف في الأخير إلخ )) يأتي شرحه مع مابعده . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى بيان الاختلاف في الصورة الأخيرة , وهي استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه . فقيل : حجة مطلقا , وعليه الشافعية . وقيل : ليس بحجة مطلقا , حكي ذلك عن بعض المتكلمين , وعزاه الإمام للحنفية . وقيل : حجة لإبقاء ماكان على ماكان عليه , لا لإثبات أمر لم يكن , وهذا معنى قوله : (( في الدفع , لا في الرفع )) ولهذا كان استصحاب حياة المفقود قبل الحكم بموته دافعا للإرث منه , وليس رافعا لعدم إرثه من غيره للشك في حياته , فلا يثبت الاستصحاب له ملكا جديدا , إذ الأصل عدمه , وهذا هو الموجود في كتب الحنفية .وقيل : إنه حجة بشرط أن لا يعارضه ظاهر , فإن عارضه عمل بالظاهر , سواء استند إلى علة أم لا , استند إلى سبب أم لا , وهذا أحد القولين المشهورين في تعارض الأصل والظاهر . @ وقيل إن عهد يطل فليعتمد أصل وإلا لا وهذا المعتمد (1) وامنع لسحب حال الاتفاق في محل خلف ورآه الصيوفي (2) فحد الاستصحاب في ذا الشان ثبوت أمر في الزمان الثاني . وقيل إنه حجة بشرط أن لا يعارضه ظاهر مستند إلى علة , سواء استند إلى سبب أم لا , بأن انتفى المعارض , أو عارض ظاهر غير مستند إليها . وقيل : إنه حجة بشرط أن لا يعارضه ظاهر ذو سبب , كما لو رأى ظبية من بعيد تبول في ماء كثير , ثم وجده متغيرا , فإنا نحكم بنجاسته(1) إحالة على السبب الظاهر ولا نستصحب أصل الطهارة بخلاف سائر الصور التي عملنا فيها بالأصل , وألغينا الظاهر لعدم وجود سبب يحال عليه . قوله : (( فقيل مطلقا , وقيل : ذو سبب )) , وفي نسخة ((يقبل مطلقا , وقيل : ذو سبب )) . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى التفصيل المعتمد , وهو أنه حجة بشرط قرب العهد به , فإن طال, ثم وجد متغيرا لم نحكم بنجاسته , اعتماد على الأصل . قوله: ((فليعتمد)) بالبناء للمفعول ,وفي نسخة :((فالمعتمد)) والأول أوضح والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى الصورة (الرابعة) من الستصحاب , وهي استصحاب حال الإجماع في موضع الخلاف , بأن اجمع على حكم في حال فيتغير الحال , ويقع الخلاف , والأكثرون على أنه لا يحتج باستصحاب تلك الحال في هذه , واحتج به أبو بكر الصيرفي , وابن سريج , والمزني , والآمدي. مثاله : الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء , استصحابا لما قبل الخروج من بقائه المجمع عليه . (1) قلت : التمثيل ببول الظبية مبني على القول بنجاسة بولها , والراجح من أقول أهل العلم عدم نجاسته , لخبر العرنيين , وتمام البحث فيه فيما كتبته على النسائي . @ لكونه في الزمن الغبير لفقد ما يصلح للتغيير (1) أما الذي في أول مصحوب لكونه في الثان فالمقلوب (2) 1145 وقد يقال فيه لو لم يكن الثابت اليوم بذاك الزمن لكن غير ثابت فيقضي بأنه للآن غير مقضي (3) . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه إذا تقرر لك ما تقدم من الأبحاث المتعلقة بالاستصحاب , وأردت معرفة تعريفه , فهو ثبوت أمر في الزمن الثاني لثبوته في الزمن الأول , لفقدان ما يصلح للتغيير من الأول إلى الثاني , فلا زكاة عند الشافعية فيما حال عليه الحول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكامل عملا بالاستصحاب . قوله : ((في الزمن الغبير))أي الماضي . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى عكس ما تقدم من معنى الاستصحاب , وهو الاستصحاب المقلوب , وهو ثبوت أمر في الزمن الأول لثبوته في الزمن الثاني . قال الزركشي : قال بعضهم : لم يقل به أصحابنا الفقهاء - يعني الشافعية- إلا في صورة واحدة , وهي ما إذا اشترى شيئا , وادعاه مدع , وأخذخ منه بحجة مطلقة , فإن يثبت له الرجوع على البائع , قالوا : فإن البينة لا توجب الملك , ولكنها تظهره, فيجب أن يكون الملك سابقا على إقامتها ,ويقدر له لحظة لطيفة, ومن المحتمل الانتقال فيه فيما مضى , استصحابا للحال انتهى . والله تعالى أعلم . (3) أشار بهذين البيتين إلى تقرير الاستدلال بالاستصحاب المقلوب , وهو أن يقال : لو لم يكن الحكم الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت أمس , إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه , وإذا كان غير ثابت أمس فيقضي استصحاب أمس الخالي عن الثبوت فيه بأنه الآن غير ثابت , وليس كذلك , لأنه مفروض الثبوت الآن . وقوله ((للآن غير مقضي )) أي غير مقضي له الآن بالثبوت . والله تعالى أعلم بالصوات , وإليه المرجع والمآب .@ (مسألة) لا يطلب الدليل ممن قد نفى إن ادعى علما ضروريا وفا أو لا يطالب بدليل في الأبر والأخذ بالأقل في الإجماع مر (1) 1150 وفي وجوب الأخذ بالأخف أو أشدها أو لا ولا خلف حكوا (2). (1) أشار رحمه الله تعالى بهذين البيتين إلى مسألتين : (الأولى ): النافي للشيء إن ادعى علما ضروريا بانتفائه لم يطالب بالدليل على ذلك , لأنه لعدالته صادق في دعواه , والضروري لا يشتبه حتى يطلب الدليل عليه , لينظر فيه , وإن لم يدع علما ضروريا, بأن ادعى علما نظريا , أو ظنا بانتفائه , فيطالب به على الأصح لأن المعلوم بالنظر , أو المظنون , قد يشتبه , فيطلب دليله , لينظر فيه , وعن الظاهرية أنه لا يطالب . (الثانية ) : وجوب الأخذ بأقل ما قيل في المسألة , وقد مر البحث فيه في مبحث ((الإجماع)) , وإلى هذا أشار بقوله : (( والأخذ بالأقل في الإجماع مر )). قوله :(( أولا يطالب بدليل )) بإدغام الباء في الباء إدغاما كبيرا. والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه هل يجب الأخذ بالأخف لقوله تعالى : {يريد الله بكم اليسر } (البقرة : 185) أو الأثقل , لأنه أكثر ثوابا , وأحوط , أو لا يجب شيء منهما , بل يجوز كل منهما , لأن الأصل عدم الوجوب ؟ أقوال ثلاثة . قال المحلي رحمه الله : أقربها الثالث. وقوله : ((وفي وجوب الأخذ)) خبر مقدم لقوله: ((خلف)) وجملة ((حكوا)) صفة ل ((خلف)) . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب.@ (مسألة) اختلفوا هل كان قبل البعثة نبينا مكلفا بشرعة(1) واختلق المثبت قيل موسى آدم إبراهيم نوح عيسى ونرتضي الوقف هنا وأصلا والمنع بعد الوحي لكن نقلا(2). (1) أشار رحمة الله تعالى بهذا البيت إلى أن العلماء اختلفوا , هل كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة متعبدا -بفتح الباء- أي مكلفا بشرع أحد من الأنبياء على ثلاثة أقوال : (أحدها) : نعم , واختاره ابن الحاجب , والبيضاوي . (والثاني ) : لا , ونقله القاضي عن جمهور المتكلمين , وعلى هذا فانتفاؤه بالعقل , أو النقل ؟ خلاف . (والثالث ) : الوقف , واختاره في (( جمع الجوامع )) , قال بعضهم : والخلاف في الفروع , وأما التوحيد فلا شك في التعبد به . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف على القول الأول في تعيين الشرع الذي كان متعبدا به , فقيل : آدم , وقيل : نوح , وقيل : إبراهيم , وقيل : موسى , وقيل : عيسى , وقيل : ما ثبت أنه شرع من غير تعيين , وقيل : بالوقف , واختاره في (( جمع الجوامع)), وتبعه في ((النظم)) حيث قال: (( ونرتضي الوقف هنا , وأصلا )) , أي في هذا الفرع , وفي أصله , وهي المسألة السابقة . قوله : ((هنا )) وقع في بعض النسخ ((بها)) , والظاهر أنه تصحيف . وأشار بقوله : ((والمنع إلخ )) إلى أن المختار بعد النبوة المنع من تعبده بشرع من قبله , لأن له شرعا يخصه , وقيل : تعبد بما لم ينسخ من شرع من قبله , استصحابا لتعبده به قبل النبوة . وقوله : ((لكن نقلا)) أشار به إلى أنه اختلف في المنع المذكور هل هو بالنقل ؟ @ (مسألة) الحكم قبل الشرع في ذي النفع والضر قد مر وبعد الشرع 1155 رجح أن الأصل تحريم المضار والحل في ذي النفع والسبكي صار إلى خصوصه بغير المال فذاك حظر بالحديث العالي (1) . وعليه الأشاعرة . وقيل : بالعقل , وعليه المعتزلة. والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب. (1) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى أن حكم المنافع والمضار قبل الشرع قد مر في أول النظم , حيث قال هناك: بالشرع لا بالعقل شكر المنعم حتم وقبل الشرع لا حكم نمي وأما بعده فالأصح أن الأصل في المضار التحريم , وفي المنافع الحل , لقوله تعالى في معرض الامتنان : {خلق لكم مافي الأرض جميعا } (سورة البقرة آية 29) , ولا يمتن إلا بالجائز , وقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار )) , أي في ديننا أي لا يجوز ذلك . والحديث المذكور صحيح , أخرجه أحمد وغيره . واستثنى السبكي - من الأصل المنافع في الحل - الأموال , فقال: ولك أن تقول : إن الأموال من جملة المنافع , والظاهر أن الأصل فيها التحريم , لحديث : ((إن دماءكم , وأموالكم عليكم حرام )) , وهو أخص من الأدلة التي استدل بها على الإباحة , فيكون قاضيا عليها , إلا أنه أصل طارئ على أصل سابق , فإن المال من حيث كونه من المنافع الأصل فيه الإباحة بالأدلة السابقة , ومن خصوصيته الأصل فيه التحريم بهذا الحديث. وقال الشيخ ولي الدين : فيما قاله نظر , لأن الدعوى عامة , والدليل خاص , لأنه في الأموال المختصة , فإذا وجدنا مباحا في البرية , أو غيرها فالحديث مايدل على تحريمه , وكون الأموال المتعلقة بالغير حراما لا ينافي كون الأصل في الأموال @ (مسألة) الأكثرون ليس الاستحسان بحجة وخالف النعمان (1) وحده قيل دليل ينقدح في نفسه وباللسان لا يصح ورد إن كان له تحقق فليعتبر أو لا فلا متفق وقيل بل هو العدول عن قياس إلى أشد وهو أمر لا التباس 1160 وقيل أن يعدل عن حكم الدليل لعادة وفي جواب ذاك قيل بأنها إن ثبتت حقا فقد قام دليلها وإلا فلترد(2) . الإباحة , لأن ذلك إنما حرم لعارض , وهو تعلق حق الغير به . قلت: ما قاله ولي الدين رحمه الله هو الصواب عندي . والله تعالى أعلم . قوله : ((في ذي النفع )) وقع في نسخة (( في ذي المنع)) , وهو تصحيف . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . (1) أشار رحمه الله تعالى بهذا البيت إلى أن من الأدلة المختلف فيها (الاستحسان) , وقد أنكره جمهور العلماء , وخالف فيه أبو حنيفة , فقال به , ونقل ابن الحاجب القول به عن الحنابلة أيضا, وليس كذلك , فقد حكى أبو الخطاب عن أحمد أنه قال : أصحاب أبي حنيفة إذا قالوا شيئا على خلاف القياس قالوا : يستحسن هذا , وندع القياس , فيدعون ما يزعمون أنه الحق بالاستحسان , وأنا أذهب إلى كل حديث جاء , ولا أقيس , أي أترك القياس بالخبر انتهى . (2)أشار بهذا البيت إلى أن في حد الاستحسان أقوالا : (أحدها ) : أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد , تقصر عنه عبارته , ورده ابن الحاجب بأنه إن تحقق كونه دليلا فمعتبر اتفاقا , ولا يضر قصور عبارته عنه , أو لم يتحقق فمردوده اتفاقا , ورده البيضاوي بأنه لا بد أن يظهر ليتميز صحيحه من فاسده , فإن ما ينقدح في نفس المجتهد قد يكون وهما لا عبرة به .(الثاني): أنه العدول عن قياس إلى قياس أقوى منه , وعلى هذا فلا خلاف @ فإن يحقق منه ما تنوزعا فيه فمن قال بهذا شرعا (1) وليس ما استحسن من مختلف الشافعي كحلف في المصحف (2) . فيه لأنه إذا تعارض قياسان عمل بأقواهما . (الثاللث): أنه العدول عن حكم الدليل إلى العادة , لمصلحة الناس, كدخول الحمام من غير تعيين زمن المكث, وقدر الماء , والأجزة , فإنه معتاد على خلاف دليل للمصلحة , وكذا شرب الماء من السقاء من غير تعيين قدره . ورد بأنه إن ثبت أنها حق لجريانها في زمنه صلى الله عليه وسلم , أو بعد من غير إنكار منه , ولا من غيره , فقد قام دليلها من السنه , أو الإجماع , فيعمل بها قطعا , وإلا ردت قطعا , فلم يتحقق معنى للاستحسان مما ذكر يصلح محلا للنزاع . قوله: ((بأنها إن ثبتت إلخ)) والضمير للعادة , وفي نسخة ((فإنها إلخ)) . والله تعالى أعلم . (1) يعني أنه إن تحقق استحسن مختلف فيه , فمن قال به فقد شرع - بتشديد الراء وتخفف- كما قال الشافعي رحمه الله : من استحسن فقد شرع , أي وضع شرعا من قبل نفسه , وليس له ذلك . فقوله : ((فإن يحقق )) بالبناء للمفعول , وفي نسخة ((تحقق )) , وعليه تسكن القاف الثانية للوزن , والفعل مبني للفاعل . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أن ما نقل من استحسان الشافعي رحمه الله مسائل كثيرة , كقوله : استحسن التحليف على المصحف , وأستحسن أن يترك للمكاتب شيء من نجوم الكتاب , ونحو ذلك , فليس من الاستحسان المختلف فيه إن تحقق , لأنه لم يقله إلا بدليل , كما بين في محله , وإنما سماه استحسانا , لأنه عده حسنا , ولا ينكر التعبير بذلك عن حكم ثبت بدليل يدل عليه , وهو استحسان حجة , أي أنه حسن , لأن كل ما ثبتت حجيته كان حسنا . قوله : ((وليس ما استحسن إلخ )) ببناء الفعل للفاعل , والفاعل ((الشافعي)) و.@ مسألة قول الصحابي على الصحابي ليس بحجة على الصواب 1165 ولا سواه وعن السبكي والفخر إلا في التعبدي (1) . ((ما )) اسم موصول اسم ((ليس)) , وخبرها قوله : (( من مختلف )) , اعترض به بين الفعل والفاعل للضرورة , أي ليس ما استحسنه الشافعي من المسائل من قبيل الاستحسان المختلف فيه . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . (1) أشار رحمه الله تعالى بهذين البيتين إلى أن قول الصحابي غير حجة , قال في (( جمع الجوامع )) تبعا لابن الحاجب وغيره : وفاقا . قال الزركشي : لكن في ((اللمع)) ما يؤخذ منه حكاية الخلاف فيه , وقد أشار إلى هذا الخلاف الناظم رحمه الله , حيث قال : ((على الصواب))وأما على غيره ففيه أقوال : (أحدها) : وهو الأصح والجديد من قولي الشافعي أنه ليس بحجة أيضا, لأن قول المجتهد ليس من الأدلة الشرعية المستقلة . واستثنى السبكي من ذلك التعبدي , فإن قوله حجة فيه , لظهور أن مستنده فيه التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم , كما قال الشافعي : روى عن علي رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات , ولو ثبت ذلك عن علي قلت به , لأنه لا مجال للقياس فيه , فالظاهر أنه فعله توقيفا . قال الزركشي , والظاهر أن السبكي , وابنه لا نقل عندهما في ذلك , وقد جزم به ابن الصباغ في (( الكامل )) , والإمام في ((المحصول)) في باب الأخبار . قوله : ((على صحابي)) , وفي نسخة ((على الصحابي)) بالتعريف . والله تعالى أعلم .@ وأكثر المحققين بامتناع تقليده ونفس الأمر لا نزاع (1) (1) أشار بهذا البيت إلى أنه على القول بعدم حجية قول الصحابي , هل يجوز لغير المجتهد تقليده ؟ فيه قولان : (المحققون)-كما قال إمام الحرمين-: على المنع, لا لأنهم دون المجتهدين غير الصحابة, معاذ الله , فهم أجل قدرا, بل إن مذاهبهم لا يوثق بها لعدم تدوينها , بخلاف مذاهب الأئمة المتبوعين, وقد جزم ابن الصلاح بذلك , ولم يخصه بالصحابة , بل عداه إلى كل من لم يدون مذهبه , وقال : إنه يتعين أن يقلد الأئمة الأربعة, لأن مذاهبهم انتشرت, وانبسطت حتى ظهر تقييد مطلقها, وتخصيص عامها , بخلاف غيرهم. قلت : هذا الذي قاله ابن الصلاح عندي غير صحيح , لأن أقوال الصحابة وكذا من بعدهم نقلت عنهم ودونت بأسانيد صحيحة , وغيرها , كما هو معلوم عند أهل العلم , فقد أورد البخاري في ((صحيحه)) كثيرا منها في كثير من أبوابه, وكذا غيره ممن ألف في الآثار قبله , كمالك في ((الموطأ)) , وعبد الرزاق , وابن أبي شيبة في ((مصنفيهما)) , وغيرهم , وممن أتى بعده, كأبي داود في ((سننه)) , والترمذي في ((جامعه)), وابن المنذر في كتبه الكثيرة, ومن المتأخرين كابن عبد البر في ((تمهيده)) , و((استذكاره)) , وابن حزم في ((المحلي)) وغير هؤلاء. فإن عرفت هذا فأولى من يقلد - لمن يجوز له ذلك بشروطه- الصحابة , والتابعون. والله تعالى أعلم . وقال ابن السبكي : الأصح جواز تقليد الصحابي , قال : غير أني أقول : لا خلاف في الحقيقة , بل إن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده اتفاقا , وإلا فلا , لا لكونه لا يقلد , بل لأن مذهبه لم يثبت حق الثبوت , وإلى هذا القول أشار في ((النظم)) بقوله: ((ونفس الأمر لا نزاع)) , يعني أن تقليد الصحابي في نفس الأمر لا خلاف فيه, وإنما الخلاف في ثبوت مذهبه وعدمه . وقال الشيخ ولي الدين : المراد بكونها لم تثبت حق الثبوت أنه قد يكون للقول @ وقيل حجة على القيس وفا وكالدليلين إذا ما اختلفا وقيل بل دون القياس ثم في تخصيصه العموم قولا قفي(1) وقيل إن يشهر وقيل إن يناف قيسا وقيل مع تقريب يواف (2) 1170 شروط لم تعرف, أو يكون محمولا على حالة , وإن ثبت أصل القول انتهى قلت : هذا توهم بعيد , فمجرد التوهم لا يمنع من تقليد ما صح من مذاهبهم , وأيضا فمن تتبع نقل العلماء الذين نقلوا أقاويلهم وجدهم ينقلونها مفصلة , إن كانت تحتاج إلى تفصيل . والله تعالى أعلم . (1) أي قيل : إن قول الصحابي حجة مطلقا , وهو القديم للشافعي , وبه قال مالك , وأكثر الحنفية . وأشار بقوله:((على القيس وفا)) , إلى أنه قيل : إنه فوق القياس , فيقدم عليه إذا تعارضا , وعلى هذا فإنه إذا اختلف صحابيان في مسألة , فكدليلين , فيرجح أحدهما بمرجح . وقيل : قوله حجة دون القياس , فيقدم القياس عليه عند التعارض , وعلى هذا في تخصيصه العموم قولان : الجواز كغيره من الحجج , والمنع لأن الصحابة كانوا يتركون أقوالهم إذا سمعوا العموم . قوله: ((وفا)) يقال : وفا الشيء وفيا : تم وكثر , قاله في ((القاموس)) , والمراد هنا أنه فوق القياس . والله تعالى أعلم . (2) أي قيل : إنه حجة إن انتشر من غير ظهور مخالف له , وقيل : حجة إن خالف القياس , لأنه لا يخالفه إلا لدليل غيره بخلاف ما إذا وافقه , لاحتمال أن يكون عنه , فهو الحجة , لا القول . وقيل : حجة إذا انضم إليه قياس تقريب , كقول عثمان رضي الله عنه في البيع بشرط البراءة من كل عيب : إن البائع يبرأ به مما لم يعلمه في الحيوان دون غيره . @ وقيل قول الصاحبين الكمل قيل وعثمان وقيل مع علي (1) أما وفاق الشافعي زيدا إرذا فللدليل لا تقليدا (2) . قال الشافعي : لأنع يغتذي بالصحة والسقم , أي في حالتيهما , وتحول طباعه , وقلما يخلو عن عيب ظاهر أو خفي بخلاف غيره , فبرأ البائع فيه من خفي لا يعلمه بشرط البراءة المحتاج هو إليه ليثق باستقرار العقد , فهذا قياس تقريب , قرب قول عثمان المخالف لقياس التحقيق والمعنى من أنه لا يبرأ من شيء للجهل بالمبرإ منه والله تعالى أعلم . (1) أي قيل : قول كل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة بخلاف غيرهما , لحديث : (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )) , حسنه الترمذي . وقيل : معهما عثمان . وقيل : معهم علي , وهذان القولان مأخوذان من كلام الشافعي في القديم , فإنه ذكر أبا بكر وعمر وعثمان , ولم يذكر عليا , فقيل : حكمه كحكمهم وإنما تركه اختصارا , واكتفى بذكر الأكثر , واختاره بعضهم . وقيل : لا لنقص اجتهاده عن اجتهادهم , بل لأنه خرج إلى الكوفة , ومات كثير من الصحابة الذين كان الثلاثة يستشيرونهم , وتفرق الباقون في البلدان , فكان قول كل من الثلاثة قول كثير من الصحابة بخلاف قول علي , وهذا ما صححه القفال . وقوله : ((الكمل)) جمع كامل , وصف به المثنى على القول بأن أقل الجمع اثنان . والله تعالى أعلم . (2) أشار به إلى أنه إذا كان الصحيح من مذهب الشافعي رحمه الله أن قول الصحابي ليس بحجة , فكيف وافق قول زيد بن ثابت في الفرائض , حتى تردد حيث ترددت الرواية عن زيد ؟ فالجواب أنه لم يأخذ بقوله على سبيل التقليد , بل لدليل قام عنده , فوافق اجتهاده اجتهاده , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((أفرضكم زيد)) , وفي @ (مسألة) إلهامنا ليس لفقد الثقة من غير معصوم به بحجة (1) وبعض أهل الجبر قد رآه والسهروردي[1]خص من حواه (2) . لفظ :((أعلم أمتي بالفرائض زيد)), صححه الترمذي , والحاكم . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب. (1) أشار رحمه الله تعالى بهذا البيت إلى أن الإلهام ليس بحجة , لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره, لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان فيها . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أن بعض الجبرية قال : إنه حجة بمنزلة الوحي المسموع من النبي صلى الله عليه وسلم , واحتج بقوله تعالى :{ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها } (سورة الشمي آية 7,8) , أي عرفها في القلب , وبقوله تعالى:{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} الآية( سورة الأنعام آية 125) , ولحديث: (( الإثم ما حاك في صدرك, وإن أفتاك الناس , وأفتوك))[2] , فقد جعل شهادة قلبه بلا حجة أولى من الفتوى , فثبت أن الإلهام حق , وأنه وحي باطني . وأجيب بأنه لا حجة في شيء من ذلك , لأنه ليس المراد الإيقاع في القلب بلا دليل , بل الهداية إلى الحق بالدليل ل, كما قال علي رضي الله عنه : إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في كتابه . وأما الحديث -كما قال الزركشي - فهو في الواقعة التي تتعارض يها الشبه والريب .[1] بضم أوله ,وسكون الهاء , وفتح الراء والواو , وسكون الراء , ومهلمة : نسبة إلى سهرورد بلد عند زنجان ا ه ((لب اللباب)) ج 2 ص 36 . [2] أخرجه أحمد في ((مسنده)) من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه بلفظ: ((استفت قلبك, واستفت نفسك-ثلاث مرات- البر ما اطمأنت إليه النفس , والإثم ما حاك في النفس, وتردد في الصدر , وإن أفتاك الناس وأفتوك)) . وفي سنده انقطاع , وحسنه بعضهم .@ 1175 إيقاعه في القلب ما يثلج له به يخص الله من قد كمله(1) . قوله: ((بعض أهل الجبر)) بالجيم , وهكذا شرحه الناظم في شرحه بأنهم بعض الجبرية, ووقع في بعض نسخ النظم ((بعض أهل الخير)) بالخاء المعجمة, والياء التحتانية, وعلى هذا يكون بعض الصوفية , وهو الذي ذكره في ((جمع الجوامع)) , ونصه مع ((شرح المحلي )) : خلافا لبعض الصوفية , فب قوله : ((إنه حجة في حقه)) . انتهى . لكن هذا هو الذي نقله الناظم عن السهروردي , فيكون تكرارا مع الآتي , والظاهر أن النسخة الأولى هي الصحيحة , إن صح هذا العزو إلى الجبرية , والله تعالى أعلم . وقوله : ((والسهروردي خص من حواه)) : أي قال الشهاب السهروردي : إنه حجة يخص صاحبه. وقال الشيخ ولي الدين : وكان البلقيني يقول : أن الفتوحات التي يفتح بها على العلماء في الاهتداء بها إلى استنباط المسائل المشكلة من الأدلة- أعم نفعا , وأكثر فائدة مما يفتح به على بعض الأولياء من الاطلاع على لعض المغيبات , فإن ذاك ما يحصل به من النفع مثل ما يحصل بهذا . قال الشيخ ولي الدين : وأيضا فهذا موثوق به لرجوعه إلى أصل شرعي , وذاك قد يضطرب الأمر فيه , ويشتبه بتسويل الشيطان لعدم رجوعه إلى قاعدة شرعية . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى تعريف الإلهام , وحاصله أنه إيقاع شيء في القلب يثلج - بضم اللام , وحكي فتحها- أي يطمئن له الصدر , يخص الله تعالى به بعض أصفيائه الذين كملهم بما فتح عليهم من أنواع الطاعات والقربات , كما بينه الحديث الصحيح : ((لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها , ورجله التي يمشي عليها , فبي يبصر وبي يسمع ...)) . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . @ (خاتمة)(1) الفقه مبناه على ما حرره أصحابنا قواعد مختصره بشك اليقين لا يزال وإن كل ضرر مزال وبالمشاق يجلب التيسير وإنه للعادة المصير وزاد بعض خامس القواعد أن أمور الشخص بالمقاصد (2).(1) أي هذه خاتمة في ذكر قواعد تشبه الأدلة , فناسب كونها خاتمة لبحث الأدلة , والقاعدة لا تختص بباب , لخلاف الضابط(*). (2) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى القواعد الخمس التي بني عليها الفقه بأسره , حكى القاضي أبو سعيد الهروي أن الإمام أبا طاهر الدباس رد جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد : (الأولى) : أن اليقين لا يزال بالشك, وأوصلها من قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الشيطان ليأتي أحدكم في صلاته , فيقول له : أحدثت , فلا ينصرف حتى يسمع صوتا , أو يجد ريحا )). ومن مسائله : من تيقن الطهارة , وشك في الحديث يأخذ بالطهارة . (الثانية): الضرر يزال , وأصلها في قوله صلى الله عليه وسلم :((لاضرر ولا ضرار)). ومن مسائله : وجوب رد المغصوب , وضمانه . (الثالثة): المشقة تجلب التيسير, وأصلها قوله تعالى : {وما جعل عليكم في الدين من حرج } الآية [سورة الحج آية : 78] , وقوله صلى الله عليه وسلم (( بعثت بالحنيفية السمحة )) . ومن مسائله : جواز القصر والجمع والفطر في السفر بشرطه . (الرابعة): العادة محكمة , وأصلها حديث : ((ما رآه المسلمون حسنا , (*)راجع حاشية البناني على ((جمع الجوامع)) (ج 2 ص 356) . @ (الكتاب السادس - في التعادل والتراجيح)(1) 1180 ممتنع تعادل القواطع كذا الأمارتين أي في الواقع على الصحيح وإذا توهما فالوفق والتخيير أو تركهما . فهو عند الله حسن )) . انتهى . وهذا الحديث أخرجه أحمد , وغيره بإسناد حسن موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه , وروي مرفوعا , ولكن لا يصح . ومن مسائله : أقل الحيض وأكثره . وضم بعض الفضلاء إلى هذه القواعد : (قاعدة خامسة) : وهي الأمور بمقاصدها , لحديث : ((إنما الأعمال بالنيات)) . ومن مسائله : وجوب النية في الطهارة . ورجع هذه القاعدة ابن السبكي رحمه الله إلى الأولى , فإن الشيء إذا لم يقصد اليقين عدم حصوله . قاله المحلي رحمه الله تعالى . قال الناظم رحمه الله : وقد عقدت لها كتابا في أول ((الأشباه والنظائر)), وبسطت شرحها , ومايدخل فيها من القواعد , وما يتنزل عليها من الفروع , وبينت رجوع الفقه بأسره إليها , وأن كل قاعدة منها يدخل في كثير من أبوابه , بما لا مزيد عليه . انتهى. قوله: (قواعد) بالصرف للوزن. وقوله: ((المشاق)) بتخفيف القاف للوزن, و((يجلب)) بالبناء للمفعول. والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . (1) إنما أفرد الأول لأنه نوع واحد , بخلاف الثاني , فإنه أنواع . قال بعض المحققين . @ أو ذا بغير واجب وفيه محير خلف به نحكيه (1) . (1) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى أن هذا الكتاب موضوع لبيان كيفية الاستدلال عند التعارض . ومعنى التعادل هو التساوي والتقابل من كل وجه , وهو ممتنع بين الدليلين القطعيين , بأن يدل كل منهما على عكس ما يدل عليه الآخر , إذ لوجاز ذلك لثبت مدلولهما , فيجتمع المتنافيان, فلا وجود لقاطعين متنافيين , كدال على حدوث العالم , ودال على قدمه , وشمل ذلك العقليين والنقليين , والعقلي والنقلي , وسكت في ((جمع الجوامع)) عن تعادل القطعي والظني , لأن ذلك إن كان في غير النقليين فقد انتفى الظن عند القطع بالنقيض كما قال ابن الحاجب , كما إذا ظن أن زيدا في الدار لكون مركبه ببابها , ثم شوهد خارجها , فلا دلالة للعلامة المذكورة على كونه في الدار حال مشاهدته خارجها فلا تعارض بينهما , وإن كان في النقليين فالظني منهما باق على دلالته حال دلالة القطعي , مقدم عليه لقوته , كما حرره ابن السبكي في ((شرح المنهاج)) . وأما التعادل بين الأمارتين , فإن كان في ذهن المجتهد فواقع قطعا , وأما في نفس الأمر فقولان : (أحدهما ) : وعليه الأكثرون, واختاره ابن الحاجب, والآمدي أنه لا مانع من ذلك . (والثاني ) : امتناعه , وصححه في ((جمع الجوامع)) حذرا من التعارض في كلام الشارع . وقال ابن خزيمة : لا أعرف أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادان , فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما . قال في ((منع الموانع)): يعني من كان عنده ما حسب في التعارض , فليأت حتى أبين خطأه في حسبانه , وإلا فكيف يؤلف بين متعارضين حقيقة , وإنما ينشأ الحسبان عن اختلال الفهم , أو السند , ولا يهتدي لتعيين تلك الجهة .@ وحيث عن مجتهد قولان تعاقبا فالقول عنه الثاني أو لا فما يذكر فيه المشعر بكونه أرجح أو لا يذكر 1185 فهو مردد وهذا وقعا للشافعي في بضع عشر موضعا وهو دليل لعلو شأنه علما ودينا وعلى إتقانه ثم رأى القفال ما يصحح رأي أبي حنيفة مرجح وقيل عكسه وترجيح النظر أولى وبعده فقف إذ ما ظهر (1) فإن توهم المجتهد التعادل بينهما , وعجز عن مرجح لأحدهما , ففي ما يصنع أقوال : (أحدها): الوقف عن العمل بواحد منهما . (الثاني): التخيير بينهما في العمل , والقضاء , ويجعل الخيرة في الفتوى للمستفتي , وبهذا قال القاضي أبو بكر , وأبو علي , وابنه أبو هاشم , وجزم به الإمام , والبيضاوي . (والثالث) : سقوطهما , والرجوع إلى غيرهما , كما في تعارض البيتين , حكاه البيضاوي عن بعض الفقهاء , قال المحلي : وهو أقربها . (الرابع) : الخيير بينهما في الواجبات , والتساقط في غيرها .قوله : ((كذا الأمارتين )) أي الدليلين الظنيين , وهو على حذف مضاف , أي تعادل الأمارتين . وقوله : ((توهما )) بالبناء للمفعول . وقوله: ((خلف له)) , أي هذه الأقوال اختلاف بين العلماء في هذه المسألة , فالباء بمعنى ((في )) . وقوله: ((نحكيه)), بالنون , وفي نسخة ((تحكيه)) بالتاء , وفي أخرى : ((يحكيه)) بالياء, والأولى أظهر . والله تعالى أعلم. (1) أشار بهذه الأبيات إلى أن تعارض قولي المجتهد في حق مقلديه كتعارض @ الأمارتين في حق المجتهد, فلذا ذكر عقبه , فإذا نقل عن مجتهد قولان في مسألة واحدة , فتارة يذكرهما متعاقبين, أي في وقتين , فإذا علم المتأخر منهما فهو قوله ويكون الأول مرجوعا عنه , وإن جهل الحال بأن علم تعاقبهما , ولم يعلم المتأخر , أو لم يعلم تعاقبهما بأن قالهما معا فما ذكر فيه المشعر بترجيه على الآخر , كقوله: هذا أشبه , وكتفريعه عليه , فهو قوله المستمر منهما , وإن لم يذكر ذلك فهو متردد بينهما . وقد وقع للإمام الشافعي رحمه الله هذا التردد في ستة عشر , أو سبعة عشر موضعا , كما قال القاضي أبو حامد المروزي , وهو دليل على علو شأنه علما ودينا , أما علما فلأن التردد من غير ترجيح ينشأ عن إمعان النظر الدقيق حتى لا يقف على حالة , وأما دينا فإنه لم يبال بذكره ما يتردد فيه , وإن كان قد يعاب في ذلك عادة بقصور نظره كما عابه به بعضهم . ثم اختلف في الأرجح منهما , فقال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني : مخالف أبي حنيفة منهما أرجح من مواقفة , فإن الشافعي إنما خالف لدليل , وعكس القفال , فقال : موافقه أرجح , وصححه النووي , لقوته بتعدد قائله , واعترض بأن القوة إنما تنشأ من الدليل , فلذلك قال ابن السبكي : والأصح الترجيح بالنظر , فما اقتضى ترجيحه منهما كان هو الراجح , فإن لم يظهر بالنظر مرجح توقف عن الحكم بواحد منهما . قوله : ((فالقول عنه الثاني )) , وفي نسخة (( عند الثاني )) . وقوله : ((فما يذكر )) بالبناء للمفعول , ونائب فاعله قوله : ((المشعر)) , وقوله ((بكونه)) , وفي نسخة ((لكونه)) باللام , وقوله : ((فهو مردد)) أي منسوب إلى التردد في ذلك , ووقع في نسخة ((مردود)) , وهو تصحيف .وقوله : ((في بضع عشر موضعا)) بتذكير ((بضع)) مع أن المعدود مذكر , للضرورة . والله تعالى أعلم . @ وقوله مخرجا في المسأله من النظير حيث لا يعرف له 1190 قول بها وقيل لا ينسب له وقيل قيد ناسبا أو أرسله (1) وحيث نص في نظيرين على تخالف فطرق قد حصلا (2) . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف فيما إذا لم يعرف للمجتهد قول في المسألة , لكن عرف له قول في نظيرها , فهل يجوز أن يخرج من نصه في تلك إلى هذه , وينسب إليه ؟ على أقوال : (أحدها) : وعليه الجمهور نعم , ولكن لا ينسب إليه إلا مقيدا بأنه مخرج , لئلا يظن أنه منصوص . (والثاني) : لا يجوز نسبته إليه أصلا , ولم يجعل قولا له إلا ما صرح به , لأن لازم المذهب ليس بمذهب , ولاحتمال أن يذكر فرقا بين المسألين لو روجع في ذلك . (والثالث) : يجوز نسبته إليه مقيدا , ومطلقا , لأنه قد جعل قوله . قوله : ((وقيل : قيد ناسبا )) بصيغة الأمر أي قيده بكونه مخرجا حال كونك ناسبا له , وفي بعض النسخ : ((قيدا)) بصيغة المصدر . وقوله : ((أو أرسله)) ((أو)) لتنويع الخلاف , و((أرسله)) بصيغة الأمر أيضا , وهو مؤكد بنون خفيفة حذفت على قلة , كما حمل عليه ما قرئ في قوله تعالى : {ألم نشرح} (سورة الشرح آية 1) بفتح الحاء . والمعنى أن بعضهم نسبه إلى المجتهد , وأرسله فيه , أي أطلق , ولم يقيده ب(كونه مخرجا . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه ينشأ الطرق في المذهب من كون المجتهد نص في مسألة على حكم , وفي نظيرها على ما يعارضه , ولا يظهر بينهما فرق , فيختلف الأصحاب , فمنهم من يقرر النصين فيهما , ويفرق بينهما , ومنهم من يخزج نص كل منهما في الأخرى , فيحكي قولين : منصوصا , ومخرجا, وعلى هذا فتارة يرجح في كل نصها , ويفرق بينهما , وتارة يرجح في إحداهما نصها , وفي @ وعرف الترجيح بالتقوية إحدى الأمارتين عاملا بتي وصفا وبالراجح يلزم العمل القاض إلا ما بظن قد حصل فكونه مرجحا ما اعتبرا وقيل إن يرجح بظن خيرا (1) . الأخرى المخرج , ويذكر ما يرجحه على نصها . قوله: ((نص)) بالبناء للفاعل , والفاعل ضمير المجتهد, ويحتمل بناءه للمفعول , والنائب الجار والمجرور . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى ما قاله في ((جمع الجوامع)): الترجيح تقوية إحدى الطريقين - أي المتعارضين- على الأخرى , وعبر البيضاوي بالأمارتين , أي الدليلين الظنيين , واستحسنه ابن السبكي في ((شرحه)) , لامتناع الترجيح في غير الأمارتين . زاد في ((المحصول)) : ليعمل بالقوي , واحترز به عن التقوية لا للعمل , بل لبيان كونها أفصح , قال بعضهم : فهو فصل لا بد منه , فلا ينبغي إهماله , وزاد صاحب ((البديع)) في التعريف : ((وصفا)) ليخرج الترجيح بدليل مستقل , فلا يجوز , لأنه يؤدي إلى الانتقال لدليل آخر , فإنه لا تعلق للثاني بالأول , فالعدول إليه انتقال , وقد زاد الناظم رحمه الله هذين القيدين في الحد , وعبر ب ((الأمارتين)). ثم إذا تبين أن إحدى الأمارتين أرجح من الأخرى , فقال الأكثرون : يجب العمل بالراجح , سواء ترجح بقطعي , أو ظني . وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : إن ترجح بقطعي , كتقديم النص على القياس وجب , أو بظني , كالأوصاف والأحوال , وكثرة الأدلة , ونحوها فلا , بناء على رأيه أنه لا ترجيح بظن لا يستقل بنفسه .ورد بالإجماع على عدم الفرق بين المستقل وغيره , وقد رجح الصحابة قول عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين : ((فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم , فاغتسلنا )) على الخبر الذي رواه جماعة من الصحابة : ((إنما الماء من الماء)) , لكونها أعرف @ 1195 وليس في القطعي ترجيح لما مر وناسخ أخير منهما ولو أخيرا نقل الآحاد فاعمل به وخالفت أفراد(1) . بذلك منهم . وقال أبو عبد الله البصري من المعتزلة : لا ترجيح بظن أيضا , ولكن يتخير في العمل بهما . قوله : ((إحدى الأمارتين)) مفعول ((تقوية)) . وقوله: ((بتي)) اسم إشارة للمؤنثة, وهو إشارة إلى إحدى الأمارتين .وقوله : ((وصفا)) منصوب بنزع الخافض متعلق ب ((تقوية)) أي بالوصف . وقوله: ((القاض)) بحذف الياء للوزن, وهو القاضي أبو بكر الباقلاني . وقوله: ((ما اعتبرا)) بالبناء للفاعل, والفاعل ضمير القاضي , أي لم يعتبر كون الظني مرجحا . وقوله: ((إن يرجح)) من باب فتح , أي إن رجح أحدهما بالظني . وقوله: ((خيرا)) بالبناء للمفعول , أي كان العمل به مخيرا , ويحتمل بناؤه للفاعل , أي تخير العامل في العمل به . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه لا مدخل للترجيح في القطيعات , لأنه فرع التعارض , وهو ممتنعفيها , كما تقدم , والمتأخر من النصين المتعارضين ناسخ للمتقدم , آيتين كانا , أو خبرين , أو آية وخبرا بشرط النسخ , وإن نقل التأخر بالآحاد عمل به أيضا , لأن دوامه بأن لا يعارض مظنون , ولبعضهم احتمال بالمنع , لأنه يؤدي إلأى إسقاط المتواتر بالآحاد في بعض الصور , وإلى هذا القول أشار الناظم من زياداته بقوله : ((وخالفت أفراد)) أي طائفة من العلماء . قوله : ((لما مر)) أي لما تقدم من أن التعارض في القطيعات ممتنع .@ وكثرة الرواة ذو ترجيح أو الأدلة على الصحيح (1) بالمتعارضين إن يمكن عمل ولو بوجه فهو أولى في الأجل ولا يقدم على الكتاب سنة أو بالعكس في الصواب(2). وقوله : ((نقل الآحاد)) ببناء الفعل للفاعل , و((الآحاد)) فاعله , و((أخيرا)) مفعوله مقدما أي وإن كان المتأخر نقل آحادا . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يجوز الترجيخ عند الجمهور , ومنهم مالك , والشافعي بكثرة الأدلة, وكثرة الرواة , فإذا كثر أحد المتعارضين بموافق له , أو كثرت رواته رجح على الآخر , لأن الكثرة تفيد القوة , وقيل : لا , كالبينتين , والخلاف في مسألة الرواة أضعف من مسألة الأدلة , وقد وافق فيها بعض من خالف في تلك . والل تعالى أعلم . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه إذا أمكن الجمع بين الدليلين المتعارضين , والعمل بهما , ولو من وجه , فالأصح المصير إليه أولى من إلغاء أحدهما بترجيح الآخر عليه , وقيل : الترجيح أولى . مثاله حديث الترمذي وغيره: ((أيما إهاب دبغ , فقد طهر )) , مع حديث أبي داود وغيره : ((لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب )) فإنه يشمل الإهاب المدبوغ وغيره , فحملناه على غيره جمعا بين الدليلين . وسواء كان المتعارضان من جنس واحد , أم كان أحدهما سنة , والآخر كتابا .وقيل : يقدم الكتاب على السنة , لأنه أرجح , لحديث معاذ(1) رضي الله عنه : أنه يقضي بكتاب الله , فإن لم يجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ورضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , رواه أبو داود وغيره . (1) حديث معاذ رضي الله عنه أخرجه أحمد , وأبو داود , والترمذي , وفي سنده الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة متكلم فيه , عن رجال من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه , وهم مجهولون. @ 1200 أو يتعذر والأخير علما فناسخ أو لا فخذ غيرهما وإن تقارنا وقد تعذرا الجمع والترجيح فليخيرا أو جهلا فحيث نسخ أمكنا فاتركهما أو لا كأن تقارنا(1). وقيل : تقدم السنة عليه , لأنها بيان له , والأصح المنع فيهما , سواء المتواترة والآحاد. مثاله قوله صلى الله عليه وسلم في البحر : (( هو الطهور ماؤه , الحل ميته )) , رواه أبو داود وغيره(1) , مع قوله تعالى :{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه}(سورة الأنعام آية 145) إلى قوله : {أو لحم خنزير} ,(سورة الأنعام آية:145) فكل منهما يتناول خنزير البحر , وحملنا الآية على خنزير البر المتبادر إلى الأذهان , جمعا بين الأدلة . قوله : ((بالمتعارضين)) بالراء, ووقع في بعض النسخ : ((بالمتعاوضين)) بالواو , وهو تصحيف . وقوله : ((في الأجل)) أي القول الأصح . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه إذا تعذر العمل بالمتعارضين أصلا , وعلم المتأخر منهما في الواقع , فناسخ للمتقدم منهما وإن لم يعلم المتأخر رجع إلى غيرهما لتعذر العمل بواحد منهما . وإن تقارنا في الورود من الشارع , فالتخيير بينهما ,فيعمل بواحد منهما , إن تعذر الجمع بينهما , وتعذر الترجيح بأن تساويا من كل وجه , فإن أمكن الجمع والترجيح , فالجمع أولى منه على الأصح كما تقدم . وإن جهل التاريخ , أي لم يعلم بينهما تأخر , ولا تقارن , وأمكن النسخ رجع إلى غيرهما لتعذر العمل بواحد منهما , وإن لم يمكن النسخ تخير الناظر بينهما في العمل , إن تعذر الجمع والترجيح كما تقدم في المتقارنين . (1) حديث صحيح. @ (مسألة) ترجح الأخبار بالعلو والفقه في راو لها والنحو ولغة وضبطه وفطنته ولو روى بلفظه ويقظته وورع وشهرة العداله وفقد بدعة وعلمها له (1) 1205 . هذا كله فيما إذا تساويا في العموم والخصوص , فإن كان أحدهما أعم من الآخر مطلقا , أو من وجه , فما سبق في مسألة آخر مبحث التخصيص, فليراجع . قوله : ((أويتعذر)) بالجزم عطفا على ((يمكن)) . وقوله: ((أو لا)) ((أو)) عاطفة , و((لا)) نافية , أي أو لم يعلم , ووقع في بعض النسخ ((أولى)) بصيغة أفعل التفضيل , وهو تصحيف. وقوله: ((أو لا كأن تقارنا)) أي أو لم يمكن النسخ فهو مثلما إذا تقارنا , وقد تقدم قريبا, وهو التخيير في العمل , إن تعذر الجمع والترجيح . ووقع في بعض النسخ أيضا ((أولى)) بصيغة اسم التفضيل , وهو تصحيف أيضا . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب. (1) هذا شروع في بيان ترجيح بعض الأخبار على بعض , وهو يكون من أوجه:(أحدها) بحسب حال الراوي , وذلك باعتبارات , وقد ذكر في هذه الأبيات أمورا: 1- كثرة الرواة , كما تقدم . 2- علو الإسناد, لتضمنه قلة الوسائط , فيقل احتمال الخطأ فيه . 3- إلأى 9- فقه الراوي , ونحوه, ولغته - لأن العالم بما ذكر يمكنه التحفظ من مواقع الزلل , فكان الوثوق به أكثر - وورعه , وضبطه , وفطنته, ويقظته, لأن هذه الصات يغلب على الظن صدق صاحبها , وسواء في هذه السبعة كانت الرواية @ بالاختبار أو ترى مزكيه أكثر عدا وصريح التزكيه (1) معروف قيل أو شهير النسب وحفظ مروي وذكر السبب (2) . باللفظ , أو المعنى . وقيل : إن روي باللفظ فلا ترجيح بذلك . 10- و11 - عدم بدعته بأن يكون حسن الاعتقاد , وشهرة عدالته , لشدة الوثوق بهما بالنسبة إلى مقابلهما . (1) أشار بهذا البيت إلى : 12- كونه مزكى بالاختبار من المجتهد , فيرجح على المزكى عنده بالإختبار , لأن المعاينة أقوى من الخبر . 13- كونه أكثر مزكين . 14 - كونه صريح التزكية , فيقدم خبر من صرح بتزكيته على من حكم بشهادته , أو عمل بروايته في الجملة , لأن الحكم والعمل قد يبنيان على الظاهر من غير تزكية . قوله : ((وعلمها)) أي علم العدالة , فالضمير يرجع للعدالة لكن فيه بعد , حيث اعترض بينهما ((وفقد بدعة)) , يعني أنه يرجح من علمت عدالته باختبار المجتهد على من علمه بإخبار غيره له . وقوله : (( بالاختبار)) متعلق ب (( علمها)) . وقوله : ((أو ترى)) بتاء الخطاب, و((مزكيه)) مفعوله الأول , و((أكثر)) مفعوله الثاني , و((عدا)) تمييز , و((صريح)) بالجر عطفا على ب (( العلو )) . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى : 15 - كونه معروف النسب , فيقدم على مجهوله , لشدة الوثوق به , زاد ابن الحاجب , والآمدي : ومشهوره, فيقدم على غير مشهوره , لأن من ليس مشهورا @ معولا لحفظه لا الكتب سماعه لا من وراء الحجب (1) . لا يحترز عما ينقص منزلته المشهورة , وضعفه في ((جمع الجوامع)). 16- كونه حافظا لمرويه, فيقدم على من لم يحفظه , لدلالته على اهتمامه به . 17- ذكر السبب , فيقدم الخبر المشتمل على السبب ما لم يشتمل عليه, لاهتمام راوي الأول به.قوله: ((معروف)) بغير تنوين لإضافته إلى ((النسب)) مقدرا لدلالة ما بعده عليه, كما قال في ((الخلاصة)): ويحذف الثاني فيبقى الأول كحاله إذا به يتصل بشرط عطف وإضافة إلى مثل الذي له أضفت الأولا. وهو بالجر عطفا بعاطف مقدر على ما قبله من المرجحات , وكذا ((شهير)) و((حفظ)) و((ذكر)) مجرورات بالعطف أيضا . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى : 18- التعويل على الحفظ , دون الكتابة , فيقدم خبر المعول على الحفظ فيما يرويه على خبر المعول على الكتابة , لاحتمال أن يزاد في كتابه, أو ينقص منه , واحتمال النسيان, والاشتباه في الحفظ كالعدم , واختار الناظم في ((شرحه)) ترجيح المعتمد على الكتاب الذي يؤمن فيه الزيادة والنقص لأن الحفظ خوان . 19- كونه سمع شفاها , فيقدم على من سمع من وراء حجاب لأمنه من تطرق الخلل في الثاني . وقد قدمت رواية القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة عتقت وزوجها عبد , على رواية الأسود عنها أنه كان حرا , فإن القاسم سمع منها بلا حجاب , لأنها عمته , والأسود من وراء الحجاب . @ وقوة الطريق والأصل أقر ومن أكابر الصحاب وذكر 1210 ثالثها في غير أحكام النسا آخر إسلام وقيل عكسا (1) . قوله: ((معولا)) منصوب بنزع الخافض , وهو معطوف على المرجحات أيضا , أي ويرجح بتعويل المعول على الحفظ دون الكتاب . وقوله: ((سماعه)) بالجر عطف على ما سبق من المرجحات أيضا بعاطف مقدر . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى : 20- قوة الطريق في تحمله , فيقدم السامع من لفظ الشيخ على القارئ , وهو على السامع بقراءة غيره , وهو على المناول , وهو على المجاز , وهكذا على ما تقدم تفصيله . 21- كون خبره لم ينكره الأصل الذي روى عنه على ما أنكره الأصل , وإن لم يقبل إنكاره , لأن الحاصل من الأول أقوى , فقوله : ((والأصل)) بالجر أيضا , وهو على حذف مضاف , أي كون الأصل , يعني أنه مرجح الخبر أيضا بكون الأصل أقر به . والله تعالى أعلم . 22- كونه من أكابر الصحابة , أي رؤسائهم , فيقدم على غيرهم , لقربهم من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وشدة ديانتهم , وقد كان علي يحلف الرواة , يقبل خبر الصديق من غير تحليف , وعن أحمد رواية أنه لا ترجيح به . 23- كونه ذكرا , فيرجح على رواية المرأة ;لأنه أضبط في الجملة , وقال الأستاذ أبو اسحاق الإسفراييني : لا ترجيح بذلك , فإن كثيرا من النساء أضبط من كثير من الرجال . قال الزركشي : وهو الصواب , وفي ((القواطع)) إنه ظاهر المذهب , ولم يذكر الأول بل حكى إلكيا الاتفاق عليه , فقال: لم يقل أحد : إن رواية الرجال مرجحة على رواية النساء;لأنه قد تكون المرأة أحفظ , وأضبط من الرجل , وفي @ مباشر صاحبها حر حمل بعد بلوغ وبلفظ لا خلل (1) . قول ثالث : تقديم رواية المرأة إذا كان المروي في أحكام النساء , ورواية الذكر في غير ذلك . والله تعالى أعلم . 24- كونه متأخر الإسلام , فيقدم على رواية متقدمة , لظهور تأخر خبره. وقيل: عكسه: لأنه لأصالته فيه أشد تحرزا , وحكى ابن السمعاني عن الحنفية أنه لا ترجيح بالتأخير , لدوام صحبة المتقدم الإسلام إلى وفاته صلى الله عليه وسلم , فلا يرجح المتأخر عليه , قال : وما قلنا أولى ;لأن سماع المتأخر يحقق تأخره , وسماع المتقدم يحتمل التأخر والتقدم , ومحقق التأخر أولى. قوله: ((ومن أكابر الصحاب)) , وفي نسخة: ((ومن أكابر الصحابة ذكر)) , والأول أوضح . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى : 25,26- كونه مباشرا للمروي , وكونه صاحب الواقعة المروية ; لأن كلا منهما أعرف بالحال من غيره . مثال الأول : حديث الترمذي وغيره عن أبي رافع رضي الله عنه , ((أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا , وبنى بها حلالا)) قال : ((وكنت الرسول بينهما)) , مع حديث ((الصحيحين)) عن ابن عباس رضي الله عنهما , ((أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة , وهو محرم)). ومثال الثاني : حديث أبي داود عن ميمونة رضي الله عنها : ((تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونحن حلالان بسرف )) , مع خبر ابن عباس المذكور , وروى أبو داود عن ابن المسيب , قال : وهم ابن عباس في تزويج ميمونة , وهو محرم . 27- كونه حرا , فيقدم خبره على خبر العبد , لأنه الشرف منصبه يحترز عما لا يحترز الرقيق . @ غير مدلس ولا ذي اسمين وكونه مخرج الشيخين(1). قال الزركشي: وهذا ضعيف, كما تقدم في الذكر. قال ابن السمعاني: والحرية لا تأثير لها. 28- وكونه حمل بعد البلوغ, لأنه أضبط من المتحمل قبله , ولهذا اختلف في قبوله. 29- كونه روى باللفظ, فيقدم على من روى بالمعنى, لسلامته عن تطرق خلل إليه. فقوله: ((مباشر إلخ)) مجرورات بالعطف كسابقها. وقوله: ((لا خلل)) في قوة التعليل, أي إنما قدم الرواي باللفظ ; لأنه لا خلل في مرويه. والله تعالى أعلم. (1) أشار بهذا البيت إلى : 30- كونه غير مدلس , لأن الوثوق به أقوى من الوثوق بالمدلس المقبول. 31- كونه ليس له اسمان , لأن من له اسمان يتطرق إليه الخلل بأن يشاركه ضعيف في أحدهما . 32- كون ذلك الحديث مخرجا في ((الصحيحين)); لأن المخرج فيهما أقوى من غيره, وإن كان على شرطهما , لتلقي الأمة لهما بالقبول , وعلى هذا فيقدم ما أخرجاه على ما أخرجه البخاري وحده, وما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم , وما انفرد له مسلم على ماكان على شرطهما , ولم يخرجاه , وما كان على شرطهما على ما هو على شرط البخاري , وما هو على شرط البخاري على ما هو على شرط مسلم , وما هو على شرط مسلم على ما هو على شرط غيرهما , ويقدم ما انفرد به ابن خزيمة على ما صححه ابن حبان , أو الحاكم , كما هو مقرر في محله من كتب مصطلح الحديث. @ والقول فالفعل فصمت فالفصيح لا زائد فصاحة على الصحيح(1) والقرشي والمدني وما ااشتمل على زيادة وحاو للعلل(2). فقوله: ((غير مدلس إلخ)) بالجر , وإعرابه كإعراب ما سبق , و((مخرج الشيخين)) بصيغة اسم المفعول . والله تعالى أعلم . (1) هذا شروع في (الوجه الثاني) من أوجه الترجيح , وهو الترجيح بحسب المتن, وهي كثيرة أيضا . فمنها: تقديم القول على الفعل , لأنه أقوى في الدلالة على التشريع منه لاحتماله الاختصاص به . قلت:تقديم القول على الفعل ليس على إطلاقه كما يظنه بعضهم , بل فيما إذا لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه , وإلا يعمل بهما ; لأن العمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما . فتنبه . والله تعالى أعلم . وتقديم الفعل على التقرير, لقوته عليه, والفصيح على غيره لتطرق الخلل إليه باحتمال كونه مرويا بالمعنى, لكن لا يقدم الزائد في الفصاحة على الفصيح. وقيل: يقدم لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح العرب , فيبعد نطقه بغير الأفصح, لا سيما إذا خاطب به من لا يعرف غيره , وقد كان يخاطب العرب بلغاتها . قال الزركشي: وإنما عبر في ((جمع الجوامع))ب ((زائد الفصاحة)) , ولم يعبر ب ((الأفصح)) كما في ((المنهاج)); لأن الأفصح أن يكون في كلمة واحدة لغتان إحداهما أفصح من الأخرى , والزائد فصاحة يكون في كلمات منها الفصيح والأفصح, ولكن الأفصح فيها أكثر . فقوله: ((والقول إلخ)) بالرفع نائب لفعل محذوف أي: يقدم القول إلخ. ((لا زائد فصاحة)) , أي : لا يقدم الزائد فصاحة, وفي نسخة ((لا زائدا)) بالنصب , أي لا نقدم زائدا . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم الوارد بلغة قريش على الوارد بغير لغتهم.@ 1215 وما به العلة قبل الحكم وقيل عكسه لأهل العلم(1) ومفهم علو شأن المصطفى أو فيه تهديد وتأكيد وفا(2) . لاحتمال روايته بالمعنى, ويقدم المدني على المكي لتأخره عنه , والمدني ما ورد بعد الهجرة, والمكي قبلها .ويقدم المشتمل على زيادة على غيره لما فيه من زيادة العلم, كخبر التكبير في العيد سبعا على خبر التكبير فيه أربعا , رواهما أبو داود . ويقدم المذكور فيه العلة مع الحكم على ما فيه الحكم فقط لأن الأول أقوى في الاهتمام بالحكم من الثاني , كحديث البخاري: ((من بدل دينه فاقتلوه)), مع حديث ((الصحيحين)): ((أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء, والصبيان)), نيط الحكم في الأول بوصف الردة المناسب, ولا وصف في الثاني , فحملنا النساء فيه على الحربيات. والله تعالى أعلم. (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم ما ذكرت فيه العلة قبل الحكم على عكسه;لأنه أدل على ارتباط الحكم بالعلة من عكسه , قال في ((المحصول)). وعكسه النقشواني, قائلا: الحكم إذا تقدم تطلب نفس السامع العلة, فإذا سمعتها ركنت إليها , ولم تطلب غيرها , والوصف إذا تقدم تطلب النفس الحكم , فإذا سمعته قد تكتفي في علته بالوصف المتقدم إذا كان شديد المناسبة, كما في : {والسارق والسارقة}الآية (سورة المائدة, آية : 38) , وقد لا تكتفي به , بل تطلب علة غيره , كما في : {إذا قمتم إلى الصلاة, فاغسلوا} الآية (سورة المائدة آية : 6 ), فيقال: تعظيما للمعبود. والله تعالى أعلم . (2)أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم المشعر بعلو شأن النبي صلى الله عليه وسلم لتأخره عما لم يشعر بذلك ;لأن شأنه لم يزل في ازدياد وتجدد على الدوام , فما أشعر بعلو شأنه فهو متأخر .ويقدم ما فيه تهديد , مثاله حديث البخاري عن عمار رضي الله عنه:((من @ وذو عموم مطلق على اللذا بسبب إلا بصورة لذا(1) والعام شرطيا على المنكر على الأصح وهو بالباقي حري(2). صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)), فهو لتضمنه التهديد مقدم على أحاديث الترغيب في صوم النفل . ومافيه تأكيد على الخالي على ذلك, مثاله حديث أبي داود, وصححه ابن حبان, والحاكم على شرط الشيخين: ((أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها, فنكاحها باطل, فنكاحها باطل , فنكاحها باطل)), مع حديث مسلم: ((الأيم أحق بنفسها من وليها)). والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم ما كان عموما مطلقا على العموم ذي السبب إلا في السبب, لأن الثاني باحتمال إرادة قصره على السبب كما قيل بذلك دون المطلق في القوة, إلا في صورة السبب, فهو فيها أقوى; لأنها قطيعة الدخول عند الأكثرين, كما تقدم . قوله: ((اللذا)) لغة في ((الذي)).وقوله:((بسبب)) أي مع سبب. وقوله:((لذا)) إشارة إلى السبب والله تعالى أعلم. (2) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم العام الشرطي, ك((من)) , و((ما)) الشرطيتين على النكرة المنفية على الأصح ; لإفادته للتعليل دونها . وقيل : العكس, لبعد التخصيص فيها بقوة عمومها دونه. وقوله: ((وهو بالباقي حري)) يعني أن المنكر حقيق بتقديمه على باقي صيغ العموم, كالمعرف بأل, أو الإضافة; لأنه أقوى منه في العموم , إذ يدل عليه بالوضع في الأصح , كما تقدم , وهو إنما يدل عليه بالقرينة اتفاقا.قوله: ((والعام)) بتخفيف الميم للوزن. والله تعالى أعلم . @ والجمع راجح على ما من وذي على اسم جنس مع أل ثم الذي(1) 1220 ما خص والهندي عكسه أجل وما يكون فيه تخصيص أقل(2) على إشارة والايما الاقتضا وسبق ذين للمفاهيم رضا(3) . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم الجمع المعرف باللام أو الإضافة على ((ما)) , و((من)) غير الشرطيتين, كالاستفهاميتين; لأنه أقوى منهما في العموم , لامتناع أن يخص إلى الواحد دونهما على الراجح في كل كما تقدم . وقوله:((وذي على اسم جنس مع أل )) إشارة إلى كل من الجمع المعرف, و((ما)), و((من)), أي تقدم الثلاثة على اسم الجنس المعرف باللام, أو الإضافة, لاحتمال العهد فيه, بخلاف((ما))و((من)) فلا يحتملانه, والجمع المعرف فيبعد احتماله له. والله تعالى أعلم. وقوله: ((ثم الذي)) يأتي شرحه مع ما بعده. (2) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم العام الذي لم يخص على الذي خص , لضعف الثاني بالخلاف في حجيته بخلاف الأول . وقيل: عكسه , لأن ما خص من العام هو الغالب , والغالب أولى من غيره, إذ يبعد تخصيصه مرة أخرى بخلاف الباقي على عمومه, وهذا ما اختاره الصفي الهندي , وصاحب ((جمع الجوامع)). ويقدم الأقل تخصيصا على الأكثر تخصيصا ; لأن الضعف في الأقل دونه في الأكثر.وقوله:((وعكسه)) مفعول مقدم ل ((أجل)) . والله تعالى أعلم . (3) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم دلالة الاقتضاء على دلالة الإشارة, والإيماء , لأن المدلول عليه بالأول مقصود يتوقف عليه الصدق, أو الصحة , وبالثالث @ والمرتضى تقدم الفحوى على خلافه وما عن أصل نقلا(1) ومثبت ثالثها يستويان وقيل لا في العتق والطلاق ثان(2) مقصود لا يتوقف عليه ذلك , وبالثاني غير مقصود, كما علم ذلك في محله, فيكون الأول أقوى. ويقدم الإشارة والإيماء على المفهومين, أي الموافقة والمخالفة; لأن دلالة الأولين في محل النطق بخلاف المفهومين . قوله: ((على إشارة)) وقع في بعض النسخ ((على إمارة)) وهو تصحيف. وقوله: ((والايما الاقتضا)) بقصر ((الايما)) ونقل حركة الهمزة إلى (اللام , ودرجها, وفي نسخة: ((والإيماء اقتضا)). وقوله: ((رضا)) أي : ذو رضا أو مرضي , خبر ((سبق)) . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا إلى أنه يقدم مفهوم الموافقة, وهو المراد ب ((الفحوى)) على مفهوم المخالفة ; للاتفاق على حجية الأول , والخلاف في الثاني وقيل: عكسه, واختاره الهندي; لأن المخالفة تفيد تأسيسا بخلاف الموافقة. والله تعالى أعلم . وقوله: ((وما عن أصل نقلا)) يأتي شرحه مع ما بعده. (2) هذا شروع في بيان (الوجه الثالث) من أوجه الترجيح , وهو التقديم باعتبار مدلول الخبر , فيقدم الناقل عن البراءة الأصلية على المقرر لحكم الأصل , لإفادته حكما شرعيا زائدا على الأصل , وهذا رأي الجمهور . وقيل : يقدم المقرر عليه; لأنه إن قدر سابقا في الزمن على الناقل لم يكن له فائدة , لاستفادة مضمونه من البراءة الأصلية, فيتعين تقديره متأخرا على الناقل , فيكون ناسخا له , وقد مر رده في مبحث ((الناسخ)).@ والأمر والحظر على الإباحة ثالثها سواء الحظر وتي (1) مثاله حديث : ((من مس ذكره, فليتوضأ)) , صححه الترمذي وغيره, مع حديث: ((فما هو إلا بضعة منك )) , رواه الترمذي وغيره. ويقدم المثبت على النافي , لاشتماله على زيادة علم . وقيل: عكسه, لاعتضاد النافي بالأصل . والثالث : أنهما سواء, لتساوي مرجحيهما . والرابع: يقدم المثبت , إلا العتاق والطلاق , فيقدم النافي لهما على المثبت لهما , لأن الأصل عدمهما , وحكى ابن الحاجب مع هذا عكسه, أي يرجح المثبت لهما على النافي لهما . قوله: ((وما عن أصل)) عطف على ((الفحوى)) وهو بنقل حركة الهمزة إلى النون, ودرجها للوزن. وقوله:((ومثبت)) بالجر عطفا على ((الفحوى)) أيضا. وقوله:((يستويان)) وفي نسخة:((مستويان)). وقوله: ((وقيل: لا في العتق )) ووقع في نسخة ((وقل لا في العتق)) , وهو تصحيف. وقوله: ((والطلاق ثان)), مبتدأ وخبره, أي : الطلاق ثان للعتق في تقديم النافي على المثبت . وفي نسخة:((والطلاق بان)) فيجر ((الطلاق)) عطفا على ((العتق)) : والمعنى: قيل: ظهر تقديم المثبت إلا فيهما , وفي أخرى ((والذي أبان)) أي : والطلاق الذي قطع الصلة بين الزوجين. والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم الأمر على الإباحة, لأنه أحوط بالطلب. وقيل : عكسه, ورجحه الهندي لموافقة المباح للأصل من عدم الطلب , ويقدم الحظر على الإباحة;لأنه أحوط. @ ودافع الحد على اللذ ما نفى ومثبت الوضع على ما كلفا(1) 1225 وباتفاق قدم النهي على أمر والاخبار على ذين اعتلا(2). وقيل: عكسه, لاعتضاد الإباحة بالأصل من نفي الحرج, والثالث أنهما سواء , لتساوي مرجحيهما , ورجحه في ((المستصفى)). وقوله: ((والأمر, والحظر)) بالجر عطفا على ((الفحوى)) أيضا. وقوله: ((وتي)) اسم إشارة أشار به إلى الإباحة. والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم نافي الحد على مثبته; لأن الحدود تدرأ بالشبهات, ولما فيه من اليسر , وعدم الحرج الموافق لقوله تعالى : {يريد الله بكم اليسر} (سورة البقرة , آية 185) , و{ما جعل عليكم في الدين من حرج} (سورة الحج , آية 78) وقيل : المثبت; لإفادته التأسيس , حكاه الشيخ المحلي عن المتكلمين . وقيل : إنهما سواء , ورجحه الغزالي. ويقدم المثبت للحكم الوضعي على المثبت للحكم التكليفي , لأن الأول لا يتوقف على الفهم والتمكن من الفعل بخلاف الثاني . وقيل : عكسه , لأنه مقصود بالذات ولأنه أكثر , ولأن فيه الثواب بخلاف الوضعي . وقوله: ((ودافع الحد)) بالجر كسابقه , ومثله ((ومثبت الوضع)). وهذه المسائل كلها منصب عليها قول الناظم رحمه الله تعالى : ((والمرتضى)) قبل ثلاثة أبيات, فالخلاف جار فيها . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم النهي على الأمر بالاتفاق; لأن الأول لدفع المفسدة, والثاني لجلب المصلحة, والاعتناء بدفع المفسدة أشد. @ والحتم والكره على الندب وما يعقل معناه لما لن يفهما(1) وما بوفقه دليل آخر لو مرسلا أو قد رآه الأكثر أو أهل طيبة أو الصحابي ثاثها إن كان ذا انتساب 1230 إلى تميز بنص عين رابعها إن أحد الشيخين(2). ويقدم الخبر المضمن للتكليف على الأمر والنهي , لأن دلالته على الثبت أولى من دلالتهما. قوله: ((والاخبار)) بكسر الهمزة , ونقل حركتها إلى ما قبلها , وحذفها, والمراد به الخبر, وهو مبتدأ , خبره جملة ((اعتلى)) وفي نسخة: ((والاخبار اعقلا)), وعليه فهو عطف على ما قبله, و((اعقلا)) فعل أمر مستأنف , أي : اعقلن ذلك . والله تعالى أعلم. (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم المقتضي للوجوب, أو الكراهة على المقتضي للندب;للاحتياط في الأول , ودفع اللوم في الثاني . ويقدم المعقول المعنى على ما لم يعقل ; لأنه أدعى للانقياد, وأفيد بالقياس عليه . قوله: ((لما لن يفهما)) بالبناء للمفعول , أي : على غير المفهوم , ووقع في بعض النسخ: ((لمن لم يفهما)), والظاهر أنهما تصحيفان. والله تعالى أعلم . (2) هذا شروع في بيان (الوجه الرابع) من وجوه الترجيحات , وهو الترجيح بالأمور الخارجية : فمنها: أنه يقدم ما وافق دليلا آخر , من كتاب أو سنة, أو إجماع, أو قياس على ما لم يوافقه; لأن الظن في الموافق أقوى , كتقديم حديث عائشة رضي الله عنها في التغليس بالصبح على حديث الإسفار لها لموافقته لقوله تعالى :{حافظوا على الصلوات} (سورة البقرة, آية: 238), ومن المحافظة عليها إيقاعها أول الوقت . @ وقيل إن يخالف ابن جبل في الحل والتحريم والقضا علي والإرث زيد لم يرجح بهما الشافعي في الفروض قدما وفاق زيد فمعاذ فعلي وفي سواها قبله ابن جبل(1) وأخر النص على الإجماع وقدم الخالي عن النزاع. وكذا لو وافقه خبر مرسل , أو فتوى الأكثرين, أو عمل أهل المدينة , أو قول صحابي ; لقوة الظن في ذلك . وقيل: لا ترجيح بواحد منها , وصححه الغزالي ; لأنه ليس بحجة . قلت : وهو الأقوى عندي . والله تعالى أعلم . وفي الصحابي قول ثالث أنه إن كان مميزا بنص في باب من أبواب الفقه رجح بموافقته في ذلك الباب , كزيد في الفرائض , وإلا فلا . ورابع : وهو إن كان أحد الشيخين رجع مطلقا , دون غيرهما من الصحابة. قوله: ((وما بوفقه إلخ)) وفي نسخة: ((وما يوافقه)) وعليه ف ((ما)) شرطية لذا جزم الفعل بعدها , ويقدر جوابها , أي : يقدم . وقوله: ((لو مرسلا)) أي : ولو كان الدليل الآخر مرسلا , وفي نسخة : ((أو مرسلا )) والظاهر أنه تصحيف . وقوله: ((إن كان ذا انتساب)) أي: إن كان الصحابي صاحب إنتساب إلى تمييز بالنص يقدم على غيره وفي نسخة : ((إن ذو انتساب)) بالرفع, والأولى أولى . وقوله: ((عين)) أي : متعين, صفة ل ((نص)). وقوله: ((إن أحد الشيخين)) ((أحد)) خبر ل ((كان )) المحذوفة مع اسمها , أي إن كان الصحابي أحدهما . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه قيل : لا يرجح أحد الشيخين إلا بشرط أن لا يخالفهما من ميزة النص في باب , كزيد في الفرائض , ومعاذ بن جبل في الحلال @ والحرام , وعلي في القضاء, ففي الحديث : ((أفرضكم زيد , وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ , وأقضاكم علي ))(1) . وقال الشافعي : إن كان الخبران -أي المتعارضان- في الفرائض قدم منهما ما يوافق قول زيد, ثم ما يوافق قول معاذ , ثم ما يوافق قول علي ; لشهاد النص بترجيح زيد في الفرائض , ومعاذ في الحلال والحرام , وعلي في القضاء , والحلال والحرام أعم من الفرائض , والقضاء أعم من الحلال والحرام , والدليل الأخص مقدم على الأعم , فإن كانا في غير الفرائض قدم منهما ما يوافق قول معاذ , فإن لم يكن له قول فما يوافق قول علي ; لأن الذي رجح فيه معاذ أخص من الذي رجح فيه علي -رضي الله عنهم-. وقوله: ((ابن جبل)) فاعل ((يخالف)) وهو بسكون الفاء للوزن .وقوله: ((والإرث)) بالجر عطفا على (( الحل)) , و((زيد)) بالرفع عطفا على ((ابن جبل)) وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين , وفيه خلاف مقرر في النحو. وقوله: ((لم يرجح بهما)) بالبناء للمفعول, يعني أنه لا يرجح بأحد الشيخين في هذه المواضع. وقوله: ((الشافعي)) مبتدأ خبره جملة((قدما)) والألف للإطلاق. و((وفاق زيد)) مفعول به ل ((قدم)). وقوله: ((وفي سواها قبله ابن جبل)) أي: في غير الفرائض معاذ قبل علي -رضي الله تعالى عنهم أجمعين - والله تعالى أعلم . (1) صحيح, أخرجه أحمد , والترمذي , وغيرهما من حديث أنس -رضي الله عنه- بلفظ : ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر , وأشدهم في أمر الله عمر , وأصدقهم حياء عثمان , وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب , وأفرضهم زيد بن ثابت, وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل , ولكل أمة أمين , وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح )) . @ ثالثها سواء والذي فرض صحابة والكل والذي انقرض(1) 1235 ورجح القياس ههنا بأن يقوى دليل الأصل أو على السنن أي فرعه من جنس أصله وأن يقطع بالعلة أو يغلب ظن(2). (1) هذا شروع في مرجحات الإجماع وهو (الوجه الخامس) من أنواع المرجحات , فيقدم الإجماع على النص كتابا كان , أو سنة; لأنه يؤمن فيه النسخ , بخلاف النص , ويقدم الإجماع الذي لم يسبق بخلاف على المسبوق به , للاتفاق على حجيته, والخلاف في الثاني . وقيل: يقدم المسبوق به على غيره. وقيل : هما سواء , ويقدم إجماع الصحابة على إجماع من بعدهم; لأنهم أشرف , فقد قيل : إن الحجة في إجماعهم دون غيرهم, ويقدم إجماع الكل على ما خالف فيه العوام; لضعف الثاني بالخلاف في حجيته , ويقدم الإجماع المنقرض على غيره ; للاتفاق على حجية الأول , والخلاف في الثاني . قوله: ((وأخر النص )) يحتمل أن يكون فعل أمر , ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا مغير الصيغة, وكذا قوله: ((وقدم الخالي)), وقوله: ((وقدم القياس)) الآتي وقوله: ((سواء)) بمنع الصرف للوزن. وقوله: ((والذي فرض صحابة)) بالفاء , أي قطعه الصحابة ; لأن الفرض في اللغة : القطع , كما قاله في ((اللسان)), والمراد إجماعهم عليه. وقوله: ((والكل)) عطف على ((صحابة)). والله تعالى أعلم . (2) هذا شروغ في مرجحات القياس وهو الوجه (السادس) من أنواع المرجحات, وهي تارة تكون بحسب الأصل , وتارة بحسب العلة, فالأول يكون بقوة دليله , بأن يكون في أحد القياسين بالمنطوق , وفي الآخر بالمفهوم , لقوة النظر بقوة الدليل , وبكون أحد القياسين على سنن القياس , والآخر ليس كذلك , فيقدم الأول . @ وكونها بالمسلك القوي وذات أصلين على المرضي(1). والمراد بكونه على سنن القياس أن يكون الفرع المتنازع فيه من جنس الأصل ; لأن الجنس بالجنس أشبه , كقياس الشافعية ما دون أرض الموضحة على أرشها حتى تتحمله العاقلة , فهو مقدم على قياس الحنفية له على غرامات الأموال , حتى لا تتحمله . وإنما فسرنا كونه على سنن القياس بالتفسير المذكور لئلا يقال: ليس هذا من وجوه الترجيحات ; لأنه يشترط في كل أصل أن لا يخالف سنن القياس . وأما الترجيح بحسب العلة , فيقدم المقطوع بوجود علته على المظنون وجودها , والمظنون ظنا أغلب على ما دونه; لقوة الظن فيهما . قوله: ((السنن)) بفتحتين: الطريق . وقوله : ((أي فرعه إلخ)) تفسير للسنن. وقوله: ((وأن يقطع)) بالبناء للمفعول عطف على ((أن يقوى)).وقوله: ((أو يغلب)) بالبناء للفاعل, و((ظن)) فاعله . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه تقدم العلى التي مسلكها أقوى ; لقوة الظن فيه . وتقدم المردودة إلى أصلين فأكثر , على المردودة إلى أصل واحد, بناء على الترجيح بكثرة الأدلة. وقيل : هما سواء , بناء على مقابله . والأول أصح كما أشار إليه في النظم. فقوله: ((وكونها)) عطف على قوله: ((أن يقوى إلخ)) أي : يرجح القياس أيضا بكون العلة مسلكها أقوى . وقوله : ((وذات أصلين إلخ)) بالنصب عطفا على خبر ((كونها)) أي: تقدم العلة ذات أصلين على ما كانت بكونها ذات أصل واحد . والله تعالى أعلم . @ وصفة ذاتية وقلة أوصافها وقيل عكس ذي وتي(1)وذات الاحتياط والعموم في أصل وفي التعليل لم يختلف(2) 1240 . (1) أي: تقدم إحدى العلتين إذا كانت ذات صفة ذاتية على التي هي حكمية ; لأنها ألزم . وقيل: تقدم الحكمية , لأن الحكم بالحكم أشبه , والذاتية كالطعم , والإسكار , والحكمية كالحرمة , والنجاسة. وتقدم القليلة الأوصاف على الكثيرة الأوصاف ; لأنها أسلم , وقيل : تقدم الكثيرة الأوصاف;لأنها أكثر شبها بالأصل . قوله : ((وصفة)) بالجر عطف على ((أصلين)) , وكذا ((قلة)). وقوله: ((وقيل عكس ذي وتي )) , اسما إشارة للمؤنثة , أشار بهما إلى عكس صفة ذاتية , وقليلة الأوصاف . والله تعالى أعلم . (2) أي تقدم العلة التي تقتضي احتياطا , لأنها أقوى مما لا يقتضيه. وتقدم أيضا التي تعم أصلها, بأن توجد في جميع أفراده; لأنها أكثر فائدة مما لا تعم , كالطعم العلة عند الشافعية في باب الربا ; فإنه موجود في البر مثلا قليله وكثيره, بخلاف الكيل العلة عند الحنفية , فلا يوجد في قليله , فجوزوا بيع الحفنة منه بالحفنتين . وتقدم المتفق على تعليل أصلها , المأخودة منه; لضعف مقابلها بالخلف فيه . قوله: ((وفي التعليل)) وقع في بعض النسخ ((وفي التعميم)) بالميم , وهو تصحيف , والجار والمجرور متعلق ب ((لم يختلف)) بالبناء للمفعول , و((أل)) عوض عن المضاف إليه ,أي: تعليل أصلها , والجملة صلة لمحذوف , أي التي لم يختلف في تعليل أصلها . والله تعالى أعلم . @ وما يوافق أصولا عده أو علة أخرى وبعض رده (1) وما ثبوتها بإجماع فنص قطعا فظنا فبإيماء تخص فالسبر فالمناسبات فالشبه فالدوران وحكوا في المرتبه النص فالإجماع قيل واجعل الدوران بعد سبرها يلي(2) .(1) أي : تقدم الموافقة لأصول عديدة في الشرع على الموافقة لأصل واحد, لأنها أقوى بكثرة ما يشهد لها . وأشار بقوله : ((أو علة أخرى)) , إلى أنه اختلف فيما إذا وافقت علة أخرى , بناء على جواز التعليل بعلتين , على قولين : (أحدهما) : نعم . (والثاني): لا , وصححه في ((جمع الجوامع)) , تبعا لابن السمعاني ; لأن الشيء إنما يتقوى بصفة في ذاته , لا بانضمام غيره إليه. وذكر الشيخ المحلي أن الخلاف مبني على الترجيح بكثرة الأدلة , ومقتضاه التقديم , وهو الأصوب , كما أشار إليه الناظم هنا , حيث عطفه على الأقوال الراجحة في المسائل المتقدمة , وذكر مقابله بقوله : ((وبعض رده)). والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذه الأبيات إلى أنه يقدم القياس الذي ثبتت علته بالإجماع على ما ثبتت علته بالنص ; لقبول النص التأويل , والنسخ , بخلاف الإجماع . وقيل : ((يقدم النص ;لأن الإجماع فرعه, بحثه في ((المحصول)), وجزم به في ((الحاصل)) , و((المنهاج)). ويقدم منها القطعي على الظني . ويقدم ما ثبتت علته بالإيماء على السبر , والسبر على المناسبة , والمناسبة على الشبه , والشبه على الدوران , لما تقدم في تعاريفها من أن الإيماء دال على العلية @ وعلة على دلالة رجح وغير ذي تركب على الأصح(1) 1245 باللفظ , والباقي بالطرق العقلية, لاستناد الظن فيه إلى سبب خاص , والسبر دال على نفي المعارض بإبطال ما لا يصح للعلية , بخلاف المناسبة , والشبه مردود عند الأكثر, فأخر عن المناسبة .قال إمام الحرمين: أدنى المعاني في المناسبة مرجح على أعلى الأشباه , وقدم على الدوران;لقربه من المناسبة. وقيل: الدوران مقدم على المناسبة , لأنه يفيد اطراد العلة وانعكاسها , وقدم البيضاوي المناسبة , ثم الدوران, ثم السبر , ثم الإيماء, ثم الطرد; لقول الإمام : إن الإيماء ليس فيه لفظ يدل على العلية , وإنما يدل بواسطة الثلاثة المذكورة في محل أصله , والأصل أقوى من الفرع , فيكون كل من هذه الثلاثة أقوى منه . قيل: وتأخير تنقيح المناط عن الطرد مشكل , والصواب تقديمه عليه. قوله: ((وما ثبوتها بإجماع)) وقع في نسخة ((فإجماع)) , وهو تصحيف. وقوله: ((فبإيماء)) وقع في نسخة ((فإيماء)) وهو تصحيف أيضا. وقوله: ((تخص)) بالتاء, وفي نسخة بالياء التحتانية, وبناء الفعل للمفعول . وقوله: ((فالمناسبات)) بصيغة الجمع , ووقع في نسخة ((فالمناسبة)) بالإفراد, وهو تصحيف. وقوله: ((وحكوا)) , وفي نسخة ((فحكوا)), والواو أولى . وقوله : ((النص , فالإجماع)) بالنصب على المفعولية ل ((حكوا)) . وقوله: ((واجعل)) وفي نسخة ((فاجعل)) بالفاء . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم قياس المعنى على قياس الدلالة , لاشتمال الأول على المعنى المناسب, والثاني على لازمه. @ والوصف للحقيقة المعزي وبعده العرفي فالشرعي(1) ثم الوجودي والبسيط رجحا على سواهما وما قد وضحا فيها اطراد وانعكاس فاطراد فقط وفي القاصرة الخلاف باد مع غيرها ثالثها سيان وزائد فروعها قولان(2) ويقدم غير المركب عليه, للاختلاف في قبول المركب. وقال الأستاذ أو اسحاق الإسفراييني : يقدم المركب على غيره; لقوته باتفاق الخصمين على حكم الأصل فيه . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يقدم التعليل بالوصف الحقيقي على العرفي , لأنه لا يتوقف على شيء , بخلاف العرفي . ويقدم العرفي على الشرعي; لأنه متفق عليه بخلافه. قوله: ((للحقيقة)) متعلق ب ((المعزي )) ,وهو صفة للوصف , أي الوصف المنسوب إلى الحقيقة . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذه الأبيات إلى أنه يقدم الوجودي مما ذكر على العدمي منه , لضعف الثاني بالخلاف فيه , كقول الشافعية: السفرجل مطعوم فهو ربوي, كالبر, مع قول الحنفية : ليس بمكيل, ولا موزون. ويقدم أيضا البسيط منه على المركب;لضعف الثاني بالخلاف فيه أيضا, كتعليل الربا بالطعم , مع تعليلهم بالتقدير بكيل أو وزن . وتقدم أيضا المطردة المنعكسة على المطردة فقط ; لضعف الثانية بالخلاف فيها . وتقدم أيضا المطردة فقط على المنعكسة فقط; لأن ضعف الثانية بعدم الاطراد أشد من الأولى بعدم الانعكاس . وأشار بقوله : ((وفي القاصرة الخلاف باد إلخ )) إلى أنه اختلف في المتعدية والقاصرة على أقوال: @ وفي حدود الشرع قدم ملتزم الأعرف الذاتي الصريح والأعم 1250 قيل الأخص ووفاق النقل صح وما الطريق لاكتسابه رجح(1). فقيل: تقدم المتعدية ; لأنها أفيد بالإلحاق بها . وقيل : القاصرة; لأن الخطأ فيها أقل . والثالث : أنهما سواء; لتساويهما فيما ينفردان به من الإلحاق في المتعدية , وعدمه في القاصرة . وأشار بقوله: ((وزائد فروعها قولان))إلى أنه اختلف أيضا في الأكثر فروعا من المتعدين على قولين : فمن رجح المتعدية رجح الأكثر فروعا, ومن رجح القاصرة رجح الأقل , ولا يتأتى هنا القول بالتساوي ; لانتفاء علته. [تنبيه] : ذكر في ((جمع الجوامع)) تقديم الباعث على الأمارة, وقد ذكره ابن الحاجب, وقال ابن السبكي في ((شرحه)) : لقائل أن يقول : العلة أبدا إما بمعنى الباعث, أو الأمارة , أو المؤثر على ما سبق الخلاف فيه , أما أنها تارة بمعنى الباعث, وتارة بمعنى الأمارة , فلم يقل به أحد . انتهى. فلهذا تركه الناظم -رحمه الله- فلم يذكره هنا , كما قاله في ((شرحه)). والله تعالى أعلم . (1) هذا شروع في الترجيح بالحدود , وهو (المرجح السابع) من أنواع الترجيح . وهي إما عقلية , كحدود الماهيات, أو شرعية كحدود الأحكام, وهي المرادة هنا , فيقدم منها : الأعرف على الأخفى , لأنه أفضى إلى مقصود التعريف منه , والذاتي على العرضي ; لأن التعريف بالأول يفيد كنه الحقيقة , بخلاف الثاني . والصريح من اللفظ على ما فيه تجوز , أو اشتراك , لتطرق الخلل إلى التعريف بالثاني.@ وليس للمرجح انحصار وقوة الظن هو المثار(1) . والأعم على الأخص ; لأن التعريف بالأعم أكثر فائدة; لكثرة المسمى فيه . وقيل: يرجح الأخص , أخذا بالمحقق , في الحدود . والموافق للنقل السمعي , أو اللغوي على غيره; لأن التعريف بما يخالفهما إنما يكون لنقل عنهما , والأصل عدمه. وما كان طريق اكتسابه- أي :الحد- أرجح; لكونه قطعيا , واكتساب الآخر ظنيا , لأن الظن بصحة الأول أقوى من الثاني . قوله: ((قدم)) فعل أمر , و((ملتزم)) مفعوله, وهو مضاف إلى ((الأعرف)) , و((الذاتي)) بتخفيف الياء للوزن , عطف على ((الأعرف)) بتقدير عاطف , وكذا ((الصريح)) , و((الأعم)) . وقوله: ((ووفاق النقل صح)) مبتدأ وخبره , أي: موافق النقل صح تقديمه على خلافه . وقوله : ((وما الطريق إلخ)) مبتدأ حذف خبره , أي: كذلك , أو عطف على فاعل ((صح)) على قلة .والله تعالى أعلم. (1) أشار بهذا البيت إلى أن المرجحات لا تنحصر لكثرتها جدا , ومرجعها إلى غلبه الظن وقوته , وسبق كثير منها , فلم نعده حذرا من التكرار , كتقديم بعض مفاهيم المخالفة على بعض, وبعض ما يخل بالفهم على بعض , كالمجاز على الاشتراك , وتقديم المعنى الشرعي على العرفي , والعرفي على اللغوي في خطاب الشارع , وتقديم بعض صور المناسب على بعض , وغير ذلك . قوله:((المثار)) بفتح الميم : يعني أن سبب المرجح ومنشأه هو غلبة الظن . وفي نسخة ((له مثار)). والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب. @ (الكتاب السابع - في الاجتهاد)(1) بذل الفقيه الوسع في تحصيل ظن بالأحكام من الدليل (2) .(1) أراد رحمه الله تعالى - كما قال البناني- الأعم من كونه اجتهادا مطلقا , أو اجتهاد مذهب , أو اجتهاد فتيا , لمجيء الأقسام الثلاثة في كلامه , وأما التعريف الذي ذكره بقوله: ((بذل الفقيه إلخ)) فخاص بالاجتهاد المطلق . (2) أشار رحمه الله تعالى بهذا البيت إلى بيان معنى الاجتهاد وهو لغة بذل الوسع فيما فيه كلفة, وهو مأخوذ -كما قاله الماوردي- من جهاد النفس وكدها في طلب المراد . وفي الاصطلاح: بذل الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم . كذا قال في ((جمع الجوامع)) , زاد ابن الحاجب : والمراد ببذل الوسع بذل تمام الطاقة في النظر في الأدلة بحيث تحس النفس بالعجر عن الزيادة . فخرج بذل غير الفقيه , وبذل الفقيه لتحصيل قطع بحكم عقلي . والمراد بالفقيه هنا المتهيئ للفقه مجازا شائعا , ويكون بما يحصله فقيها حقيقة . قال المحلي رحمه الله : والظن المحصل هو الفقه المعرف في أوائل الكتاب بالعلم بالأحكام إلخ . قال : فلو عبر هنا بالظن بالأحكام كان أحسن . قال الناظم رحمه الله : فلذا عبرت به , ولا حاجة إلى قول ابن الحاجب : ((شرعي)) لإفهام لفظ الفقيه ذلك , وإلا لم يكن له معنى . قوله: ((بذل)) خبر لمبتدأ محذوف , أي هو بذل إلخ . وقوله : ((الوسع)) بضم , فسكون: الطاقة, والقوة. وقوله: ((بالأحكام)) بنقل حركة الهمزة , وحذفها . والله تعالى أعلم .@ ثم الفقيه اسم على المجتهد البالغ العاقل والعقل احدد(1) 1255 ملكة يدرك معلوم بها وقيل الادأراك وقيل ما انتهى إلى الضروري فقيه النفس لو ينفي القياس لو جليا قد رأوا(2) يدري دلي العقل والتكليف به حل من الآلات وسطى رتبه من لغة والنحو والمعاني ومن أصول الفقه والبيان ومن كتاب والأحاديث الذي يخص الأحكام بدون حفظ ذي(3) . (1) أشار بهذا البيت إلى أن الفقيه والمجتهد اسمان يطلقان بمعنى واحد, فكل منهما يصدق على ما يصدق عليه الآخر . ويعتبر فيه أوصاف .(أحدها): البلوغ, لأن غيره لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله. (الثاني): العقل , لأن غيره لا تمييز له يهتدي به لما يقوله حتى يعتبر . وقوله: ((والعقل احدد)) يأتي شرحه مع ما بعده . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف في حد العقل على ثلاثة أقوال: (أحدها): أنه ملكة , أي هيئة راسخة في النفس , يدرك بها المعلوم . (الثاني): أنه نفس الإدراك , سواء كان ضروريا , أو نظريا, وهو محكي عن الأشعري , وحكاه الأستاذ أبو إسحاق عن أهل الحق , قالوا : واختلاف الناس في العقول لكثرة العلوم وقلتها . (الثالث) : أنه الإدراك الضروري فقط, وعليه القاضي أبو بكر , بخلاف النظري , لصحة الاتصاف بالعقل مع انتفائه. قوله : ((والعقل)) بالنصب مفعول مقدم ل ((احدد)). وقوله: ((فقيه النفس إلخ)) يأتي شرحه مع ما بعده. (3) أشار بهذه الأبيات إلى بقية أوصاف المجتهد, ف (الوصف الثالث): أن @ يكون فقيه النفس , أي شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام , بحيث يكون له قدرة على التصرف ; لأن غيره لا يتأتى له الاستنباط المقصود بالاجتهاد. وهل يقدح فيه إنكاره القياس ؟ الأصح لا ; لأن ذلك لا يخرجه عن فقاهة النفس . وقال القاضي أبو بكر , وإمام الحرمين : نعم , ويخرجه. والثالث: إن أنكر الجلي قدح, أو الخفي فقط فلا , وعليه ابن الصلاح , ويترتب على ذلك أنه هل يقدح خلاف الظاهرية في الإجماع , أو لا ؟ . قلت عندي أن القول بعدم قدح خلافهم ضعيف ساقط عن الاعتبار , لأن من المشهور لدى المحققين من عهد نشأة الظاهرية إلى الآن أنه لا زال أهل العلم يعتبرونهم كسائر العلماء , فيناظرونهم , ويجادلونهم , وينصبون الخلاف بينهم , فن أنكر هذا فقد كابر المحسوس , وكذبه الواقع , فليراجع كتب أهل العلم حتى تزول عنه غباوته . وقد حققت الكلام في هذا فيما كتبته على النسائي في شرح حديث النهي عن البول في الماء الراكد(ج1 ص544) فراجعه تستفد . والله تعالى المستعان , وإليه المشتكى . و(الوصف الرابع): أن يكون عارفا بالدليل العقلي , وهو البراءة الأصلية , وبأنا مكلفون بالتمسك به مالم يرد ناقل عنه . و(الوصف الخامس): أن يكون متوسطا في معرفة الآلات من اللغة , والنحو , إعرابا وتصريفا , وأصول الفقه , والمعاني , والبيان, لتوقف الاستنباط عليها.أما الأصول فلأن به تعرف كيفيته , وأما الباقي , فلأنه لا يفهم المراد من المستنبط منه إلا به , لأنه عربي بليغ . وعلم من التوسط أنه لا يكفي في ذلك الأقل , ولا يشترط فيه بلوغه الغاية في @ ذلك , والتبحر فيه. وقال الأستاذ: يجب التبحر في الحروف التي يختلف عليها المعاني , ويكفي التوسط فيما عداها , ويجب في معرفة اللغة الزيادة على التوسط حتى لا يشذ عنه المستعمل في الكلام في غالب اللغة . وأما في أصول الفقه,فكلما كان أكمل في معرفته كان أتم في اجتهاده. (الوصف السادس): أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام;لأن ذلك هو المستنبط منه , فلا يشترط العلم بجميعها , وقد قيل: إن آيات الأحكام مائة آية, وقيل: خمسمائة آية. قيل: وذلك مشكل , لأن تمييز آيات الأحكام من غيرها يتوقف على معرفة الجميع , ولا يمكن للمجتهد تقليد غيره في تمييزه , والقرائح تتفاوت في استنباط الأحكام . قال الغزالي : ويكفيه من السنة أن يكون عنده أصل مصحح يجمع أحاديث الأحكام , ويكتفي منه بمعرفة مواقع كل باب , فيراجعه وقت الحاجة . قال النووي: والتمثيل بأبي داود لا يصح , لأنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام , ولا معظمه , وكم في الصحيح من حديث حكمي ليس فيه انتهى . وفهم من التعبير بالمعرفة أنه لا يشترط حفظ ذلك , وهو كذلك . قوله: ((الذي يخص الأحكام)) عبر بالذي بتأويله بالقسم , أي القسم الذي يخص الأحكام , وفي نسخة ((تخص)) بالتاء المثناة . و((الأحكام)) بنقل حركة الهمزة ودرجها. وقوله: ((بدون حفظ ذي)) إشارة إلى الآيات والأحاديث . والله تعالى أعلم .@ وحقق السبكي أن المجتهد من هذه ملكة له وقد 1260 أحاط بالمعظم من قواعد حتى ارتقى للفهم للمقاصد(1) وليعتبر قال[1] لفعل الاجتهاد لا كونه وصفا غدا في الشخص باد أن يعرف الإجماع كي لا يخرقا وسبب النزول قلت أطلقا وناسخ الكل ومنسوخا وما صحح والآحاد مع ضدهما وحال راوي سنة ونكتفي الآن بالرجوع للمصنف(2) 1265 .(1) أشار بهذين البيتين إلى أن السبكي رحمه الله قال: لا يكفي في المجتهد التوسط في العلوم المذكورة , بل لا بد أن تكون هذه العلوم ملكة له , ويكون مع ذلك قد أحاط بمعظم قواعد الشرع , ومارسها بحيث اكتسب قوة , يفهم بها مقاصد الشرع . قوله: ((للفهم)) وفي نسخة:((بالفهم)) . (2) أشار بهذه الأبيات إلى أن من الصفات المعتبرة للمجتهد - قال السبكي : لكن لإيقاع الاجتهاد, لا لكونه متصفا به -أن يعرف مواقع الإجماع, كي لا يخرقه بمخالفته, وخرقه حرم. قال الشيخ ولي الدين : ولا يشترط حفظها , بل يكفي بأن ما أفتى به ليس مخالفا للإجماع , إما بأن يعلم موافقته لعالم , أو يظن أن تلك الواقعة حادثة لم يسبق لأهل الأعصار المتقدمة فيها كلام.وأن يعرف أسباب النزول , فإن الخبرة بها ترشد إلى فهم المراد , وينبغي أن يضم إلى ذلك معرفة أسباب الحديث , وهو نوع من أنواعه مهم , يعرف به المراد , كأسباب النزول . وأن يعرف الناسخ والمنسوخ , كيلا يعمل , أو يفتي بمنسوخ . وأن يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة , ليحتج بالأول , ويطرح الثاني . [1] فاعله ضمير السبكي كما بينته في الشرح.@ ويعرف المتواتر من الآحاد, ليقدم الأول عند التعارض . ويعرف حال الرواة جرحا وتعديلا , ليحتج برواية المقبول منهم دون المردود. ويعرف مراتب الجرح والتعديل , ليعرف من يعمل بحديثه في التحليل والتحريم , ومن يعمل به في الندب , والكراهة , ويكتفي في هذا وما قبله بالكتب المصنفة في ذلك , والرجوع إلى أئمة هذا الشأن , لتعذر التصحيح والتضعيف في هذه الأعصار , كما رآه ابن الصلاح وغيره, أو لتوقفه على معرفة الجرح والتعديل, وهما متعذران الآن , إلا بواسطة , فالرجوع فيها إلى أئمة هذا الشأن , كالبخاري, ومسلم , وأحمد , والدارقطني , وغيرهم أولى. قلت: ما قاله ابن الصلاح من تعذر الاجتهاد غير صحيح , فقد رده الناظم في ((ألفيته في المصطلح)) في الكلام على ((مستدرك الحاكم)) حيث قال : وابن الصلاح قال ما تفردا فحسن إلا لضعف فارددا جريا على امتناع أن يصححا في عصرنا كما إليه جنحا وغيره جوزه وهو الأبر فاحكم هنا بما له أدى النظر وانظر ما كتبته على هذه الأبيات في شرحي على الألفية المذكورة ج1 ص 51-53 وبالله تعالى التوفيق . وقد تبين بذلك أن مرتبة الاجتهاد صعب منالها , عزيز إدراكها , لكثرة الأمور المشترطة فيها , بحيث إن كل أمر منها يصلح لأن يصرف في تحصيله حتى يصير له ملكة دهرا طويلا , وعمرا مديدا, إلا من منحه الله تعالى , ويسر عليه , ولبعضهم [من البسيط]: لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا وبالجملة فهذا المقام الرفيع لا ينبفي أن يدعيه كل من انتسب إلى العلم , بل الواجب على من لم يتصف بصفة الاجتهاد أن يقف عند حده, {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } , ومع هذا فليس الاجتهاد محصورا في طائفة معينة ,@ لا الفقه والكلام والحرية ولا الذكورة ولا العدالة(1) والبحث عن معارض فليقتفي واللفظ هل معه قرينة تفي(2). ولا في عصر معين كما سيأتي الكلام فيه قريبا , إن شاء الله تعالى . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه لا يشترط في الاجتهاد معرفة تفاريع الفقه , لأنها نتيجة الاجتهاد , فلو شرطت فيه لزم الدور . وقال ابن الصلاح : نعم يشترط في المجتهد الذي يتأدى به فرض الكفاية, أو في الإفتاء ليسهل عليه إدراك أحكام الواقع على قرب من غير تعب كبير , وإن لم يشترط في المجتهد المستقل , وهو معنى قول الغزالي: إنما يحصل الاجتهاد في زماننا بممارسة الفقه , فهو طريق تحصيله في هذا الزمان , ولم يكن الطريق في زمن الصحابة رضي الله عنهم ذلك . ولا يشترط فيه أيضا معرفة علم الكلام بالأدلة التي يحررها المتكلمون لإمكان الاستنباط لمن له اعتقاد جازم بدونها . ولا يشترط أيضا الذكورة , ولا الحرية , فقد يكون قوة الاجتهاد لامرأة , وعبد. وفي اشتراط العدالة قولان: أصحهما: لا يشترط , لجواز أن يكون للفاسق قوة اجتهاد. والثاني : يشترط, ليعتمد على قوله , فلا خلاف في المعنى , لأنها شرطت لقبول قوله, لا لحصول وصف الاجتهاد , وذلك أمر متفق عليه , فلذا لم يحك فيه خلافا في ((النظم)).(2) أشار بهذا البيت إلى أن على المجتهد على سبيل الأولوية , كما يأتي أن يبحث عن المعارض , فيبحث في العام , هل له مخصص؟ وفي المطلق هل له مقيد ؟ وفي النص , هل له ناسخ؟ وعن اللفظ هل معه قرينة تصرفه عن ظاهره ؟ @ ودونه مجتهد المذهب من يمكن تخريج الوجوه حيث عن على نصوص عن إمامه حذا ودونه مجتهد الفتوى وذا(1) إلى أن يغلب على الظن وجود ذلك , فيعمل بمقتضاه , أو عدمه , فيعمل بما يقتضيه ظاهر اللفظ . قال الزركشي, والشيخ ولي الدين : ولا ينافي هذا ما تقدم من جواز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص , لأن ذلك في جواز التمسك بالمجرد عن القرائن والكلام , هذا في اشتراط معرفة المعارض بعد ثبوت كونه معارضا . قال المحلي: المذكور هنا على سبيل الأولوية ليسلم ما يستنبطه عن تطرق الخدش إليه , لو لم يبحث , لا على سبيل الوجوب لما تقدم في العام وغيره . قوله:((والبحث)) بالنصب مفعول مقدم لقوله : ((فليقتفي)) والفاء زائدة . وقوله: ((عن معارض)) وقع في بعض النسخ ((عن مواضع)) , وهو تصحيف . وقوله: ((فليقتفي)) بإثبات الياء للإشباع, أو على لغة من يحذف الحركات المقدرة للجازم . وقوله: ((واللفظ)) بالجر عطفا على ((معارض)) . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن الأمور المتقدمة شرط في المجتهد المطلق , قالوا: وقد فقد الآن , بل من دهر طويل , قال في ((شرح المهذب)) : ودونه في الرتبة مجتهد المذهب , وهو المقلد لإمام من الأئمة المتبوعين المستقل بتقريرات أصوله بالدليل , غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه , وقواعده , قال: وشرطه كونه عالما بالفقه , وأصوله , وأدلة الأحكام تفصيلا, بصيرا بمسالك الأقيسة , والمعاني , تام الارتياض في التخريج , والاستنباط , قيما بإلحاق ما ليس منسوبا لإمامه بأصوله, ولا يعرى عن شوب تقليد له , لإخلاله ببعض أدوات المستقل, بأن يخل بالحديث والعربية , ثم يتخذ نصوص إمامه أصولا يستنبط منه , كفعل المستقل بنصوص @ الشرع, وربما اكتفى في حكم بدليل إمامه , ولا يبحث عن معارض , كفعل المستقل في النصوص , وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه . قال : ثم ظاهر كلام الأصحاب أن من هذه حاله لا يتأدى به فرض الكفاية . وقال ابن الصلاح: يظهر تأدي الفرض به في الفتوى , وإن لم يتأد في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى , لأنه قام مقام إمامه المستقل تفريعا على جواز تقليد الميت , قال: وقد يستقل المقيد في مسألة, أو باب خاص . انتهى. قلت: هذا الكلام فيه نظر من وجوه: أما أولا : فقولهم: فقد المجتهد المطلق من دهر طويل قول لا برهان له , فكون شرائط المجتهد التي ذكروها في هذا الباب لم توجد منذ أن نشأ الإسلام إلى الآن إلا في الأئمة الأربعة, كما صرح به بعضهم يكذبه الواقع في كل عصر ومصر . وأما ثانيا : فالشروط التي ذكرها النووي للمجتهد المقيد هي الشروط المذكورة للمطلق إلا التي استثناها أخيرا(1), وهي موجودة بكثرة في كثير من الأزمان عند كثير من أهل العلم . وأما ثالثا: فإن من كان بهذه المرتبة لا يجوز له أن يقلد أحدا دون شك ولا ريب , لأن الله تعالى قال في محكم كتابه: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل: 43) , و(الأنبياء: 7) فقد قسم الناس إلى قسمين, عالم , وواجبه العمل بعلمه, وجاهل , وواجبه أن يسأل أهل العلم , فيعمل بما أفتوه به , وهذا الشخص الذي وصفه النووي بهذه الأوصاف العلية لا أحد ممن له وعي يقول : أنه من القسم الثاني , فوجب كونه من القسم الأول , فلا يجوز له أن يقلد غيره , بل يجب عليه العمل بعلمه . وأما رابعا : فلأن هذا التقسيم إلى هذه المراتب للمجتهد ليس قول أحد من علماء السلف , لا الإمام الشافعي , ولا غيره من الأئمة , بل كانوا ينهون تلاميذهم (1) هي إخلاله ببعض أدواة المستقل , بأن يخل بالحديث والعربية . @ الذين جعلهم النووي مجتهدين في المذهب , كالمزني , وغيره أن يقلدوهم , كما هو معروف في سيرهم وتراجمهم . وأما خامسا : فلأن هذا الكلام مناقض لما يأتي من تعريفهم التقليد بأنه الأخذ بقول الغير من غير معرفه دليله , فإنه واضح أن من وصفه النووي بهذه الصفات قد عرف أدلة إمامه منطوقها ومفهومها , واستطاع أن يستخرج من منصوصها مالم ينص عليه إمامه , فكيف يسمى هذا مقلدا , هيهات هيهات . وأما سادسا: فإن من توفرت فيه هذه الصفات التي ذكرها للمقيد حسب زعمه لو اجتهد بدراسة النصوص مراعيا ما يراعيه في دراسة نصوص إمامه كما ذكره النووي في كلامه المذكور آنفا , باذلا جهده كل البذل , لاستطاع أن يستنبط الأحكام منها , بل الآيات القرآنية , والأحاديث النبوية أسهل على مثله بكثير , وهذا لا ينكره إلا مقلد جامد , أو متعصب معاند . والحاصل أن هذه المزاعم مجرد خيال لا حقيقة لها في ميزان التحقيق , بل هي آراء متناقضة , ينقض بعضها بعضا , وعوائق صادة عن إعمال ما آتى الله تعالى بعض عباده من الفهم والعلم في استنباط الأحكام من كتابه , وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وصرف لهمته إلى الاشتغال برأي فلان , وفلان, وتزهيد لكثير ممن له قريحة صافية , وهمة عالية عن الانتفاع بنصوص الكتاب والسنة . ولقد أجاد العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى حيث قال عند الكلام في مسألة خلو العصر عن مجتهد ما نصه: وإذا أمعنت النظر وجدت هؤلاء المنكرين إنما أتوا من قبل أنفسهم , فإنهم لما عكفوا على التقليد , واشتغلوا بغير علم الكتاب والسنة , حكموا على غيرهم بما وقعو فيه , واستصعبوا ما سهله الله على رزقه العلم والفهم , وأفاض على قلبه أنواع علوم الكتاب والسنة . إلى أن قال :ومن حصر فضل الله على بعض خلقه , وقصر فهم هذه الشريعة المطهرة على @ المتبحر الذي تمكنا من كونه رجح قولا وهنا(1) 1270 . من تقدم عصره, فقد تجرأ على الله عز وجل , ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده , ثم على عباده الذين تعبدهم الله بالكتاب والسنة ويالله العجب من مقالات هي جهالات وضلالات , فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبد بالكتاب والسنة , وأنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبدون بالكتاب والسنة كتعبد من جاء بعدهم على حد سواء , فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصا بمن كان في العصور السابقة , ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدمهم , ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم; فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة , والمقالة الزائفة ؟ , وهل النسخ إلا هذا ؟ {سبحانك هذا بهتان عظيم} انتهى كلام الشوكاني في كتابه ((إرشاد الفحول))[1] وهو كلام نفيس حقيق بالقبول. وبالجملة فالعلم مواهب من الله تعالى , ولا تقف مواهبه سبحانه وتعالى عند أحد , ولا يحدها زمن , ولا يقيدها مكان , {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب}, (سورة البقرة آية 269) {والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم } (سورة البقرة آية 105). قوله : ((يمكن تخريج الوجوه)), حذف مفعوله لكونه فضلة, و((تخريج)) مرفوع على الفاعلية , أي يمكنه تخريج الوجوه . وقوله: ((حيث عن)) وفي نسخة ((كيف عن)), و((عن)) بتشديد النون : أي ظهر , ((حذا)) بالحاء المهملة , أي اقتدى , ووقع في بعض النسخ ((خذا))بالخاء المعجمة, وهو تصحيف. والله تعالى أعلم . وقوله: ((ودونه مجتهد الفتيا إلخ)) يأتي شرحه مع ما بعده. (1) أشار بهذا البيت إلى بيان مجتهد الفتوى , وهو دون المجتهد المقيد في [1] ج2 ص 308-310 تحقيق د/ شعبان. @ والمرتضى تجري الاجتهاد وجائز وواقع للهادي ثالثها في الحرب والآرا فقد والرابع الوقف وللخطا فقد(1). المرتبة, وهو المتبحر في مذهبه , المتمكن من ترجيح قول على آخر , وقال في ((شرح المهذب)): هو من لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه, لكنه فقيه النفس , حافظ مذهب إمامه, عارف بأدلته, قائم بتقريرها , يصور , ويحرر, ويقرر, ويمهد , ويزيف, ويرجح, لكنه قاصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب , أو الارتياض في الاستنباط ونحوها من أدواتهم , وهذه صفة كثير من المتأخرين , إلى أواخر المائة الرابعة انتهى. قلت: الكلام في هذا كالكلام في الذي قبله من غير فرق , فمن كان فقيه النفس , حافظا مذهب إمامه, عارفا بأدلته, قائما بتقريرها, يصور , ويحرر , ويقرر , ويمهد , ويزيف , ويرجح, كيف يجوز له التقليد ؟ , ولماذا لا يبذل هذا الاجتهاد في دراسة نصوص الكتاب والسنة النبوية التي هي وحي منزل من الله تعالى , وهي أسهل من كلام البشر المتناقض البعيد الغور عن أفهام كثير من الناس , فكيف لا يحفظها ويعرفها , ويقوم بتقريرها , وتصويرها , وتحريرها , وتمهيدها , وتزيف ما يعارضها من آراء الناس , وترجيح ما يحتاج إلى الترجيح ؟ أليس هذا أقرب إلى المنقول والمعقول ؟ . وبالجملة فهذا الصنف من الناس حرام عليه أن يقلد أحدا على الإطلاق , كالذي قبله بل عليه أن يبذل جهده في معرفة النصوص , والعمل بها , والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل , وهو حسبنا ونعم الوكيل .قوله:((قولا وهنا)) بالبناء للمفعول , من التوهين , أي قولا مضعفا , أي نسبه غيره إلى الضعف . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن القول الراجح جواز تجزي الاجتهاد , بأن يحصل للإنسان قوة الاجتهاد في بعض الأبواب , أو المسائل , بأن يعلم أدلته باستقراء منه , أو من مجتهد كامل . @ وقيل : لا يجوز , لاحتمال أن يكون فيما لم يعلمه من الأدلة معارض لما علمه , بخلاف من أحاط بالكل , وهو مردود . وأن الراجح أيضا جواز للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه , ووقوعه , قال الله تعالى : {وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} الآية (سورة الأنفال آية 67).وقوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآية (سورة التوبة آية 43) , عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء , وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك, ولا يكون العتاب فيما صدر عن وحي , فيكون عن اجتهاد, وهذا ما عليه الأكثرون , منهم الشافعي , وأحمد . قلت: هذا القول هو الأرجح عندي لقوة دليله , والله تعالى أعلم . وقيل: يمتنع له الاجتهاد, لقدرته على اليقين بالتلقي من الوحي , بأن ينتظره , والقادر على اليقين في الحكم ليس له اجتهادا فيه جزما . ورد بأن إنزال الوحي ليس في مقدوره, وقيل: يجوز في الآراء والحروب , دون غيرهما , جمعا بين الأدلة السابقة . وقيل : بالوقف, حكاه في ((المحصول)) عن أكثر المحققين. قال العراقي : ومحل الخلاف في الفتوى دون القضاء(1), فيجوز فيه قطعا , ويشهد له ما في سنن أبي داود , عن أم سلمة رضي الله عنها , قالت : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث , وأشياء قد درست, فقال : ((إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه))(2).وعلى الجواز الصواب أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ (1)قلت: الظاهر أنه لا فرق بين الفتوى والقضاء فتأمل . (2) أخرجه أبو داود بسند صحيح . @ وعصره ثالثها بإذنه مصرحا قيل ولو بضمنه وقيل للولاة قيل والبعيد وفي الوقوع البعد والوقف مزيد(1). في الاجتهاد. وقيل: قد يخطئ, ولكن ينبه عليه سريعا , كما في الآيتين السابقتين , واختاره ابن الحاجب , والآمدي , ونقله عن أكثر الشافعية , وأصحاب الحديث , والحنابلة. قلت: وهو الراجح عندي .والله تعالى أعلم . قوله: ((فقد)), أي فحسب . وقوله:((والرابع الوقف)) وفي نسخة ((رابعها الوقف)). وقوله: ((وللخطا فقد)) , أي فقد الخطأ, بمعنى أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يخطئ. قلت : قد ذكرت آنفا أن الراجح عندي قول من قال : إنه يخطئ, ولكن لا يقر عليه . والله تعالى أعلم.(1) أشار بهذين البيتين إلى أن الأصح جواز الاجتهاد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم , ووقوعه , لحديث الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة , فقال: يقتل مقاتلهم , وتسبى ذريتهم, فقال صلى الله عليه وسلم : ((لقد حكمت عليهم بحكم الملك)) , وذلك ظاهر في أن حكمه عن اجتهاد . قلت: هذا القول هو الراجح عندي للدليل المذكور , ولما في ((الصحيحين)) من قصة العسيف الذي زنا , حيث سأل أهل العلم فأفتوه, فلم يعنفهم صلى الله عليه وسلم فيه , ولقصة ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة...))(1) فصلى بعضهم في الطريق , ولم يصل بعضهم, إلى غير ذلك من الأدلة . والله تعالى أعلم . وقيل: لا يجوز , للقدرة على اليقين في الحكم بتلقيه منه صلى الله عليه وسلم . (1)متفق عليه.@ وقيل: يجوز بإذنه صريحا , ولا يجوز بدونه .وقيل : يجوز بإذن صريح أو غير صريح, بأن سكت عمن سأل عنه, أو وقع منه . وقيل : يجوز للولاة, حفظا لمنصبهم عن استنقاص الرعية لهم , لو لم يجز لهم , بخلاف غيرهم. وقيل يجوز للبعيد عنه دون القريب, لسهولة مراجعته. وادعى الأستاذ أبو منصور الإجماع في الغائب , وخص الخلاف بغيره , وتبعه الإمام , والبيضاوي, لكن المشهور إجراء الخلاف فيه أيضا, صرح به الآمدي وغيره . وهل المراد الغيبة عن مجلسه, أو بلده , أو عن مسافة القصر , أو مسافة يشق معه الارتحال للسؤال عن النص عند كل نازلة , قال الشيخ ولي الدين: لم أر في ذلك نقلا . وقيل: محتمل , وقيل : لم يقع مع جوازه , وقيل : وقع للغائب دون الحاضر , وقيل بالوقف عن القول بالوقوع وعدمه , واختاره البيضاوي . قال الإمام : والخوض في هذه المسألة قليل الفائدة , لأنه لا أثر له في الفقه. انتهى. قوله: ((وعصره)) بالجر عطفا على ((الهادي))أي القول المرتضى أن الاجتهاد جائز وواقع في عصره صلى الله عليه وسلم . وقوله: ((ثالثها)) مبتدأ حذف خبره , أي ثالث الأقوال يجوز بإذنه . وقوله:((والبعيد)), وقع في نسخة ((والعبيد)) بتقديم العين على الباء , وهو تصحيف . وقوله : ((وفي الوقوع البعد, والوقف مزيد )) , وفي نسخة((يزيد)) , يعني @ (مسألة) 1275 واحد المصيب في أحكام عقلية ومنكر الإسلام مخط أثيم كافر لم يعذر وقد رأى الجاحظ ثم العنبري لا إثم في العقلي ثم المنتقى إن يك مسلما وقيل مطلقا وقيل زاد العنبير كل مصيب وفي التي لا قاطع فيها يصيب(1) . أن القول بوقوع الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وسلم للبعيد دون القريب , والقول بالوقف عن الوقوع وعدمه مزيد على أصل الخلاف , وهو الوقوع مطلقا, وعدمه مطلقا . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب. (1) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى أن الاجتهاد تارة يكون في العقليات , وتارة يكون في غيرها :فالأول : المصيب فيها واحد , حكى الآمدي وغيره الإجماع عليه , وهو من صادف الحق فيها , لعينه في الواقع , كحدوث العالم , وثبوت الباري , وصفاته , وبعثه الرسل , وغيرهم مخطئ آثم , وإن بالغ في النظر , سواء كان مدركه عقليا , أو شرعيا , كعذاب القبر . أما نفاة الإسلام كله , أو بعضه , كنافي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم , مخطئون آثمون كافرون , غير معذورين , وقد خرق الإجماع عمرو بن بحر الجاحظ , وعبيد الله بن الحسين العنبري من المعتزلة فقالا: إن المجتهد في العقليات لا يأثم , وإن كان مخطئا , فمنهم من أطلق ذلك عنهما , ومنهم من قيده بشرط الإسلام , وهو أليق بهما . وقال القاضي في ((مختصر التقريب)): إنه أشهر الروايتين عن العنبري , وقيل : إن العنبري زاد على نفي الإثم أن كل مجتهد فيها مصيب , حكاه عنه ابن قتيبة . قوله: ((واحد المصيب)) مبتدأ مؤخر وخبر مقدم . وقوله : ((ومنكر)) مبتدأ خبره قوله : ((مخط)) . @ كل للذي صاحبي النعمان والباز والشيخ وباقلاني فذان قالا إن حكم الله تابع ظنه بلا اشتباه 1280 والأولون ثم أمر لو حكم كان به من لم يصادفه اتسم أصاب لا حكما ولا انتهاء بل اجتهادا فيه وابتداء والأكثرون واحد وفيه لله حكم قبله عليه أمارة وقيل لا والمعتمد كلف أن يصيبه من اجتهد وأن من أخطأه لا يأثم بل أجره لقصده منحتم(1) 1285 . وقوله : ((لا إثم في العقلي إلخ)) وفي نسخة بدل هذا البيت : لا إثم في العقلي قيل مطلقا وقيل إن يسلم وعنه المنتقى وقوله: ((وفي التي لا قاطع إلخ)) يأتي معناه مع ما بعده . (1) أشار بهذه الأبيات إلى القسم الثاني , وهو غير العقليات , وهو أيضا نوعان : (النوع الأول): ما ليس فيه نص قاطع , وفيه قولان: (الأول): أن كل مجتهد فيه مصيب , وعليه أبو يوسف , ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة , وابن سريج من الشافعية , وهو المراد بالباز , فإنه كان يلقب بالباز الأشهب , والشيخ أبو الحسن الأشعري , والقاضي أبو بكر الباقلاني , ثم قال الأخيران , أي الأشعري , والباقلاني : إن حكم الله تابع لظن المجتهد , فما ظنه فهو حكم الله في حقه وفي حق مقلده , وقال الثلاثة الأولون : إن غي كل حادثة أمرا , لو حكم الله فيها لم يحكم إلا به , وقالوا أيضا فيمن اجتهد , ولم يصادف ذلك الحكم : إنه أصاب اجتهادا لا حكما , وابتداء لا انتهاء . (والثاني): وعليه الجمهور أن المصيب فيها واحد , قالوا : ولله تعالى في كل واقعة حكم سابق على اجتهاد المجتهدين .ثم اختلفوا , فقال بعضهم : لا دليل عليه , وإنما هو كدفين يصادفه من شاء الله , @ وفرد المصيب بالإجماع مع قاطع وقيل بالنزاع ونفي إثم مخطئ ذو الانتفا وإن يقصر فعليه اتفقا(1) . والصحيح أن عليه أمارات, أي دليلا ظنيا , وبه قال الأئمة الأربعة , وأكثر الفقهاء , وكثير من المتكلمين , وعلى هذا , فقال بعضهم : لم يكلف المجتهد بإصابته لخفائه, وغموضه , والأصح أنه مكلف بإصابته, لإمكانها , وعلى هذا فقال بعضهم : يأثم المخطئ , لعدم إصابته المكلف به , والأصح لا يأثم , لبذله وسعه في طلبه, بل يؤجر , لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا اجتهد الحاكم , فأصاب , فله أجران , وإن أخطأ فله أجر )), لكن هل يؤجر المخطئ على القصد للصواب والاجتهاد , أو على القصد فقط فيه وجهان للشافعية , صحيح الثاني المزني , إذ لا يؤجر على نفس الخطأ , وقد أشار الناظم إلى هذا بقوله : ((بل أجره لقصده منحتم)).وقوله : ((لذي صاحبي النعمان)) هكذا في معظم النسخ , بلفظ ((لذي)), وهو ركيك , لأن ((ذي )) لا تضاف إلى الوصف , والظاهر أنه مصحف من ((لدى صاحبي النعمان)) . أي : عند صاحبي النعمان , ووقع في نسخة ((روى صاحبي النعمان)), وهو تصحيف . وقوله: ((ثم أمر)) أي : هناك أمر, ((لو حكم)) أي الله تعالى فيه ((كان)) حكمه ((به)) , أي: بذلك الأمر . وقوله: ((من لم يصادفه اتسم)) , وفي بعض النسخ ((لو لم يصادفه إلخ)), أي : من لم يصادف ذلك الحكم اتصف بأنه أصاب اجتهادا لا حكما إلخ . فقوله: ((أصاب إلخ)) بتقدير حرف مصدري مجرور بحرف جر محذوف , أي : اتصف بالإصابة .وقوله: ((وإن من أخطأه لا يأثم)) وفي بعض النسخ ((وإن من أخطأه لا يأثم)) . (1) أشار بهذين البيتين إلى (النوع الثاني): وهو مافيه قاطع , من نص , أو إجماع , والمصيب فيه واحد بالاتفاق, وإن دق مسلك ذلك القاطع , وقيل : @ (مسألة) لا ينقض الحكم بالاجتهاد قطعا فإن خالف نصا باد أو ظاهرا ولو قياسا لا خفي أو حكمه بغير رأيه يفي أو بخلاف نص من قلده ينقض وإن ينكح وما أشهده(1)1290. على الخلاف في النوع الأول , وهو غريب , فإن أخطأ من غير تقصير في الاجتهاد لم يأثم في الأصح , لما تقدم , والقول بالإثم هنا أقوى منه في النوع الأول , فإن قصر أثم بالاتفاق , لتركه ما يجب عليه من بذل الوسع . قوله : ((وفرد المصيب)) مبتدأ مؤخر وخبر مقدم . وقوله: ((ذو الانتقا)) أي ذو الاختيار , أي إنه القول المختار . وقوله: ((فعليه اتفقا)) الضمير لإثم المخطئ والفعل مبني للمفعول , والألف للإطلاق . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . (1) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى أن المسائل الاجتهادية لا يجوز نقض الحكم فيها , لا من الحاكم نفسه, إذا تغير اجتهاده , ولا من غيره اتفاقا, حكى ابن الصباغ عليه إجماع الصحابة , لأنه يؤدي إلى أن لا يستقر حكم أبدا , إذ لو جاز نقضه لجاز نقض النقض , وهكذا , لكن يعمل بالاجتهاد الثاني فيما عذا الأحكام المبنية على الاجتهاد الأول , نعم إن تبين أنه خالف نصا من كتاب , أو سنة , أو إجماعا , أو ظاهرا جليا , ولو قياسا نقض . قال الماوردي : ومحل ذلك أن يكون النص المخالف موجودا قبل الاجتهاد , فإن حدث بعده- وهذا إنما يتصور في عصره صلى الله عليه وسلم - لم ينقض ما مضى . قال الناظم : يتصور بعد عصره , بأن ينعقد الإجماع بعد الاختلاف على القول بجوازه . واستثني من المسائل الاجتهادية صورتان ينقض فيها الحكم : @ ثم تغير اجتهاد منه أو إمامه في حظرها خلف حكوا(1) . (الأولى): أن يحكم المجتهد بخلاف اجتهاد نفسه , بأن يقلد غيره, فإنه ينقض , لامتناع تقليده فيما هو مجتهد فيه . (الثانية): أن يحكم المقلد بخلاف نص إمامه , لأنه في حقه لالتزامه تقليده, كنص الشارع في حق المجتهد . قلت: في إطلاق استثناء المسألتين نظر , لأنه إن كانت المخالفة لأجل نص اقتضى ذلك فلا يجوز النقض . فتنبه . والله تعالى أعلم . قوله : ((باد)) أي ظاهر , وهو خبر لمحذوف , أي هو باد , والجملة صفة ل ((نصا)), وقوله : ((لا خفي )) أي ولو كان الظاهر قياسا غير خفي , وهو الجلي . وقوله : ((أو حكمه )) مبتدأ خبره جملة ((يفي)) , والجملة عطف على جملة الشرط . وقوله: ((ينقض)) جواب ((إن)) . والله تعالى أعلم . وقوله:((وإن ينكح إلخ)) يأتي شرحه مع ما بعده. (1) أشار بهذا البيت إلى بعض الفروع المخرجة على الأصل المذكور , وهو أن من نكح بغير إشهاد , أو بغير ولي لاعتقاده صحته باجتهاد , أو تقليد , ثم تغير اجتهاده , أو اجتهاد مقلده , فهل يحرم عليه , ويلزمه مفارقتها ؟ المختار عند ابن الحاجب : نعم , وصححه في ((جمع الجوامع)) , لظنه الآن البطلان , وهذا ما حكاه الرافعي عن الغزالي , ولم ينقل غيره . قلت : دعوى بطلان مثل هذا النكاح محل نظر , والله تعالى أعلم . وقيل : إن اتصل به حكم فلا , وإلا حرمت , وجزم به البيضاوي , والهندي . @ ومن تغير اجتهاده وجب إعلام مستفت به كيما انقلب(1) والفعل لا ينقض ولا يضمن ما يتلف فإن لقاطع فألزما(2) (مسألة) يجوز أن يقال للنبي احكم بما تشاء أو صفي. قوله: ((وما أشهده)) أي ما أشهد على نكاحه , فالضمير راجع إلى مقدر . وقوله:((في حظرها)) أي في تحريم تلك المرأة المنكوحة , والجار والمجرور خبر مقدم ل ((خلف)), والجملة جواب الشرط بتقدير الفاء , وجملة ((حكوا )) صفة ل ((خلف)). والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن من أفتى بشيء , ثم تغير اجتهاده لزمه إعلام المستفتي بذلك , ليكف عن العمل بما أفتاه , إن لم يكن عمل , فإه كان عمل لم ينقض , لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد كما تقدم . قوله: ((كيما انقلب)) هكذا في نسخة , وهي أوضح مبنى ومعنى , أي لكي يرجع عن الفتوى السابقة , وفي نسخة ((كيما رهب)) وهو من باب تعب: أي خاف , أي لكي يخاف العمل بالفتوى السابقة , وفي نسخة ((كيما وهب)) بالواو , والظاهر أنه تصحيف. والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه إذا عمل بفتواه في إتلاف مال , ثم بان خطؤه , فإن لم يخالف قاطعا لم يضمن , لأنه معذور , وإن خالف قاطعا ضمن لتقصيره, والكلام في المجتهد , فلا يحتاج إلى تقييده بمن هو أهل للفتوى, كما نقله النووي عن الأستاذ أبي إسحاق , فإن من ليس أهلا لها لا ضمان عليه , لتقصير المستفتي . قوله : ((لا ينقض)) ((لا)) نافية , وجزم الفعل للضرورة , ومثله ((يتلف)) من باب تعب, وقوله: ((فألزما)) فعل أمر , والألف بدل من نون التوكيد الخفيفة , والجملة جواب الشرط أي فإن كان مخالفا لقاطع فألزمته الضمان . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب. @ 1295 فهو صواب ويكون مدركا شرعا وتفويضا يسمى ذالكا ثالثها المنع لعالم ولم يقع على الأقوى وموسى قد جزم(1) . (1) أشار رحمة الله تعالى بهذه الأبيات إلى أن مستند الحكم الشرعي أمور: (أحدها): التبليغ عن الله تعالى , وهذا يختص بالرسل . (الثاني): المستفاد من الاجتهاد, وهذا وظيفة علماء الأمة , وفي جوازه للنبي صلى الله عليه وسلم خلاف سبق . (الثالث): المستفاد من التفويض , بأن يقال لنبي أو مجتهد على لسان نبي : احكم بما تشاء , فما حكمت به فهو صواب موافق لحكمي , والأكثرون على جوازه , إذ لا مانع منه, ويصير قوله من جملة المدارك الشرعية . وقيل : بالمنع . وقيل : بالجواز للنبي دون العالم , لأن رتبته لا تبلغ ذلك ,واختاره ابن السمعاني , وتردد الشافعي في ذلك , واختلف في محل تردده , فقال الإمام في الجواز , وقال الجمهور في الوقوع مع جزمه بالجواز, وعلى الجواز المختار أنه لم يقع , وجزم موسى بن عمران من المعتزلة بوقوعه, واستند إلى حديث ((الصحيحين)): ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)), أي لأوجبته عليهم , وإلى حديث مسلم : ((يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)), فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ , فسكت , حتى قالها ثلاثا , فقال : ((لو قلت: نعم لوجبت, ولما استطعتم)).وأجيب بأن ذلك لا يدل على المدعى , لجواز أن يكون خير فيه , أي في إيجاب السواك وعدمه , وتكرير الحج وعدمه , أو يكون ذلك المقول بوحي , لا من تلقاء نفسه . قوله:((أو صفي)) أي مختار من الناس , والمراد له العالم . @ نظير هذا الخلف في أصل شهر تعليق أمر باختيار من أمر(1) (مسألة) الحد للتقليد أخذ القول من حيث دليله عليه ما زكن(2) وقوله: ((وموسى قد جزم)) بالجيم , والزاي , أي جزم بوقوعه , وفي نسخة : ((خرم)) بالخاء المعجمة, والراء المهملة , والخرم يطلق على القطع , فيكون بمعنى ما قبله . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن نظير المسألة المتقدمة تعليق الأمر بالاختيار , وفي جوازه خلاف , قيل : لا يجوز , لما في ذلك من التضاد, إذ الأمر يقتضي الجزم بالفعل , والتخيير مناف له , وقيل : يجوز.قال الشيخ المحلي : وهو الظاهر , والتخيير قرينة على أن الطلب غير جازم , وقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((صلوا قبل المغرب )) , قال في الثالثة : ((لمن شاء )), وهذه المسألة ذكرت هنا استطرادا , وإلا فمحلها مبحث الأمر . قوله : ((نظير هذا )) مبتدأ خبره قوله: ((الخلف)), ويجوز العكس . وقوله: ((شهر))بالبناء للمفعول , ومثله ((أمر)) آخر البيت . وقوله : ((تعليق أمر)) خبر لمحذوف , أي هو تعليق أمر . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب .(2) أشار رحمه الله تعالى بهذا البيت إلى تعريف التقليد , وهو الأخذ بقول الغير من غير معرفة دليله , والمراد بأخذ القول تلقيه بالاعتقاد , عمل به أم لا , وخرج به أخذ غير القول من الفعل , والتقرير عليه , فليس بتقليد , وبما بعده أخذ القول مع معرفة دليله , فهو اجتهاد وافق اجتهاد القائل. قلت:وهذا التعريف يبطل ما تقدم من تقسيم المجتهد إلى مطلق , ومقيد,ومجتهد الفتوى , لأن الأخيرين ما صارا مجتهدين إلا لمعرفتهما أدلة المجتهد المطلق,@ ولازم لغير ذي اجتهاد وقيل إن بان انتفا الفساد(1) 1300 وقيل ما لعالم إن قلدا ولو يكون لم يصر مجتهدا(2) فإذا ثبت لهما معرفة ذلك , فقد بطل كونهما مقلدين له , فافهم , ولا تكن أسير التقليد , فإنه حجة البليد , أو ملجأ العنيد. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل . (1) أشار بهذا البيت إلى أن غير المجتهد يلزمه التقليد مطلقا , عاميا كان , أو عالما, لقوله تعالى : {فاسألو أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (سورة النحل آية 43 والأنبياء أية 7). وقيل : إن كان عالما لم يبلغ رتبة الاجتهاد يلزمه بشرط أن يتبين له صحة اجتهاد من يقلده, بأن يتبين له مستنده ليسلم من لزوم اتباعه في الخطأ الجائز . قلت : هكذا قالوا , وياللعجب إذا تبين له مستنده , وصح لديه دليله, فأين محل التقليد؟ أفلا يكفيه أن يعمل بما وصل إليه علمه , أو لا يصح منه عمل ما حتى يعتقد لزوما أنه لا يعمل هذا العمل إلا تقليدا لفلان المجتهد, لا لما أوجب الله تعالى عليه من العمل بما علمه ؟ إن هذا لهو العجب العجاب !!!.(2) أشار بهذا البيت إلى أن بعضهم قال: لا يجوز التقليد لعالم , وإن لم يبلغ رتبة الاجتهاد, لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل , بخلاف العامي . قلت : هذا القول هو الحق الذي لا مرية فيه , وهو الذي كان عليه السلف الصالح رحمهم الله , فقد كان فيهم عوام, فكانوا يسألون أهل العلم , وكان فيهم علماء ووظيفتهم العمل بعلمهم , وإجابة من سألهم , وإذا استشكلوا مسألة سألوا من هو أعلم منهم , ولا تجد فيهم من ينسب إلى أي شخص كان , وإن كان أعلم الناس , فلا يقال لأحدهم بكري, ولا عمري , ولا عثماني , ولا علوي , ولا هريري , وهكذا, نسبة إلى مذاهب أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وأبي هريرة, وغيرهم رضي الله عنهم , مع أن فيهم عوام , كما هو في عصرنا , وقبله , فما جاء @ قيل ولا العامي والمجتهد إن يجتهد وظن لا يقلد كذاك إن لم يجتهد على الأصح ثالثها الجواز للقاضي وضح وقيل للضيق إن يرى أعلى وقيل في الذي له جرى(1). هذا التمذهب, إلا بعد فترة طويلة بعد القرون المفضلة , وإلى الله المشتكى , وبه المستعان . قوله : ((ما لعالم أن قلدا))((ما)) نافية و((أن)) مصدرية , أي ليس لعالم تقليد . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه قيل : لا يجوز التقليد للعامي أيضا , وعليه معتزلة بغداد , فأوجبوا عليه الوقوف على طريق الحكم , وقالوا : إنما يرجع إلى العالم لينبهه على أصوله : قلت : هذا قول باطل بلا شك . والله تعالى أعلم . وقوله: ((والمجتهد)) أشار به إلى أن المجتهد إن اجتهد , وظن الحكم وجب العمل بما ظنه , وحرم عليه التقليد بالاتفاق , وإن لم يكن قد اجتهد ففيه أقوال : (أحدها) : المنع أيضا , لقدرته على الاجتهاد الذي هو أصل للتقليد , ولا يجوز العدول عن الأصل مع القدرة عليه إلى بدله , كما في الوضوء والتيمم , وهذا هو الأصح , وقول الأكثرين . (والثاني): الجواز , لعدم علمه به الآن. (والثالث): الجواز للقاضي , لحاجته إلى فصل الخصومة بخلاف غيره .(والرابع): الجواز عند ضيق الوقت , بأن يخشى الفوات لو اشتغل بالاجتهاد, بخلاف ما إذا لم يضق , وعليه ابن سريج . (والخامس): يجوز له تقليد أعلم منه لرجحانه عليه بخلاف المساوي والأدنى. @ (مسألة) 1305 إن يتكرر حادث وقد طرا ما يقتضي الرجوع أو ما ذكرا دليله الأول جدد النظر حتما على المشهور دون من ذكر وهكذا إعادة المستفتي سؤاله ولو تباع ميت(1). (والسادس): يجوز له فيما يخصه , دون ما يفتي به غيره . قوله: ((ولا العامي)) بتخفيف الميم للوزن, وهو مجرور عطفا على ل ((عالم)) في البيت السابق . وقوله: ((في الذي له جرى)) أي يجوز له التقليد فيما جرى لنفسه من المسائل , دون ما يفتي به غيره . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . (1) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى أنه إذا تكررت الواقعة للمجتهد, وتجدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه فيها أولا , ولم يكن ذاكرا للدليل الأول وجب عليه تجديد النظر فيها قطعا , وكذا يجب تجديده إن لم يتجدد ما يقتضي الرجوع , ولم يكن ذاكرا للدليل , لا إن كان ذاكرا له , إذ لو أخذ بالأول من غير نظر , حيث لم يذكر الدليل كان أخذا بشيء من غير دليل يدل عليه , والدليل الأول لعدم تذكره لا ثقة ببقاء الظن منه , بخلاف ما إذا كان ذاكرا للدليل , فلا يجب تجديد النظر في واحدة من الصورتين , إذ لا حاجة إليه , وهذا هو المختار . وقيل: يلزمه تجديد النظر , لعله يظغر بخطأ , أو زيادة لمقتض , ذكر القولين الزركشي رحمه الله تعالى . وقوله : ((وهكذا إلخ)) يعني أن مثل ما ذكر من وجوب تجديد النظر لمجتهد ما يقع للعامي من استفتاء العالم في حادثة , ثم تجددت تلك الحادثة , فإنه نظير المجتهد في إعادة النظر , فيجب عليه إعادة سؤال من أفتاه , إذ لو أخذ بجواب الأول من غير إعادة لكان آخذا بشيء من غير دليل , وهو في حقه قول المفتي , وقوله الأول لا ثقة ببقائه عليه ,لاحتمال مخالفته له باطلاعه على ما يخالفه من دليل إن كان مجتهدا , @ (مسألة) ثالثها المختار في المفضول جاز تقليده إن يعتقد ساوى وماز(1) فالبحث عن أرجحهم لا يلزم أو يعتقد رجحان فرد منهم . أو نص إمامه إن كان مقلدا , هذا هو الذي صححه الرافعي , واختاره القفال, كما ذكره الزركشي. قوله: ((مايقتضي الرجوع)) ووقع في نسخة ((الوقوع)) بدل ((الرجوع)), وهو تصحيف . وقوله: ((ولو تباع ميت)) مصدر تابع , أي ولو كان ذلك العالم مقلد ميت , بناء على جواز تقليد الميت , وإفتاء المقلد , كما سيأتي . والله تعالى أعلم بالصواب, وإليه المرجع والمآب .(1) أشار رحمه الله تعالى بهذا البيت إلى أنه اختلف في جواز تقليد المفضول من المجتهدين على أقوال : (أحدها) ورجحه ابن الحاجب : يجوز لوقوعه في زمن الصحابة وغيرهم , مشتهرا من غير إنكار . (ثانيها): لا يجوز , لأن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالأدلة في حق المجتهد , فكما يجب الأخذ بالراجح من الأدلة يجب الأخذ بالراجح من الأقوال , والراجح منه قول الفاضل , ويعرفه العامي بالتسامع وغيره . (ثالثها): يجوز لمعتقده فاضلا غيره , أو مساويا له , بخلاف من اعتقده مفضولا كالواقع , جمعا بين الدليلين المذكورين بهذا التفضيل . قلت : هذا القول رجحه في ((النظم)) تبعا لأصله, وعندي أن القول الأول هو الأرجح , لأن هذا الأمر هو الواقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , وخلفائه الراشدين , ومن بعدهم , فقد كان الناس يستفتون الصحابة , والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم , ويستفتون عليا, ومعاذا , وغيرهما من الصحابة وأبو بكر , وعمر بينهم , وهلم جرا . والله @ 1310 فليتعين والذي علما رجح فوق الذي في ورع على الأصح(1) وقلد الميت في القوي ثالثها بشرط فقد الحي(2). تعالى أعلم . قوله: ((وماز)) الواو بمعنى ((أو)), و((ماز)) بمعنى تميز , أي أو اعتقده فاضلا على غيره . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه على القول الثالث الذي اختاره , وهو جواز تقليد المفضول لمن اعتقده فاضلا أو مساويا لا يجب البحث عن الأرجح من المجتهدين لعدم تعينه, بخلاف من منع مطلقا .وأشار بقوله : ((أو يعتقد رجحان فرد منهم)) إلى أنه إن اعتقد العامي رجحان واحد من المجتهدين تعين عليه تقليده, وإن كان مرجوحا في الواقع , عملا باعتقاده المبني عليه الحكم . وأشار بقوله : ((والذي علما رجح إلخ)) إلى أن الراجح علما فوق الراجح ورعا في الأصح , لأن لزيادة العلم تأثيرا في الاجتهاد بخلاف زيادة الورع. وقيل بالعكس , لأن لزيادة الورع تأثيرا في التثبت في الاجتهاد وغيره بخلاف زيادة العلم , ويحتمل التساوي , لأن لكل مرجحا , وهذه المسألة مبنية على وجوب البحث عن الأرجح المبني على امتناع تقليد المفضول . قوله : ((فالبحث عن أرجحهم)) مبتدأ خبره جملة((لا يلزم)) , وفي نسخة ((بالبحث عن أرجحهم)) وعليه فالجار يتعلق ب ((لا يلزم)) , والفعل مبني للمفعول , بخلافه في الأولى , فهو مبني للفاعل . وقوله : ((أو يعتقد)) بالجزم عطفا على ((يعتقد)) في البيت قبله وجوابه قوله : ((فليتعين)). والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه اختلف في جواز تقليد المجتهد الميت على أقوال : @ وجوز استفتاء من قد عرفا أهلا له أو ظن حيث لا خفا بشهرة بالعلم والعدالة أو انتصابه والاستفتا له ولو يكون قاضيا وقيل لا ذا في المعاملات لا من جهلا(1) .(أحدها):نعم, لبقاء قوله, كما قال الشافعي: المذاهب لا تموت بموت أربابها . (الثاني): لا , وعليه الإمام الرازي , قال: لأنه لا بقاء لقول الميت بدليل انعقاد الإجماع بعد موت المخالف , قال: وتصنيف الكتب بعد موت أربابها لاستفادة طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث, وكيفية بناء بعضها على بعض ,ولمعرفة المتفق عليه من المختلف فيه. وعورض بحجية الإجماع بعد موت المجمعين . (الثالث): يجوز إن فقد الحي للحاجة , بخلاف ما إذا لم يفقد . وزاد في ((جمع الجوامع)). (رابعا): عن الصفي الهندي , أنه يجوز تقليده فيما نقل عنه , إن نقله عنه مجتهد في مذهبه , لأنه لمعرفته مداركه يميز بين ما استمر عليه , وما لم يستمر عليه , فلا ينقل لمن يقلده إلا ما استمر عليه , بخلاف غيره . قاله الصفي الهندي , وأسقطه الناظم لأن ابن السبكي اعترضه بأنه في غير محل النزاع . قوله: ((وقلد)) بالبناء للمفعول, و((الميت)) بتشديد الياء ويجوز تخفيفها , إلا أن الأول هنا متعين للوزن نائب فاعله , ويحتمل أن يكون بصيغة الأمر , و((الميت)) مفعوله . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه يجوز استفتاء من عرف بأهلية الإفتاء , باشتهاره بالعلم , والعدالة , أو ظن أهلا له بانتصابه للإفتاء مع استفتاء الناس له , وتعظيمهم إياه بالعلم , ولا فرق بين القاضي وغيره . وقيل: إنما يفتي القاضي في العبادات دون المعاملات , لاستغنائة بقضائه فيها عن الإفتاء, وعن القاضي شريح أنه قال : أنا أقضي , ولا أفتي . @ 1315 وحتم بحث علمه والاكتفا بالستر والواحد في ذا المقتفى(1) . وأشار بقوله : ((لا من جهلا)), إلى أنه لا يجوز استفتاء من جهل أمره في العلم , والعدالة , لأن الأصل عدمهما . قوله: ((وجوز)) بالبناء للمفعول , ويحتمل كونه بصيغة الأمر , و((عرف)) بالبناء للمفعول , وكذا ((ظن)) , و((جهلا)) , والألف للإطلاق . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يجب البحث عن علمه بأن يسأل الناس عنه , وقيل: يكفي الاستفاضة بينهم , ولا يجب البحث عن عدالته , اكتفاء بالظاهر فيها . وقيل: لا بد من البحث عنها , والفرق بين العلم والعدالة , حيث صحح وجوب البحث عن العلم دونها أن العلم ليس غالبا في الناس , بل هو قليل , وعلى خلاف الأصل , والغالب من حال العلماء العدالة , والفسق خلاف الأصل . قال النووي : والوجهان في البحث عن العدالة في المستور , وهو الذي ظاهره العدالة , ولم يختبر باطنه, أما المجهول أصلا فتقدم أنه لا يجوز استفتاؤه وفاقا . وحيث وجب البحث , فهل يكفي خبر الواحد كعدل , وعدلين , أو لا بد من عدد التواتر , احتمالان للغزالي , أصحهما الأول . وقال الشيخ أبو اسحاق : يقبل في أهليته خبر عدل . قال النووي: وهو محمول على من عنده معرفة يميز بها الأهل من غيره , ولا يعتمد في ذلك خبر آحاد العامة لكثرة ما يتطرق إليه من التلبيس في ذلك . قوله: ((وحتم بحث علمه)) بالإضافة مبتدأ . وقوله: ((والاكتفا)) عطف عليه . @ وجاز عن مأخذه إن يسأل مسترشدا وليبد إن كان جلي(1) (مسألة) يجوز للمجتهد المقيد بالمذهب الإفتاء في المعتمد ثالثها لفقده والرابع جاز لمن قلد وهو الواقع والمنع للعامي مطلقا ولو دليلها نص على الأقوى رأوا(2). وقوله: ((المقتفى)) خبر المبتدإ, أي وجوب البحث عن علمه , والاكتفاء بكونه مستورا, وبخبر الواحد, هو القول المختار . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن للمستفتي أن يسأل العالم عن مأخذه فيما أفتاه به استرشادا , لا تعنتا, وعلى العالم بيانه إن كان جليا , فإن كان بحيث يقصر فهمه عنه فلا , صونا لنفسه عن التعب فيما لا يفيد , ويعتذر إليه بخفاء المدرك عليه . قوله: ((أن يسأل)) يحتمل كون ((إن)) شرطية, أو مصدرية . وقوله: ((إن كان جلي)) ((إن)) فيه شرطية, و((جلي)) خبر ((كان)) وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب .(2) أشار رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى أنه اختلف في جواز إفتاء المجتهد المقيد على أقوال : (أحدها): وهو الأصح أنه يجوز الإفتاء بمذهب إمامه , لوقوع ذلك في الأعصار , تكرارا شائعا من غير إنكار , قال في ((شرح المهذب)) : هذا هو الصحيح الذي عليه العمل من مدد طويلة . قلت عندي الأصح أنه يجب عليه أن يفني لما دل عليه الدليل الصريح الصحيح وإن خالف المذهب . والله تعالى أعلم . (الثاني) : لا يجوز , لانتفاء وصف الاجتهاد عنه , وإنما يجوز الإفتاء للمجتهد. @ 1320 جاز خلو العصر عن مجتهد ومطلقا يمنع قوم أحمد وابن دقيق العيد لا إن أتت أشراطها والمرتضى لم يثبت(1) . (الثالث): يجوز عند عدم المجتهد المطلق للحاجة إليه , لا مع وجوده.(الرابع): يجوز للمقلد الإفتاء , وإن لم يكون قادرا على التفريغ والترجيح , لأنه ناقل لما يفتي به عن إمامه , وإن لم يصرح بنقله عنه , وهذا هو الواقع في الأعصار المتأخرة . وأشار بقوله: ((والمنع للعامي إلخ)) -بتخفيف الميم للوزن- إلى أن الأصح عدم جواز إفتاء العامي إذا عرف حكم الحادثة مع دليلها . وقيل: يجوز. وقيل : يجوز إن كان دليلها كتابا أو سنة, وإلا فلا . قلت : هذا هو الأصح عندي , لأنه عالم بالمسألة ودليلها , وقد أمر الله الجاهل أن يسأل من هو عالم بالحكم , هذا عالم له . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف هل يجوز خلو الزمان عن مجتهد مطلق أو مقيد على أقوال : (أحدها) : نعم , وعليه الأكثرون . (الثاني): لا, وعليه الحنابلة . (الثالث): قال ابن دقيق العيد : لا , مالم تأت أشراط الساعة الكبرى, كطلوع الشمس من مغربها , فإذا أتت جاز الخلو عنه . قلت : ما قاله ابن دقيق العيد رحمه الله هو الأصح عندي , للحديث الآتي . والله تعالى أعلم . ثم على الجواز أنه لم يثبت وقوعه . @ إذا بقول مفت العامي عمل ليس له الرجوع إجماعا نقل وقيل بالإفتاء يلزم العمل وقيل بالشروع قيل أو حصل منه التزام ورأى السمعاني إن مالت النفس للاطمئنان وابن الصلاح والنواوي إن فقد سواه والتخيير جوز إن وجد 1325 وصحح الجواز في حكم سواه والالتزام بمعين رآه(1) . وقيل : يقع , دليل عدم الوقوع حديث ((الصحيحين)): ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله )) , أي الساعة , والمراد إتيان الأشراط المذكورة . قال البخاري وغيره: هم أهل العلم . انتهى. ودليل الوقوع حديث ((الصحيحين)) أيضا : ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد , ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا, فسئلوا , فأفتوا بغير علم , فضلوا , وأضلوا )) . وحديث البخاري : ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم , ويثبت الجهل )) , والمراد برفع العلم قبض أهله . قلت : لا خلاف بين الأحايث المذكورة , بل هي على معنى واحد , وهو أن المراد بالحديثين الأخيرين عند قرب الساعة , فيكونان بمعنى الأول , أي أن قبض العلم , ورفعه يكون عند قرب الساعة بظهور أشراطها المذكورة . والله تعالى أعلم . قوله: ((لم يثبت)) أي لم يقع الخلو المذكور , وفي نسخة ((لم تثبت)) بالتاء , وفي أخرى ((لم يتثبت)) والظاهر أنهما مصحفان . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أن العامي إذا وقعت له حادثة واستفتى فيها مجتهدا , وعمل بفتواه , فليس له الرجوع عنه إلى فتوى غيره في مثل تلك الحادثة بالإجماع, كما نقله ابن الحاجب , وغيره , لأنه قد التزم ذلك القول بالعمل به ,@ أرجح أو مساويا وإن له خروجه عنه ولو في مسأله . فإن لم يعمل فله الرجوع فيها إلى غيره . وقيل : لا يلزمه العمل بفتواه بمجرد الإفتاء . وقيل: يلزمه إن شرع في العمل , بخلاف ما إذا لم يشرع . وقيل : لا يلزمه العمل به إلا إذا التزمه . وقيل : يلزمه العمل إن وقع في نفسه صحة ذلك , وإلا فلا , واختاره ابن السمعاني . وقال ابن الصلاح: الذي تقتضيه القواعد أنه إن لم يجد سواه تعين عليه الأخذ بفتواه بمجرد الإفتاء , وإن لم يلتزمه , ولا سكنت نفسه إلى صحته , وإن وجد سواه تخير بينهما , وصححه النووي . قلت : هذا التفصيل هو الراجح عندي , والله أعلم . وأشار بقوله:((وصحح الجواز إلخ)) إلى أنه الأصح جواز رجوعه إلى غيره في حكم آخر غير تلك الحادثة . وقيل: لا , ويتعين عليه استفتاء الذي استفتاه في تلك الحادثة , لأنه بسؤاله إياه , والعمل بقوله التزم مذهبه . قلت : هذا قول ضعيف , لا يستند إلى دليل . والله تعالى أعلم . قوله : ((بقول مفت)) متعلق ب ((عمل)). وقوله :((العامي)) بتخفيف الميم والياء للوزن . وقوله: ((قيل : أو حصل)) , وفي نسخة:((إن حصل)) والأولى أوضح , وفاعل ((حصل)) قوله: ((التزام)). @ ثالثها لا البعض والتتبع لرخص على الصحيح يمنع(1) وقوله : ((وصحح الجواز)) فعل ونائب فاعله , ويحتمل كونه بصيغة الأمر , و((الجواز)) مفعوله . وقوله : ((والالتزام إلخ)) يأتي شرحه مع ما بعده. (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف هل يجب على العامي وغيره ممن لم يبلغ رتبة الاجتهاد التزام مذهب معين من مذاهب المجتهدين على قولين : (أحدهما): نعم, وصححه في ((جمع الجوامع)), وقطع به إلكيا , ثم لا يفعله لمجرد التشهي , بل يختار مذهبا يعتقده أرجح, أو مساويا لغيره. (والثاني): لا , واختاره النووي , فقال : الذي يقتضيه الدليل أنه لا يلزمه التمذهب بمذهب , بل يستفتي من شاء , لكن من غير تلقط للرخص , ولعل من منعه لم يثق بعدم تلقطه . قلت : هذا الذي اختاره النووي رحمه الله هو الأرجح عندي ,إذ هو الواقع في القرون المفضلة , فليس في عهد الصحابة رضي الله عنهم , ولا التابعين رحمهم الله التزام بمذهب معين , بل كان العامي يسأل من شاء من أهل العلم , وإنما جاء التمذهب في الأعصار المتأخرة . وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف والله تعالى أعلم .وأشار بقوله : ((وإن له خروجه إلخ)) إلى أن من التزم مذهبا معينا يجوز له الخروج عنه مطلقا , وصححه الرافعي . (الثاني): المنع مطلقا , لأنه التزمه. (الثالث): يجوز في جميع المسائل , ولا يجوز في بعض دون بعض . @ (مسألة)(1) يمتنع التقليد في العقائد للفخر والأستاذ ثم الآمدي . وحيث جوز له الخروج فالصحيح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ من كل منها ما هو الأهون , فيفسق بذلك . وقيل: يجوز فلا يفسق , حكاه في ((الروضة)) وأصلها عن ابن أبي هريرة , وحكى الأولى عن أبي إسحاق المروزي . قلت: القول الأول هو الأرجح عندي , لإطلاق {فاسألوا أهل الذكر} الآية والله تعالى أعلم . قوله: ((خروجه)) بالنصب اسم ((إن)). وقوله: ((لا البعض)) بالجر عطفا على محذوف . أي يجوز له الخروج عن جميع المسائل , لا البعض . والله تعالى أعلم بالصواب , وإليه المرجع والمآب . (1) لما فرغ رحمه الله تعالى من مباحث علم الفقه عقبها بمسائل العقائد , وهي أصول الدين , وهو علم يبحث فيه عما يجب اعتقاده من ذات الله , وما يجب له , وما يمتنع عليه من الصفات, وبعثه الرسل , وأحوال المعاد على قانون الإسلام , ومنهم من يسميه علم الكلام , لأن أول مسألة وقعت فيه مسألة الكلام . وقد قسمه في ((جمع الجوامع)) إلى قسمين : علمي عملي , وهو ما يجب اعتقاده , وعلمي لا عملي , وهو ما لايجب معرفته في العقائد , وإنما هو من رياضات العلم , وقد ميز بينهما , وضم إلى الثاني جملة من علم الحكمة,والطبيعي , وافتتح الأول بالخلاف في جواز التقليد في أصول الدين , لمناسبة ارتباطه بما قبله , فهو من جنس التخلص . قال الناظم رحمه الله تعالى : والتحقيق أن القسم الثاني لا يسمى أصول الدين , وإنما هو من علم الكلام , والأول إن اقترن به نصب الأدلة العقلية مع حكاية @ والعنبري جوزه وقد حظر أسلافنا كالشافعي فيها النظر(1)1330 أقوال أهل البدع والفلسفة, فهو علم الكلام أيضا, وإلا فأصول الدين , هذا فرق ما بينهما , وقد حذفت القسم الثاني إلا مسألتين , وعوضت منه مسائل مهمة في القسم الأول خيرا منه , وأتيت بالأول , وهو أصول الدين الصرف , وأنا أشرحه هنا شرحا على طريقة أهل السنة من الكتاب والأحاديث المتواترة على وجه مفيد , لم أسبق إليه . انتهى كلام الناظم رحمه الله تعالى في ((شرحه)). قلت: وأنا سأنبه على ما يقع له من مخالفة مذهب السلف , متبعا لما ذهب إليه الخلف من التأويل وغيره . إن شاء الله تعالى . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن التقليد في العقائد فيه أقوال : (أحدها) : وعليه الأكثرون , ومنهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني كما نقله عنه في ((جمع الجوامع)) في أوائل التقليد , ورجحه الرازي , والآمدي أنه لا يجوز , لذمه في التنزيل بقوله تعالى حكاية عن الكفار : {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} (سورة الزخرف آية 23), وقوله: {إن يتبعون إلا الظن} (سورة النجم آية 23) , وقد حث عليه في الفروع: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } (سورة النحل آية 43 والأنبياء آية 7).(الثاني): يجوز, وعليه عبيد الله بن الحسن العنبري وغيره , لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكتفي في الإيمان من الأعراب بالتلفظ بكلمتي الشهادة المبني على العقد الجازم , وليسوا أهلا للنظر . (الثالث): أنه يحرم النظر(*) , والبحث فيه , لأنه مظنة الشبه , والوقوع في الضلال لاختلاف الأذهان والأنظار , وعليه الشافعي , وغيره من أئمة السلف . قلت: لا بد أن أنقل كلام السلف في ذم الكلام في هذا الموضع , لشدة . (*) وقع في شرح الناظم: ما نصه : الثالث يجب , ويحرم النظر إلخ , زيادة لفظة ((يجب)) وهو غلط , انظر شرح المحلي على الأصل (ج2 ص402) ولفظه : وقيل: النظر فيه حرام , فتنبه. @ الحاجة إليه وقد ساق الناظم رحمه الله تعالى في ((شرحه)) ما نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وغيره من كتاب شيخ الإسلام الحافظ أبي إسماعيل الهروي(1) رحمه الله تعالى الذي ألفه في ذم الكلام, بأسانيده , وأنا ألخصه هنا محذوف الأسانيد, فأقول : أخرج رحمه الله تعالى بسنده عن الشافعي رحمه الله , أنه قال : كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد, وما سواه الهذيان. وعن المزني , قال : كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي , فلما قدم الشافعي أتيته , فسألته عن مسألة في الكلام ؟ فقال لي : تدري أين أنت؟ فقلت : نعم في المسجد الجامع بالفسطاط , فقال لي : أنت في تادان(*) قال : ثم ألقى علي مسألة في الفقه , وفأجبت فيها , فأدخل شيئا أفسد جوابي , فجعلت كلما أجبت بشيء أفسده , ثم قال لي : الفقه الذي في الكتاب والسنة وأقاويل الناس يدخله مثل هذا , فكيف الكلام في رب العالمين , الذي الزلل فيه كفر ؟ فتركت الكلام , وأقبلت على الفقه . وعن أحمد بن حنبل , قال : كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده , وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي(**), إنما همه الفقه . وعن محمد بن عقيل بن الأزهر , قال : جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام , فقال: إني أكره هذا , بل أنهى عنه , كما نهى الشافعي فلقد . (1) هو عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد الأنصاري الحنبلي , ولد سنة 397 ه له من التصانيف بتفسير القرآن , وشرح حديث كل بدعة ضلالة , وذم الكلام , وشرح التعرف لمذهب التصوف , ومنازل السائرين , وغيرها , توفي سنة 481 ه . انظر هدية العارفين ج 5 ص 452. (*)قيل : هو موضع في بحر القلزم لا تكاد تسلم منه سفينة . (**) هكذا النسخة ((يشتهي)), ولعل الصواب : ((يشتهي)), قال في ((القاموس)): تشهى: اقترح شهوة بعد شهوة , انتهى, يعني أنه لا يتكلم عن رأيه , وإنما يتبع الدليل . والله تعلى أعلم. @ سمعت الشافعي يقول :سئل مالك عن الكلام , والتوحيد ؟ فقال مالك : محال أن نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء , ولم يعلمهم التوحيد , والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ... )) فما عصم به الدم والمال حقيقة التوحيد . وعن الحسين بن علي الكرابيسي , قال : شهدت الشافعي , ودخل عليه بشر المريسي , فقال لبشر : أخبرني عما تدعو إليه , أكتاب ناطق , وفرض مفروض , وسنة قائمة , ووجدت من السلف البحث فيه , والسؤال ؟ فقال بشر : لا , إلا أنه لا يسعنا خلافه . فقال الشافعي : أقررت نفسك على الخطأ . فأين أنت عن الكلام في الفقه , والأخبار؟ فلما خرج قال الشافعي : لا يفلح .وعن أبي بكر بن سيف , قال : سمعت الربيع يقول : ما ارتدى (*) أحد في الكلام , فأفلح. وعن أبي ثور , قال : قلت للشافعي : ضع في الكلام شيئا , فقال : من ارتدى في الكلام لم يفلح . وعن المزني , قال : سألت الشافعي عن مسألة في الكلام ؟ قال : سلني عن شيء إذا أخطأت قلت : أخطأت , ولا تسلني عن شيء إذا أخطأت قلت : كفرت . وعن محمد بن عبد الله بن الحكم , قال : قال لي الشافعي : يا محمد إن سألك رجل عن شيء من الكلام , فلا تجبه , إن سألك عن دية, فقلت : درهما , أو دانقا , قال لك : أخطأت , وإن سألك عن شيء من الكلام , فزللت قال لك : كفرت . وعن المزني قال : سمعت الشافعي يقول للربيع : يا ربيع اقبل مني ثلاثة . (*) هكذا النسخة ((ارتدى)) ولعل الصواب ((تردى)) : أي زل . @ أشياء : لا تخوضن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فإن خصمك النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . ولا تشتغل بالكلام . ولا تشتغل بالنجوم , فإنه يجر إلى التعطيل . وعن أبي ثور , قال : سمعت الشافعي يقول : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد , ويحملوا على الإبل , ويطاف بهم في العشائر والقبائل , وينادى عليهم , هذا آخر من ترك الكتاب والسنة , وأقبل على الكلام . وعن يونس بن عبد الأعلى , قال : سمعت الشافعي يقول : إذا سمعت الرجل يقول : الاسم غير المسمى ,والشيء غير الشيء , فاشهد عليه بالزندقة . وعن الزعفراني , قال : سمعت الشافعي , يقول : ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة وأنا استغفر الله من ذلك .وعن الكرابيسي , قال : سئل الشافعي عن شيء في الكلام , فغضب , وقال : سل عن هذا حفص الفرد , وأصحابه أخزاهم الله . وعن الربيع , قال : سمعت الشافعي يقول في ((كتاب الوصايا)): لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر , وكان فيها كتب الكلام , لم يدخل في الوصية , لأنه ليس من العلم . وعن الربيع قال : أشرف علينا الشافعي يوما وفي الدار قوم قد أخذوا في شيء من الكلام , فقال : إما أن تجاورونا بخير , وإما أن تنصرفوا عنا . وعن ابن عبد الحكم , قال : سمعت الشافعي يقول : لو علم الناس ما في الكلام لفروا منه , كما يفرون من الأسد . وعن يونس بن عبد الأعلى , قال سمعت الشافعي يقول : لأن يبتلي الله المرء @ بما نهى عنه خلا الشرك , خير من أن يبتليه بالكلام . وعن اسحاق بن عيسى عن مالك بن أنس , قال : من طلب الدين بالكلام تزندق , ومن طلب المال بالكيمياء أفلس , ومن طلب غريب الحديث كذب . وعن عبد الرحمن بن مهدي , قال : (*) على مالك وعنده رجل يسأله ,فقال : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد , لعن الله عمرا , فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام , ولو كان الكلام علما , لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع . وعن أبي جعفر النفيلي , قال : سئل الأوزاعي عن الكلام ؟ فقال : أحببت علما إذا بلغت فيه المنتهى نسبوك إلى الزندقة , عليك بالاقتداء والتقليد . وعن أبي يوسف القاضي , قال : من طلب الدين بالكلام تزندق . وعنه: العلم بالخصومة والكلام جهل , والجهل بالخصومة والكلام علم . وعن نوح الجامع , قال : قلت لأبي حنيفة : ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام ؟ فقال : مقالات الفلاسفة , عليك بالأثر , وطريقة السلف . وعن محمد بن الحسن , قال : قال أبو حنيفة : لعن الله عمرو بن عبيد , فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعينهم من الكلام , وكان أبو حنيفة يحثنا على الفقه , وينهانا عن الكلام . عن ابن أبي حاتم , قال : كان أبي , وأبو زرعة ينهيان عن مجالسة أهل الكلام , والنظر في كتب المتكلمين , ويقولان : لا يفلح صاحب الكلام أبدا . وقال أيضا : كان أبي وأبو زرعة يقولان : من طلب الدين بالكلام ضل .وقال الجنيد: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب من القلب , والقلب إذا . (*) الظاهر أنه سقط من هنا لفظ ((دخلت)) أو نحوها. والله أعلم . @ عري من الهيبة عري من الإيمان . وسئل أبو العباس ابن سريج(*) عن التوحيد ؟ فقال : توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمدا رسول الله , وتوحيد أهل الباطل الخوض في الأعراض والأجسام , وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك . وسئل ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات ؟ فقال : بدعة ابتدعوها ولم تكن أئمة المسلمين , وأرباب المذاهب , وأئمة الدين , مثل مالك , وسفيان , والأوزاعي , والشافعي , وأحمد , وإسحاق , ويحيى بن يحيى , وابن المبارك , وأبي حنيفة , ومحمد بن الحسن , وأبي يوسف يتكلمون في ذلك , وكانوا ينهون عن الخوض فيه , ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة , فإياك والخوض فيها , والنظر في كتبهم بحال . وقال النووي في ((شرح المهذب)) : وأما أصل واجب الإسلام , وما يتعلق بالعقائد , فيكفي فيه التصديق بكل ما جاءبه النبي صلى الله عليه وسلم , واعتقاده اعتقادا جازما , سليما من كل شلك , ولا يتعين على من حصل له تعلم أدلة المتكلمين , هذا هو الصحيح الذي أطبق عليه السلف , والفقهاء المحققون , من المتكلمين , من أصحابنا وغيرهم ,فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالب أحدا بشيء سوى ما ذكرنا , وكذلك الخلفاء الراشدون , ومن سواهم من الصحابة , فمن بعدهم من الصدر الأول , بل الصواب للعوام , وجماهير المتفقهين , والفقهاء الكف عن الخوض في دقائق علم الكلام , مخافة من اختلال يتطرق إلى عقائدهم , يصعب عليهم إخراجه , بل الصواب لهم الاقتصار على ما ذكرناه من الاكتفاء بالتصديق الجازم , وقد نص على هذه الجملة جماعات من حذاق أصحابنا وغيرهم , وقد بالغ إمامنا الشافعي في تحريم الاشتغال بعلم الكلام أشد المبالغة , وأطنب في تحريمه , وتغليظ العقوبة لمتعاطيه , وتقبيح فعله , وتعظيم الإثم فيه , وقد صنف الغزالي في آخر أمره كتابه الذي سماه ((إلجام العوام عن علم الكلام )) , وذكر أن الناس كلهم عوام في هذا الفن , من الفقهاء وغيرهم , إلا الشاذ النادر , الذي لا تكاد الأعصار تمسح بواحد منهم. انتهى كلام النووي . (*) وقع في النسخة ((ابن شريح)) والظاهر أنه تصحيف . @ ثم على الأول إن يقلد فمؤمن عاص على المعتمد لكن أبو هاشم لم يعتبر إيمانه وقد عزي للأشعري قال القشيري عليه مفترى والحق إن يأخذ بقول من عرى بغير حجة بأدنى وهم لم يكفه ويكتفي بالجزم(1). قلت : هذا خلاصة ما أردت نقله مما كتبه الناظم رحمه الله تعالى في شرحه , وفيه الكفاية . وخلاصة كلام الأئمة المذكورين أن علم الكلام لا يسمى علما , وأن الاشتغال به حرام , وأنه يجب هجران من يشتغل به , ومقاطعته , خوفا من تعدي ضلالاته . ومن أعجب الأشياء بعد ما تقدم عن الشافعي رحمه الله تعالى في ذم الكلام , وتحريمه , والتشديد في ذلك أن أتباعه المتأخرين هم الذين خاضوا في هذا الفن أكثر من غيرهم مع أنهم أشد الناس اتباعا له وتمسكا بقوله في فروع المسائل , بحيث إنهم لا يخرجونعن مذهبه , نصا, أو تخريجا , ثم هم أكثر الناس مخالفة له في أهم أمور الدين , وهو باب التوحيد , فكأن لسان حالهم يقول : إن الشافعي لا يوثق به فيما يتعلق بأصول الدين , لأنه ليس عنده شيء من العلم في هذا الباب , فلا ينبغي أن يقلد فيه .إن هذا لهو العجب العجاب , اللهم أرنا الحق حقا , وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلا , وارزقنا اجتنابه . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه على القول الأول , وهو المنع عن التقليد يصح إيمان المقلد مع عصيانه . وقال أبو هاشم : لا يصح , ولا بد لصحته من النظر , وحكى هذا القول عن الأشعري , وقد شنع عليه أقوام بسبب ذلك , لأنه يلزم منه تكفير العوام , وهم غالب المؤمنين . @ وأجيب عنه بأوجه: (أحدها): أنه مكذوب عليه , قاله القشيري . (ثانيها): أنه ليس المراد النظر على طريقة المتكلمين , بل على طريقة العامة , وذلك يتأتى من العوام والأعراب , كما قال الأصمعي لبعض الأعراب :بم عرفت ربك ؟ فقال : البعرة تدل على البعير, وأثر القدم يدل على المسير , فسماء ذات أبراج , وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير . (ثالثها): أراد الأشعري أن من اختلج في قلبه شبهة في حدوث العالم , أو النبوة , أو الحشر , أو نحو ذلك وجب أن يجتهد في إزالته بالدليل العقلي , فإن استمر على ذلك لا يصح إيمانه . قلت: بطلان هذا القول من أصله واضح لا يحتاج إلى برهان أكثر مما سبق عن الأئمة الأعلام , وإن نسب إلى الأشعري فإما مفترى عليه كما قيل , أو مما زل فيه القدم . والله تعالى أعلم . وقال صاحب ((جمع الجوامع)): والتحقيق أنه إن أريد بالتقليد الأخذ بقول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم كما في تقليد إمام في الفروع مع تجويز أن يكون الحق في خلافه , فهذا لا يكفي في الإيمان عند أحد , لا الأشعري , ولا غيره , وإن أريد به الاعتقاد الجازم , لا لموجب , فهذا كاف في الإيمان , ولم يخالف إلا أبو هاشم . قوله: ((من عرى)) أصله عرى كرضي , خفف بالفتح , وهو لغة لبعض العرب , أي من يقول بقول من مضى , والمراد به الأخذ بقول الغير . وقوله : ((لم يكفه)) , وفي نسخة : ((لم يكتفي)) , وإثبات الياء مع الجازم لغة قليلة . والله تعالى أعلم . @ فليجزم العقد ولا يناكث بأنما العالم حقا حادث(1) 1335 صانعه الله الذي توحدا قديم أي ما لوجوده ابتدا(2) .(1) أشار بهذا البيت إلى أنه يجب على المكلف أن يجزم عقده , ولا ينكث عهده , الذي أخذه الله تعالى عليه , وهو في صلب آدم , بأن العالم حادث , وهو ما سوى الله تعالى من الموجودات , واشتقاقه من العلامة , لأنه علامة على صانعه جل وعلا , ومنهم من قال : ما سوى الله وصفاته , ولا حاجة لهذه الزيادة , فإن الصفات ليس غيره , كما أنها ليست عينه .وأجمع أهل الملل إلا الفلاسفة على حدوثه , أي إيجاده عن العدم للبراهين القاطعة على ذلك , منها تغيره , أي عروض التغير له كما نشاهده , وكل متغير محدث , لأنه وجد بعد أن لم يكن , وهذه طريقة الخليل عليه الصلاة والسلام في استدلاله على حدوث الكواكب بتغير حالها , وأفولها بعد إشراقها , وقد سماها الله تعالى حجة , وأثنى عليها بقوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } (سورة الأنعام آية 83) الآية . وحمل عليها سائر العالم لمساواته لها في علة الحدوث . والله تعالى أعلم . (2) أي ليجزم العقد أيضا بأن صانع العالم هو الله تعالى الذي تفرد ذاتا وصفة , وأفعالا , القديم الذي لا ابتداء له , والواحد الذي لا ثاني له . وإطلاق الصانع على الله تعالى جائز , أخذا من قوله تعالى : {صنع الله الذي أتقن كل شيء} الآية (سورة النمل آية 88 ), وأصرح منه ما أخرجه البخاري في ((خلق أفعال العباد)) , والحاكم , والبيهقي , وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه , مرفوعا : ((إن الله صانع كل صانع وصنعته)) , وهو حديث صحيح . وإطلاق القديم وارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في عد الأسماء التسعة والتسعين عند الحاكم , وفسره الحليمي بأنه الذي لا ابتداء لوجوده . @ والواحد الشيء الذي لا ينقسم ولا يشبه بوجه قد رسم(1) وذاته كل الذوات نافت وعلما للخلق غير ثابت(2) قلت : لكن الحديث ضعيف جدا ; في سنده عبد العزيز بن حصين بن الترجمان متروك الحديث كما في ((لسان الميزان)) ج 4 ص 28-29 . فلا ينبغي إطلاقه على الله تعالى . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى تعريف الواحد, وهو الشيء الذي لا ينقسم بوجه , ولا يشبه بوجه . كذا نقله إمام الحرمين عن اصطلاح الأصوليين , لأن ما قبل الانقسام قبل الزيادة والنقصان , ومعنى لا يشبه بوجه , لا يشبه شيئا , ولا يشبهه شيء في شيء حتى في الوجود . والوحدة تطلق عليه من ثلاثة أوجه , بمعنى نفي الكثرة , وبمعنى نفي النظير عنه في ذاته وصفاته , وبمعنى التفرد بالخلق , والإيجاد , والتدبير .قوله: ((قد رسم)) بالبناء للمفعول , يقال : سمت الشيء : أعلمته , والجملة صفة ل ((وجه)). والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أن ذات الله تعالى مخالفة لجميع الذوات , مخالفة مطلقة , لا يشاركها شيء في حقيقتها , ولا في صفاتها , ولا في أفعالها , وهي غير معلومة لأحد .قال الناظم : قال جمهور المحققين : ,ومنهم القاضي , والإمامان , والغزالي ,وإلكيا: إنها لا يمكن العلم بها لبشر في الدنيا . وقال كثير من المتكلمين : إنها معلومة , لأنا مكلفون بالعلم بوحدانيته , وهو متوقف على العلم بذاته . ورد بمنع التوقف على ما ذكر , بل هو متوقف على العلم به بوجه , وهو تعالى @ واختلفوا هل علمها في الآخرة يمكننا قولان للأشاعرة(1) ليس بجوهر ولا بجسم أو عرض كاللون أو كالطعم(2) 1340 يعلم بصفاته, كما أجاب موسى عليه الصلاة والسلام فرعون السائل عنه بقوله: {وما رب العالمين } (سورة الشعراء آية 23) , {قال رب السماوات والأرض} الآية (سورة الشعراء آية 24 ). [تنبيه] : إطلاق الذات على الله تعالى وارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه في ذكر إبراهيم عليه السلام : ((لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات, ثنتين في ذات الله ... )) الحديث , وفي ((صحيح البخاري)) قول خبيب رضي الله عنه : [من الطويل] . ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع وأما إطلاق الصفة فقد ورد في حديث :((إنها صفة الرحمن))(1). قوله : ((نافت)) , وفي نسخة ((بانت)).وقوله:((للخلق)) بالخاء المعجمة, ووقع في نسخة ((للحق)) بالحاءالمهملة , وهو تصحيف . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن الذين قالوا : لا يمكن العلم بها في الدنيا اختلفوا هل يمكن علمها في الآخرة ؟ , فقيل : نعم , لحصول الرؤية لها فيها . وقيل : لا , لأن الرؤية لا تفيد الحقيقة , وعلى هذا إمام الحرمين , والغزالي , وتوقف القاضي . قلت : الخوض في مثل هذا مما لا ينبغي , لأنه مما لا يعني الإنسان , إذ لم يكلف الله تعالى معرفته , ولم يخض السلف فيه . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أن الله تعالى ليس بجسم , ولا جوهر , ولا عرض , (1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه رقم (7375). @ ولم يزل سبحانه ولا مكان منفردا في ذاته ولا زمان(1) وأحدث العالم لا لمنفعه يرومها ولو يشا ما اخترعه(2) فهو لما يريد فعال ولا يلزمه شيء تعالى وعلا(3) لأنه منزه عن الحدوث , وهذه الأشياء حادثة , إذ الجوهر ما يتركب منه الحسم ,والجسم مركب يقبل الزيادة والنقصان , والعرض ما يفتقر إلى محل يقوم به , ويستحيل بقاؤه , كاللون , والطعم , والله واحد ليس بأصل لغيره , يتركب منه , ثابت البقاء . قلت : كونه ليس بجسم ولا عرض لم يرد نص بإثباته , ولا بنفيه , فالصواب عدم الخوض فيه , كما قاله بعض المحققين , والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى حديث البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما , قال : جاء نفر من اليمن , فقالوا : يارسول الله , جئناك نتفقه في الدين , ونسألك عن أول هذا الأمر , فقال : ((كان الله , ولم يكن شيء قبله , وكان عرشه على الماء , وكتب في الذكر كل شيء , ثم خلق السماوات والأرض ...)) الحديث . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أنه تعالى خلق هذا العالم المشاهد من السماوات والأرض بما فيهما باختيار منه تعالى, لا لمنفعة يرجوها منهم , تعالى الله عن ذلك , ولو شاء ما خلقهم , فهو فاعل بالاختيار , قال تعالى : {وربك يخلق ما يشاء ويختار } (سورة القصص آية : 68) . قوله : ((يرومها)) أي يقصدها ,ويرجوها منهم . وقوله:((ما اخترعه)), أي ما أنشأه , وابتدأ خلقه . والله تعالى أعلم . (3) أشار بهذا البيت إلى أنه تعالى فعال لما يريده , قال تعالى : {إن ربك فعال لما يريد } (سورة هود آية 107) , ولا يجب عليه شيء , لأنه خالق الخلق , فكيف يجب لهم عليه شيء , تعالى الله عن ذلك ,وعلا علوا كبيرا . والله تعالى أعلم .@ وليس شيء مثله ثم القدر منه الذي يحدث من خير وشر(1) وواجب تنزيه الاعتقاد عن الحلول وعن اتحاد 1345 ونص في إحيائه الغزالي من قال هذا فاسد الخيال(2) قدرته لكل مالم يستحل وعلمه لكل معلوم شمل لكل كلي وجزئي وسكون يريد ما يعلم أنه يكون . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه تعالى ليس مثله شيء ,قال تعالى : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (سورة الشورى آية 11 ) . وقوله: ((ثم القدر إلخ )), يعني أن القدر , وهو ما يقع من العبد وعليه من خير وشر المقدر في الأزل فهو من الله تعالى بخلقه وإرادته , قال :{والله خلقكم وما تعملون } (سورة الصافات آية 96) , وقال: {إنا كل شي خلقناه بقدر } (سورة القمر آية 49 ). والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه يجب تنزيه الاعتقاد عن حلول الله في شيء , والاتحاد مع شيء , وأول من ادعى ذلك النصارى , ثم غلاة المتصوفة . قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه ((الشفا)) ما معناه : أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول , ممن ادعى حلول الباري سبحانه في الأشخاص , كقول بعض المتصوفة , والباطنية , والنصارى , والقرامطة . وقال الغزالي في باب السماع من ((الإحياء)) بعد كلام :ما معناه : ومن هنا نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد , وقال : أنا الحق , وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت , أو تدرعها بها , أو حلولها فيها على ما اختلفت فيه عباراتهم , وهو غلط محض . قلت : بل هو ضلال , وكفر , وإلحاد محض . تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . @ أو لا فلا يريد والبقاء ليس له بدء ولا انتهاء(1) 1350 لم يزل الباري بأسماه العلى وبصفات ذاته وهي الألى دل عليها الفعل من إرادة علم حياة قدرة مشاءة أو كونه منزها عن الغير سمع كلام والبقاء والبصر(2). ((تنبيه)): هذان البيتان لا يوجدان في نسخة الشرح . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أن قدرته تعالى شاملة لكل ممكن بخلاف المستحيلات , فلا تدخل تحت القدرة , لا لنقص فيها معاذ الله , بل لعدم قابليتها للوجود , فلم تصح أن تكون محلا لتعلق الإدارة , ولم يخالف في ذلك إلا ابن حزم , قال : إن الله تعالى قادر على أن يتخذ ولدا , إذ لو لم يقدر عليه لكان عاجزا . قلت: الذي قاله ابن حزم هو الذي تدل عليه الآيات , كقوله تعالى : {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء} الآية (سورة الزمر آية 4). وأن علمه تعالى شامل لكل معلوم , أي ما من شأنه أن يعلم , ممكنا كان , أو ممتنعا , جزئيا , أو كليا , حركة , أو سكونا , أو غير ذلك , قال تعالى : {وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } (سورة الطلاق آية 12) .أن ما علم الله أنه يكون أراده , وما يعلم أنه لا يكون فلا يريده , فالإرادة تابعة للعلم , لا للأمر . وأن بقاءه تعالى غير مستفتح , ولا متناه , أي لا أول له , ولا آخر . قوله : ((والبقاء)) وفي نسخة ((فالبقاء)) بالفاء . (2) أشار بهذه الأبيات إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يزل موجودا بأسمائه وصفاته الذاتية , وصفات ذاته , وأسماؤه هي ما دل على الذات باعتبار صفة , كالعالم , والخالق , وهي أزلية , وصفاته الذاتية قسمان :@ ما دل عليها فعله , من الإرادة , والعلم , والحياة , والقدرة . وما دل عليها تنزيهه سبحانه عن النقص , هي السمع , والبصر , والكلام , والبقاء , وهي كلها أزليه , أي لا أول لها . وقيد الصفة بالذاتية للاحتراز عن صفات الأفعال . قال الناظم رحمه الله تعالى في ((شرحه)): أما صفات الأفعال , كالخلق , والرزق , والإحياء , والإماتة , فليست أزلية , خلافا للحنفية , بل هي حادثة , أي متجددة , لأنها إضافات تعرض للقدرة , وهي تعلقاتها بوجود المقدورات لأوقات وجودها , ولا محذور في اتصاف الباري سبحانه بالإضافات , ككونه قبل العالم ,ومعه, وبعده , وأما أسماؤه فإنها أزلية , ولو رجعت إلى صفات الأفعال , أي من حيث رجوعها إلى القدرة لا الفعل , فالخالق مثلا من شأنه الخلق , أي القادر عليه فأزلي بلا خلاف , كما يقال في الماء في الكوز : مرو, أي هو بالصفة التي بها يحصل الإرواء عند مصادفة الباطن , وفي السيف في الغمد : قاطع , أي هو بالصفة التي يحصل بها القطع عند ملاقاة المحل , وإن أريد بالخالق من صدر منه الخلق , فليس صدوره أزليا عندنا , وإلا لزم قدم الخلق عليه كقدم العلم . قال البيهقي : أبى المحققون من أصحابنا أن يقال : لم يزل خالقا , ولا رازقا , ولكن يقولون : لم يزل قادرا على الخلق , والرزق , وإذا سمي خالقا بعد وجود الخلق لم يوجب ذلك تغيرا في ذاته . انتهى كلام الناظم بزيادة يسيرة من شرح المحلي . قلت : الصواب في هذا هو ما ذهب إليه الحنفية , وهو صحة وصف الله تعالى بصفاته مطلقا , ذاتية , أو فعلية , فالله سبحانه وتعالى لم يزل خالقا , رازقا , محييا , مميتا , بمعنى أنه خالق إذا شاء , ورازق إذا شاء , وهكذا , كما أنه لم يزل سميعا بصيرا . قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في ((عقيدته)) المشهورة : ما زال الله @ بصفاته قديما(1) قبل خلقه , لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته , وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا . انتهى. قال شارحه ابن أبي العز رحمه الله تعالى (ص 124-125) : أي أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفا بصفات الكمال : صفات الذات , وصفات الفعل , ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفا بها , لأن صفاته سبحانه صفات كمال , وفقدها صفة نقص , ولا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفا بضده , ولا يرد على هذه صفات الفعل , والصفات الاختيارية , ونحوها , كالخلق , والتصوير , والإماتة , والإحياء , والقبض , والبسط , والطي , والاستواء , والإتيان , والمجيء , والنزول , والغضب , والرضى , ونحو ذلك , مما وصف به نفسه , ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم , وإن كنا لا ندرك كنهه , وحقيقته التي هي تأويله , ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا , ولا متوهمين بأهوائنا , ولكن أصل معناه معلوم لنا , كما قال الإمام مالك رضي الله عنه ,لما سئل عن قوله تعالى : {ثم استوى على العرش} (الأعراف :54) وغيرها : كيف استوى؟ فقال:الاستواء معلوم , والكيف مجهول , وإن كانت هذه الأحوال تحدث في وقت دون وقت , كما في حديث الشفاعة : ((إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله )) متفق عليه , لأن هذا الحديث بهذا الاعتبار غير ممتنع , ولا يطلق عليه أنه حدث بعد أن لم يكن , ألا ترى أن من تكلم اليوم , وكان متكلما بالأمس لا يقال : إنه حدث له الكلام , ولو كان غير متكلم لآفة , كالصغر , والخرس , ثم تكلم يقال : حدث له الكلام , فالساكت لغير آفة يسمى متكلما بالقوة , بمعنى أنه يتكلم إذا شاء , وفي حال تكلمه يسمى متكلما بالفعل , وكذلك الكاتب في حال الكتابة هو كاتب بالفعل , ولا يخرج عن كونه كاتبا في حال عدم مباشرته للكتابة . انتهى كلام ابن أبي العز رحمه الله تعالى , وقد أطال النفس في تحقيق هذا المقام , فراجعه (ص 124-125 ) تستفد . (1) تقدم أنه لم يصح إطلاق القديم على الله تعالى , فلا ينبغي استعماله .@ أسماوه سبحانه موقفه ثالثها الاسم فقط دون الصفه(1) قلت : الحاصل أن الصحيح أن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفا بجميع صفاته , ذاتية , أو فعلية , على الوجه اللائق به , ولا يلزم من ذلك محذور , فهو سبحانه لم يزل متصفا بأنه خالق , رازق , متكلم , وهكذا , بمعنى أنه يخلق إذا شاء , ويرزق إذا شاء , ويتكلم إذا شاء , والله تعالى أعلم . وقوله : ((بأسماه)) بالقصر للوزن , و((العلى)) بضم , ففتح , جمع عليا بضم , فسكون , ككبرى , وكبر , صفة ((أسماه)). وقوله : ((وهي الألى)) ((الألى)) اسم موصل بمعنى ((اللاتي)) , وجملة((دل عليها الفعل )) صلته , و((من إرادة إلخ)) بيان للموصول , و((المشاءة)) لغة في ((المشيئة)) . وقوله: ((أو كونه إلخ)) بالرفع عطفا على ((الفعل)). وقوله : ((الغير)) بكسر , ففتح : الأحداث المغيرة . قال في ((القاموس)) : غير الدهر , كعنب : أحداثه المغيرة انتهى . والمراد هنا صفات النقص . وقوله : ((سمع إلخ)) بالرفع خبر لمحذوف , أي مثال ذلك سمع إلخ , ويحتمل جره بتقدير ((من)) بدليل ما تقدم في قوله : ((من إرادة إلخ)) . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه اختلف في كون أسمائه تعالى وصفاته توقيفية , أم لا , على ثلاثة أقوال : (أحدها) : أنه توقيفي , وهو الراجح . (الثاني ): أنه يجوز إطلاق كل ما يليق به من الأسماء والصفات . (الثالث): يجوز في الوصف , دون الاسم . @ ويكتفى بمرة والمصدري والفعل والمظنون في المعتبر(1) قال الناظم رحمه الله تعالى في ((شرحه)) : هذه المسألة ذكرها في ((جمع الجوامع)) في القسم الثاني , وذكرتها هنا لمناسبتها لذكر الأسماء والصفات , ولم يذكر في ((جمع الجوامع)) غير قوله : ((وأن أسماء الله توقيفية , فلا يجوز أن يطلق عليه شيء من الأسماء والصفات إلا إن ورد به نص , من كتاب , أو سنة )) .وقال القاضي , والمعتزلة : يجوز أن يطلق عليه الأسماء اللائق معناها به , وإن لم يرد بها الشرع , ما لم يوهم نقصا . واختار الغزالي الفرق بين الاسم والصفة , فيشترط التوقيف في الاسم دونها )) انتهى. قلت : المذهب الأول هو الصواب , قال الله تعالى :{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } الآية , فلا يجوز دعاؤه بغير ما ثبت في النص الصحيح , وكذا لا يوصف بغير ما ثبت وصفه به في النص الصحيح . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن الأصح على القول الأول القائل بالتوقيف مطلقا يكتفى بالإطلاق مرة , ولا حاجة فيه إلى التكرار والكثرة , وهو الظاهر من صنيع العلماء . وقيل : لا بد من ذلك .وأن الأصح أيضا لا يشترط ورودة بلفظ الوصف , بل يكفي ورود الفعل والمصدر . وقيل : لا يكفي , قاله البلقيني : وظاهر كلام الشافعي في ((الرسالة)) الثاني ,فإنه قال في خطبتها : الجاعلنا من أخير أمه . انتهى . وأنه يكتفى فيه بخبر الواحد , والظواهر , كسائر الأحكام , ولا يشترط فيه القطع . @ وما أتى به الهدى والسنن من الصفات المشكلات نؤمن 1355 بها كما جاءت منزهينا مفوضين أو مؤولينا(1) . وقيل : يشترط , وهو ضعيف , بل باطل , منابذ لما عليه السلف من إثبات العقائد , والأحكام , كلها بما صح مطلقا , سواء كان متواترا , أم خبر آحاد , ولم يخالفهم في ذلك إلا أهل البدع , من الجهمية , والمعطلة , والمعتزلة , والرافضة القائلين بأن الأخبار قسمان : متواتر , وآحاد , ثم قالوا : الآحاد لا تفيد العلم , ولا يحتج بها من جهة طرقها , ولا من جهة متنها(*). فقوله : ((ويكتفى)) بالبناء للمفعول . وقوله : ((والمظنون)) أراد به خبر الواحد ونحوه . وقوله : ((في المعتبر)) أي في القول المختار . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن ما ورد في الكتاب وهو المراد بقوله : ((الهدى)) فقد وصفه الله تعالى به حيث قال : {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } (سورة البقرة آية 2) , وفي السنن الصحيحة من الصفات المشكل ظاهرها لإيهامه تشبيها , نحو قوله تعالى : {الرحمن على العرش استوى } (سورة طه آية 5) , وقوله : { ويبقى وجه ربك } (سورة الرحمن : آية 27) , وقوله : {ولتصنع على عيني } (سورة طه آية 39) , وقوله : {يد الله فوق أيديهم } (سورة الفتح آية 10) . وكحديث مسلم : ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن , كقلب واحد , يصرفه كيف شاء )) , ونحو ذلك , نؤمن بها كا جاءت منزهين الله تعالى عن التشبيه , ومفوضين كيفيتها إلى الله تعالى , وهذا هو مذهب السلف كافة , وأهل الحديث قاطبة , وهو المذهب الحق الذي لا مرية فيه , وما عداه باطل , وإن قال به جل الخلف . قلت : للناس في هذه المسألة مذهبان مشهوران , أشار إليهما في النظم : (*) انظر تفاصيل أقوالهم في ((شرح العقيدة الطحاوية )) لابن أبي العز (ص 354) . @ (أحدهما مذهب السلف , وأهل الحديث) : وهو الإيمان بها كما جاءت من غير تعطيل , ولا تأويل , ومن غير تشبيه ولا تمثيل . أخرج أبو القاسم اللالكائي في ((كتاب السنة)) من طريق الحسن البصري , عن أمه , عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : الاستواء غير مجهول , والكيف غير معقول , والإقرار به إيمان , والجحود به كفر . وأخرج عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل عنه ؟ فقال : الاستواء غير مجهول , والكيف غير معقول , وعلى الله الرسالة , وعلى رسوله البلاغ , وعلينا التسليم . وأخرج البيهقي بإسناد جيد عن الأوزاعي , قال : كنا والتابعون متوافرون نقول : إن الله على عرشه , ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته .وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي , أنه سئل عن قوله تعالى : {على العرش استوى } ؟ (سورة طه آية 5) فقال : هو كما وصف نفسه . وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب , قال : كنا عند مالك , فدخل رجل , فقال : يا أبا عبد الله : {الرحمن على العرش استوى} كيف استوى؟ ,فأطرق مالك ,فأخذته الرخصاء , ثم رفع رأسه , فقال : الرحمن على العرش استوى , كما وصف به نفسه , ولا يقال : كيف استوى ؟ وكيف عنه مرفوع , وما أراك إلا صاحب بدعة , أخرجوه . ومن طريق يحيى بن يحيى , عن مالك , نحو المنقول عن أم سلمة , لكن قال فيه : والإقرار به واجب , والسؤال عنه بدعة . وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي , قال : كان سفيان الثوري , وشعبة , وحماد بن زيد , وحماد بن سلمة , وشريك , وأبو عوانة لا يحددون , ولا يشبهون , ويروون هذه الأحاديث , ولا يقولون : كيف ؟ , قال أبو داود : وهو قولنا , قال البيهقي : وعلى هذا مضى أكابرنا . @ وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني , قال : اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن , وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه , ولا تفسير , فمن فسر شيئا منها , وقال بقول جهم , فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وفارق الجماعة , لأنه وصف الرب بصفة لا شيء .ومن طريق الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي , ومالكا , والثوري , والليث ابن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة ؟ , فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وأخرج ابن أبي حاتم في ((مناقب الشافعي)) , عن يونس بن عبد الأعلى , سمعت الشافعي يقول : لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها , ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه , فقد كفر , وأما قبل قيام الحجة , فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل , ولا الروية , والفكر , فنثبت هذه الصفات, وننفي عنه التشبيهه كما نفى عن نفسه , فقال : {ليس كمثله شيء} (سورة الشورى آية 11). وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري , عن سفيان بن عيينة , قال : كل ما وصف الله به نفسه في كتابه , فتفسيره تلاوته , والسكوت عنه .ومن طريق أبي بكر الصبغي , قال : مذهب أهل السنة في قوله تعالى : {الرحمن على العرش استوى} (سورة طه آية 5) قال : بلا كيف , والآثار فيه عن السلف كثيرة , وهذه طريقة الشافعي , وأحمد بن حنبل . وقال الترمذي في ((الجامع)) عقب حديث أبي هريرة في النزول : وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه , كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث , وما يشبهه من الصفات . وقال في ((باب فضل الصدقة )): قد ثبتت هذه الروايات , فنؤمن بها ولا نتوهم , ولا يقال : كيف , كذا جاء عن مالك , وابن عيينة , وابن المبارك , أنهم @ أمروها بلا كيف , وهذا قول العلماء من أهل السنة والجماعة , وأما الجهمية فأنكروها , وقالوا : هذا تشبيه , وقال إسحاق بن راهويه : إنما يكون التشبيه لو قيل : يد كيد , وسمع كسمع.وقال في تفسير سورة المائدة : قال الأئمة : نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير , منهم الثوري , ومالك , وابن عيينة , وابن المبارك . وقال ابن عبد البر : أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة , ولم يكيفوا شيئا منها , وأما الجهمية , والمعتزلة , والخوارج, فقالوا : من أقر بها فهو مشبه , فسماهم من أقر بها معطلة . وقال إمام الحرمين في ((الرسالة النظامية)): اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر , فرأى بعضهم تأويلها , والتزام ذلك في آي الكتاب , وما يصح من السنن , وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل , وإجراء الظواهر على مواردها , وتفويض معانيها إلى الله تعالى , والذي نرتضيه رأيا , وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة , للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة , فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة , وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى . قال الحافظ في ((الفتح)) : وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث , وهم فقهاء الأمصار , كالثوري , والأوزاعي , ومالك , والليث , ومن عاصرهم , وكذا من أخذ عنهم من الأئمة , فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة , وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة انتهى(*) . (الثاني مذهب الخلف) : وهو التأويل على ما يليق بجنابه وجلاله تعالى , بأن يؤول الاستواء بالاستيلاء , والوجه بالذات , والعين بالبصر , واليد بالقدرة , ونحوها . (*) انظر ((فتح الباري)) (ج13 ص 417-418) طبعة دار الريان للتراث. @ قال الناظم في ((شرحه)): وكان إمام الحرمين يذهب إليه , ثم رجع عنه , فقال في ((الرسالة النظامية)): الذي نرتضيه دينا , وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة , فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها . قلت : هذا الذي قاله هذا الإمام بعد أن عرف حقيقة ما ذهب إليه الخلف من التأويل , هو الصواب , وما عداه باطل , وضلال . قال : وتوسط ابن دقيق العيد , فقال : إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم ينكر , أو بعيدا توقفنا عنه , وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به , مع التنزيه , قال : وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب قلنا به من غير توقف , كما في قوله تعالى : {يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } (سورة الزمر آية 56) , فيحمل على حق الله , وما يجب له , وكذا حديث : ((قلب المؤمن بين إصبعين))(1) يحمل على أن إرادات القلب , واعتقاداته مصرفة بقدرة الله , وما يوقعه في القلوب كما يقلب الواحد منا اليسير بين أصابعه انتهى . قلت : ما قاله ابن دقيق العيد هو عين التأويل الذي تقدم الكلام عليه , فالصواب ماقاله إمام الحرمين , فالواجب في آيات الصفات , وأحاديثها الصحيحة أن يؤمن بها كما جاءت على ظواهرها على مراد الله , على الكيفية التي تليق بجلاله سبجانه وتعالى , من غير تأويل , ولا تعطيل , ولا تشبيه , ولا تمثيل . والله سبحانه وتعالى أعلم . [تنبيه]: قسم بعضهم أقوال الناس في هذا الباب إلى ستة أقوال : قولان لمن يجريها على ظواهرها : (أحدهما): من يعتقدر أنها من جنس صفات المخلوقين , وهم المشبهة ,ويتفرع من قولهم عدة آراء .(1) أخرجه مسلم في ((صحيحه)) بلفظ : ((إن قلوب بين آدم بينن إصبعين من أصابع الرحمن , كقلب واحد , يصرفه حيث يشاء )).@ والجهل بالتفصيل ليس يقدح بالاتفاق والسكوت أصلح(1). (والثاني): من ينفي عنها شبه صفة المخلوقين لأن ذات الله لا تشبه الذوات , فصفاته لا تشبه الصفات , فإن صفات كل موصوف تناسب ذاته , وتلائم حقيقته . وقولان لمن يثبت كونها صفة , ولكن لا يجريها على ظاهرها : (أحدهما ): يقول : لا نؤول شيئا منها , بل نقول : الله أعلم بمراده .(والثاني): يؤول , فيقول مثلا : معنى الاستواء الاستيلاء , واليد القدرة , ونحو ذلك . وقولان لمن لم يجزم بأنها صفة : (أحدهما): يقول: يجوز أن تكون صفة , وظاهرها غير مراد , ويجوز أن تكون صفة . (والثاني): يقول : لا يخاض في شيء من هذا , بل يجب الإيمان به ,لأنه من المتشابه الذي لا يدرك معناه(*). قلت : المذهب الثاني هو المذهب الصحيح الذي تقدم أنه مذهب السلف قاطبة , وأهل الحديث كافة , وهو الذي ندين الله تعالى به , ونسأله أن يختم لنا عليه , إنه سميع قريب مجيب الدعوات . (1) أشار بهذا البيت إلى أن جميع طوائف العلماء من السلف والخلف متفقون على أن الجهل بتفاصيل الصفات لا يقدح في الإيمان بالمراد منها , إذ لم يأت التكليف بذلك , لأن معرفة حقيقتها تفصيلا غير ممكن . والله تعالى أعلم . وقوله: ((والسكوت أصلح)) أشار به إلى أن عدم الخوض في التأويل , كما هو مذهب السلف أصلح , أي أسلم من الخطأ , بل هو الأوجب , لأن التكلم في (*) ((فتح الباري)) (ج 13 / ص 418 - 419) . طبعة دار الريان . @ كلامه القرآن ليس يخلق وهو بلا تجوز ما تنطق ألسننا به في المصاحف خط ومحفوظ بصدر العارف(1) هذا مزلة للأقدام , ومضلة للأفهام , فلا يسلم من ذلك إلا من وقف عند ظواهر النصوص , وآمن بها , وأثبتها كما هي , وفوض علم حقائقها إلى من اتصف بها . {ربنا آمنا بما أنزلت , واتبعنا الرسول , فاكتبنا مع الشاهدين } (سورة آل عمران آية 53). [تنبيه]: قد اشتهر في كتب المتأخرين قولهم : طريقة السلف أسلم , وطريقة الخلف أحكم , فرد هذا بعض المحققين , فقال : هذا الكلام ليس بمستقيم ,لأن قائله ظن أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك , وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات , فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف , والدعوى في طريقة الخلف , وليس الأمر كما ظن , بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى , وفي غاية من التعظيم له والخضوع لأمره والتسليم لمراده , وليس من سلك طريق الخلف واثقا بأن الذي يتأوله هو المراد , ولا يمكنه القطع بصحة تأويله . انتهى(*). قلت : قد تبين بهذا كله أن الحق هو ما ذهب إليه السلف فتمسك به تسلم وتغنم , ولا تمل إلى غيره تهلك , وتحرم . والله تعالى الهادي إلى الطريق الأقوم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى , غير مخلوق , لأنه كلامه , وكلامه صفته , ويستحيل اتصاف القديم(1) بالمحدث , وقد ذكر الله الإنسان في ثمانية عشر موضعا , وقال إنه مخلوق , وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا , ولم يقل : إنه مخلوق , ولما جمع بينهما نبه على ذلك , فقال : {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان } (سورة الرحمن آية 1,2,3) , وأخرج الالكائي في ((السنة)), والآجري في ((الشريعة)) بسند صحيح عن ابن عباس (*) ((فتح الباري)) (ج 15 / ص 300 طبعة دار الفكر). (1) تقدم الكلام في إطلاق القديم على الله تعالى , فلا تغفل . @ 1360 يثيب بالطوع وبالعصيان عاقب أو ينعم بالغفران رضي الله عنهما في قوله تعالى :{قرآنا عربيا غير ذي عوج } (سورة الزمر آية 28) , قال : غير مخلوق . وأن القرآن حقيقة لا مجازا هو مقروء بألسنتنا , ومكتوب في مصاحفنا , ومحفوظ في صدورنا . قال العلامة ابن أبي العز رحمه الله في ((شرح العقيدة الطحاوية)): وقد افترق الناس في الكلام على تسعة أقوال : (أحدها): أن كلام الله هو ما يفيض على النفس من معاني , إما من العقل الفعال عند بعضهم , أو من غيره , وهذا قول الصابئة والمتفلسفة . (ثانيها) : أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه , وهذا قول المعتزلة . (ثالثها): أنه معنى واحد قائم بذات الله , هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار , وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة , وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كالأشعري وغيره .(رابعها): أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل , وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث . (خامسها): أنه حروف وأصوات , لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما , وهذا قول الكرامية وغيرهم .(سادسها): أنه كلام يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته , وهذا يقوله صاحب ((المعتبر)), ويميل إليه الرازي في ((المطالب العالية)). (سابعها): أنه كلام يتضمن معنى قائما بذاته,هو ما خلقه في غيره , وهذا قول أبي منصور الماتريدي . (ثامنها): أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره.@ لما عدا الشرك وللباري البديع إثابة العاصي وتعذيب المطيع(1) وضر أطفال الورى والعجم ويستحيل وصفه بالظلم(2). من الأصوات , وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه. (تاسعه): أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء , ومتى شاء , وكيف شاء , وهو يتكلم به بصوت يسمع , وأن نوع الكلام قديم(1) , وإن لم يكن الصوت المعين قديما , وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة انتهى كلام ابن أبي العز رحمه الله تعالى في شرحه (ص168-169). قلت : هذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة هو الحق الذي ندين الله تعالى به .والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه سبحانه وتعالى يثيب من أطاعه بفضله لا وجوب عليه في ذلك عند أهل السنة , قال صلى الله عليه وسلم : ((لن يدخل أحدا عمله الجنة)) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ((ولا أنا , إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة )) . أخرجه البخاري . وأنه تعالى يعاقب من عصاه إن شاء , ويغفر له إن شاء إلا الشرك , قال تعالى : {إن الله لا يغفر أن يشرك به , ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } (سورة النساء آية 116). ويجوز له سبحانه أن يثيب العاصي , ويعاقب المطيع , أي يجوز ذلك عقلا , وإن كان لا يقع منه يمقتضى الوعد , حيث وعد المؤمنين أن يثيبهم , فقال تعالى :{وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} الآية (سورة التوبة آية 72). (2) أشار بهذا البيت إلى أن لله سبحانه وتعالى إيلام الأطفال والدواب , لأنهم ملكه , يتصرف فيهم كيف يشاء . (1) تقدم أنه لم يثبت إطلاق القديم على الله تعالى , فتنبه. @ والخلف في ذرية الكفار قيل بجنة وقيل النار وقيل بالبرزخ والمصير تربا والامتحان عن كثير 1365 وقيل بالوقف وولد المسلم في جنة الخلد بإجماع نمي (1). ولم يرد إيلام الأطفال والدواب في غير قصاص , والأصل عدمه , أما في القصاص فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة , حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاه القرناء )) , رواه مسلم , وقال ((يقتص من الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة)) . وقال : ((ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا)) , رواهما الإمام أحمد . قال المنذري في الأول : رواته رواة الصحيح . وفي الثاني : إسناده حسن . وقضية هذه الأحاديث أن لا يتوقف القصاص يوم القيامة على التكليف والتمييز , فيقتص من الطفل للطفل وغيره . قاله المحلي . و((العجم)) بضم , فسكون جمع عجماء , وهي البهائم , سميت بذلك لكونها لا تفصح بمرادها .وإلى أنه سبحانه وتعالى يستحيل وصفه بالظلم , لأنه مالك الأمور على الإطلاق , يفعل ما يشاء , فلا ظلم في التعذيب والإيلام المذكورين , ولو فرض وقوعهما . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذه الأبيات إلى أنه اختلف أهل العلم في أولاد الكفار على أقوال , قيل : إنهم في الجنة . قال النووي : وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون , لقوله تعالى : {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (سورة الإسراء آية 15) , وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة , فلأن لا يعذب غير العاقل من باب أولى .@ يراه في الموقف ذو الإيمان وحسب المقام في الجنان(1) قلت: وهذا القول هو الراجح عندي , للحديث الصحيح في قصة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم , وفيه أنه رأى إبراهيم عليه السلام وحوله أولاد الناس , وفيه : قالوا : وأولاد المشركين ؟ قال : ((وأولاد المشركين)). رواه البخاري .وقيل : في النار , حكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوازج . وقيل : في برزخ بين الجنة والنار . وقيل : يصيرون ترابا . وقيل : يمتحنون في الآخرة , بأن يرفع لهم نار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما , ومن أبى عذب . وقيل : بالوقف . وقد أوصل الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) الخلاف إلى عشرة أقوال , وذكر أدلة كل قول , فراجعه إن شئت(1) . وأما أولاد المسلمين فقد أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين , فهو في الجنة , وتوقف فيه بعضهم قاله النووي . وقوله : ((والمصير)) بالجر عطفا على ما قبله . وقوله:((والامتحان عن كثير )) مبتدأ أو خبره , أي : الامتحان لهم في الآخرة مروي عن كثير من أهل العلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن المؤمنين يرون الله سبحانه وتعالى في الآخرة عند أهل السنة والجماعة , لقوله تعالى : {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} الآية (سورة القيامة آية 22-23) , ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه : إن الناس قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : ((هل تضارون في . (1) راجع الفتح في كتاب الجنائز ج 3 ص 617 طبعه دار الفكر . @ والخلف في الجواز في الدنيا وفي نوم وفي الوقوع للهادي اقتفي(1). القمر ليلة البدر؟)) قالوا : لا يا رسول الله , قال : ((فهلا تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ )) , قالوا : لا , قال : ((فإنكم ترونه كذلك ...)). الحديث . وقوله : ((وحسب المقام في الجنان)) يعني : أن رؤية المؤمنين ربهم في الجنة تكون على حسب تفاوت درجاتهم , فمنهم من ينظر إليه كل يوم مرتين بكرة وعشيا , وغيره يرى كل جمعة , فقد أخرج الترمذي , والحاكم , وابن جرير , واللفظ له : عن ابن عمر رضي الله عنهما , مرفوعا : ((إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه ألفي سنة , قال : وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله كل يوم مرتين )) , ثم تلا :{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} الآية (سورة القيامة آيتان 22,23) . قلت : هكذا أورد الماظم في شرحه هذا الحديث , واحتج به لقوله في النظم:وحسب المقام في الجنان لكن الحديث ضعيف لأن في سنده ثوير بن أبي فاختة ضعيف رمي بالرفض . فتنبه . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه اختلف في إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا على قولين : (أحدهما) : الإمكان , وصححه القاضي عياض , لأن موسى عليه السلام سألها , وهو لا يجهل ما يجوز , ويمتنع على ربه عز وجل . (الثاني): المنع , لأنه قومه طلبوها , فعوقبوا , وعلى الأول اختلف في وقوعها , والصواب المنع, لحديث مسلم مرفوعا : ((واعلموا أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت ...)) . واختلتف في جوازها في النوم على قولين : (أحدها) : الجواز , وعليه الجمهور , وحكى القاضي عياض الاتفاق عليه . @ من كتب الله سعيدا في الأزل فهو السعيد ثم بعد لا بدل وهكذا الشقي والذي علم بأنه يموت مؤمنا سلم(1). (الثاني): المنع , وعليه القاضي أبو بكر , لأن الرؤيا في المنام خيال , وذلك على القديم محال . وأجيب بأن ذلك لا يستحيل في المنام . واختلف أيضا في وقوعها للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج على قولين : فأثبت ذلك ابن عباس رضي الله عنهما , وصححه جماعة من المتأخرين , ونفاها آخرون , ومنهم عائشة رضي الله عنها , فقد أنكرته , أخرج الشيخان في ((صحيحهما)) عنها , قال : ((من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب)). الحديث . قلت : ويؤيد هذا حديث أبي ذر رضي الله عنه , قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ , قال : ((رأيت نورا)) , وفي رواية : ((نور أنى أراه)) . رواه مسلم , ويؤيده أيضا عموم ((لن يرى أحدكم ... )) المتقدم , والحاصل أن الذي يؤيده الدليل هو القول الثاني . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن من كتبه الله تعالى في الأزل سعيدا فهو السعيد , ومن كتبه الله شقيا فيه فهو الشقي , ثم لا يتبدلان , بخلاف المكتوب في غيره , فإنه يقبل التغيير , قال الله تعالى : {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} (الرعد:39), أي أصله الذي لا يتغير , كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره , وفي ((جامع الترمذي)) بسند صحيح حديث : ((فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة , وفريق في السعير )). وأشار بقوله : ((والذي علم إلخ)) إلى أن من علم الله موته مؤمنا , فليس بشقي , بل هو سعيد , وإن تقدم من كفر, وقد غفر , ومن علم الله موته كافرا فشقي , وإن تقدم منه إيمان , وقد حبط .وفي قول للأشعري : تبين أنه لم يكن إيمانا , فالسعادة الموت على الإيمان , @ 1370 ولم يزل عين الرضا منه على شيخ التقى الصديق زاده علا(1) ثم الرضا منه مع المحبة غير المشيئة مع الإرادة فليس يرضى الكفر للعباد وفعله منهم على المراد(2) . والشقاوة الموت على الكفر , ويترتب على الأولى الخلود في الجنة , وعلى الثانية الخلود في النار , قال تعالى : {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها } (سورة هود آية : 108) ,وقال : { وأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها } الآية (سورة هود : آية 106) . قوله : ((والذي علم)) بالبناء للفاعل , والفاعل ضمير يعود على الله , وقوله :((بأنه يموت مؤمنا سلم)) , أي سلم من الشقاوة , والخلود في النار , وفي نسخة: ((بأن يموت مؤمنا منهم سلم)) , وفي أخرى : ((بأن يموت مؤمنا منهم سلم )), وضمير ((منهم)) للناس, وعلى نسخة((منها)) للشقاوة . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذا البيت إلى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ما زال بعين الرضا من الله تعالى , كما قاله الأشعري , وإن لم يتصف بالإيمان قبل تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ,لأنه لم يثبت عنه حالة كفر , كما ثبت عن غيره ممن آمن . قوله : ((منه)) الضمير لله تعالى . وقوله:((الصديق)) بالجر بدل من ((شيخ التقى)) . والإضافة بمعنى اللام على حذف مضاف , أي شيخ لأهل التقى . وقوله : ((علا)) أصله علاء بالمد قصر للوزن , أي زاده الله تعالى شرفا . ويحتمل أن يكون بضم العين والقصر , جمع علياء ككبرى وكبر , أي درجات على . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف في الرضا والمحبة , هل هما مع المشيئة والإرادة سواء , أو غيرهما ؟ على قولين لأهل السنة , فقال بالأول الجمهور , كما حكاه الآمدي , وجزم به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي , فقال في كتابه ((الحدود)): @ الإرادة , والمشيئة , والمحبة , والرضا بمعنى واحد . وقال غيرهم : بمعان , وجزم به في ((جمع الجوامع)) , واستدل بقوله تعالى : {ولا يرضى لعباده الكفر } (سورة الزمر آية : 7) , وقوله {والله لا يحب الفساد } (سورة البقرة : آية : 205) , مع أنه يشاء ذلك , ويريده , لقوله تعالى : {ولو شاء ربك ما فعلوه } (سورة الأنعام آية : 112) . وأجاب الأولون بأن المراد بالعباد المؤمنون , ولهذا شرفهم بالإضافة إليه كما في قوله : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } (سورة الحجر آية : 42) , وقوله : {عينا يشرب بها عباد الله} (سورة الإنسان آية : 6) , وقد روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما , أخرج ابن جرير بسند صحيح عنه في قوله تعالى : {ولا يرضى لعباده الكفر } (سورة الزمر آية : 7) قال : يعني العباد الذين أراد أن يطهر قلوبهم بقولهم : لا إله إلا الله , فأراد عباده المخلصين الذين قال فيهم : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} (الحجر آية : 42) , وحكى النووي القولين في كتابه ((الأصول والضوابط)) ولم يرجح واحدا منهما , وعلى القول بالغيرية الرضا أخص , إذ هو الإرادة من غير اعتراض , وترادفه المحبة , كما أن الإراجة ترادفها المشئة . وقال بعضهم (1): الإرادة على قسمين : إرادة أمر وتشريع , وإرادة قضاء وتقدير , فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية , سواء وقعت , أم لم تقع . والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات , طاعة ومعصية , وإلى الأول إشارة بقوله تعالى : {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } (سورة البقرة آية : 185) , وإلى الثانية الإشارة بقوله:{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} (سورة الأنعام آية : 125) ولا تلازم بين الإرادتين , بل قد يتعلق كل منهما بما لا تتعلق به الأخرى , فبينهما عموم وخصوص من وجه , فالإرادة الكونية أعم من جهة تعلقها بما لا يحبه الله ويرضاه من الكفر والمعاصي , وأخص من جهةأنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر , وطاعة الفاسق . والإرادة الشرعية أعم من جهة تعلقها بكل مأمور به واقعا كان , أو . (1) راجع شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس ص 34-35 . @ هو الذي يرزق ثم الرزق ما يحصل منه النفع لو محرما(1) بيده الهدى مع الإضلال أي خلق الاهتداء والضلال 1375 والاهتدا الإيمان والتوفيق فيما هو الأشهر والتحقيق الخلق للقدرة والداعية لطاعة وقيل خلق الطاعة وضده الخذلان واللطف الذي به صلاح العبد آخرا خذ والختم والطبع مع الأكنة الخلق في القلوب للضلالة(2). غير واقع , وأخص من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غير مأمور به . والحاصل أن الإرادتين قد تجتمعان معا في مثل إيمان المؤمن , وطاعة المطيع,وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر , ومعصية العاصي , وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر , وطاعة العاصي(*) . انتهى . قلت : هذا التفصيل حسن جدا . والله تعالى أعلم. (1) أشار بهذا البيت إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق , لا رازق غيره , كما قال تعالى : {إن الله هو الرزاق} (الذرايات آية : 58) أي لا غيره , ولا عبرة بقول المعتزلة : إن من حصل له الرزق بغير تعب , فهو الرازق لنفسه .والرزق ما ينتفع به , سواء كان حراما, أو حلالا , خلافا للمعتزلة في قولهم : لا يكون إلا حلالا , لاستناده إلى الله في الجملة , والمستند إليه لانتفاع عباده يقبح أن يكون حراما يعاقبون عليه . قلنا : لا قبح بالنسبة إليه تعالى , لأنه يفعل ما يشاء , وعاقبهم على الحرام لسوء مباشرتهم أسبابه , ويلزم المعتزلة أن المتغدي بالحرام فقط طول عمره لم يرزقه الله أصلا , وهو مخالف لقوله تعالى : {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } (سورة هود آية : 6) , لأنه تعالى لا يترك ما أخبر بأنه عليه . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذه الأبيات إلى أن الله سبحانه وتعالى بيده الهداية والإضلال , وهما خلق الضلال , وهو الكفر , والاهتداء , وهو الإيمان , قال تعالى : {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء } (سورة @ النحل آية : 93) , وقال : {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } (سورة الأنعام آية : 39) , وزعمت المعتزلة أنهما بيد العبد يهدي نفسه , ويضلها , بناء على قولهم : إنه يخلق أفعال نفسه .وقوله : ((والاهتدا الإيمان )) مبتدأ وخبره , أي معنى الاهتداء هو الإيمان . وأشار بقوله : ((والتوفيق إلخ)) إلى أنه اختلف في معنى التوفيق , فقيل : خلق القدرة , والداعية إلى الطاعة , وهو قول الأشعري والأكثرين . وقال إمام الحرمين : خلق الطاعة نفسها . قال الآمدي : والأول أوفق للوضع اللغوي , والخلف لفظي .والخذلان ضده , فهر خلق القدرة على المعصية , والداعية إليها , أو خلق المعصية . وأشار بقوله : ((واللطف إلخ)) إلى أن اللطف : ما يقع عنده صلاح العبد في آخرته , بأن يقع منه الطاعة , والإيمان , دون المعصية , والكفر . قال الأشعري : وهو مخصوص بخلق القدرة على فعل الصلاح والطاعة.وقالت المعتزلة : لا يختص به , بل كل ما علم الله أن صلاح العبد فيه فهو لطف به . قال الآمدي : والخلف لفظي . وقوله: ((واللطف)) مبتدأ خبره الموصول بعده .وأشار بقوله : ((والختم إلخ )) إلى أن الختم , والطبع , والأكنة الواردة في القرآن , نحو : {ختم الله على قلوبهم} (سورة البقرة آية : 7) , {بل طبع الله عليها بكفرهم} (سورة النساء آية : 155) , {وجعنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} (سورة الإسراء آية : 46) عبارات عن معنى واحد , وهو خلق الضلال . @ أرسل للأنام رسلا وافره بالمعجزات الظاهرات الوافره(1) 1380 وخص من بينهم محمدا بأنه خاتمهم والمبتدا وبعثه للثقلين أجمعين وفضله على جميع العالمين(2) . في القلب كما تقدم في الإضلال . والله تعالى أعلم .(1) أشار بهذا البيت إلى أن مما يجب اعتقاده بعثة الله تعالى للرسل , وإقامة الأدلة على صدقهم بما أجراه على أيديهم من المعجزات الباهرات , كالناقة لصالح , والعصى واليد لموسى , وإبراء الأكمه والأبرص لعيسى , والقرآن وغيره لنبينا صلى الله عليه وسلم أجمعين . واختلف في عددهم , فروى أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا : ((الأنبياء مائة ألف وأربعة عشر ألفا , الرسل منهم ثلاثمائة وخمسة وعشرون جما غفيرا))(1) , وروى ابن حبان في ((صحيحه)) وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه , قال : قلت : يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا )) قلت : يا رسول الله كم الرسل منهم ؟ قال : ((ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير ...))الحديث(2). ويروى : ((بعث الله ثمانية آلاف نبي , أربعة آلاف إلى بني إسرائيل , وأربعة آلاف إلى سائر الناس )) , أخرجه أبو يعلى بسند ضعيف . وروى البزاز من حديث جابر مرفوعا : ((إني لخاتم ألف نبي , أو أكثر)). وقوله : ((الوافرة)) أي الكثيرة , وفي نسخة : ((الباهرة)) أي الغالبة . (2) أشار بهذين البيتين إلى أنه سبحانه وتعالى خص من بني الأنبياء نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بخصائص : (منها) : أنه خاتم النبيين , قال تعالى : {وخاتم النبيين} (سورة . (1) ضعيف ; لأن في سنده علي بن يزيد الألهاني , متفق على ضعفه . (2) ضعيف جدا ; لأن في سنده أبا عمر الدمشقي , وهو متروك . @ يليه إبراهيم ثم موسى ونوح والروح الكريم عيسى وهم أولو العزم فمرسلو الأنام فالأنبياء فالملائك الكرام(1) . الأحزاب آية : 40) , وفي ((الصحيحين)) حديث : ((لانبي بعدي)) . قال الناظم من زياداته : ((والمبتدا)) , في في الخلق , ففي حديث الإسراء عند البزار : ((وجعلتك أول النبيين خلقا , وآخرهم بعثا )) , هكذا قال الناظم في شرحه . قلت : أورده الحافظ الهيثمي رحمه الله في ((مجمع الزاوائد)) (ج 1 ص 67 - 72) وقال : رواه البزار , ورجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال : عن أبي العالية أو غيره , فتابعه مجهول انتهى . فتبين بهذا أن الحديث ضعيف , والله تعالى أعلم .(ومنها) : أنه مبعوث إلى الثقلين أجمعين , أي الإنس والجن , قال تعالى : {وما أرسلناك إلا كافة للناس} الآية (سورة سبأ آية : 28) . وقال : {ليكون للعالمين نذيرا} (سورة الفرقان آية : 1) وقال : { وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } (سورة الأنعام آية : 19) , وفي ((الصحيحين)) : ((بعثت إلى الأحمر والأسود)) , وفيهما : ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة , وبعثت للناس عامة )) , وفي ((صحيح مسلم)) : ((وأرسلت إلى الخلق كافة )) . وأما الملائكة فصرح الحليمي , والبيهقي في ((شعب الإيمان )) أنه لم يبعث إليهم , وجزم به الحافظ العراقي في ((نكته)) على ابن الصلاح , وتبعهم الشيخ المحلي , وقال : حكى الإمام فخر الدين , والنسفي في ((تفسيريهما )) الإجماع على ذلك .(ومنها) : تفضيله على جميع العالمين من الأنبياء والملائكة وغيرهم , وهذا مجمع عليه , إلا ما حكي عن الزمخشري أنه فضل عليه جبريل , وردوا , وشنعوا عليه في ذلك . والله تعالى أعلم . (1) أشار بهذين البيتين إلى أن بعد نبينا صلى الله عليه وسلم في الفضل إبراهيم , ثم موسى , ثم عيسى , ثم نوح , وهؤلاء مع النبي صلى الله عليه وسلم هم أولو العزم من الرسل المذكورين في @ واختلفت في خضر أهل النقول قيل ولي ونبي ورسول 1385 لقمان ذي القرنين حوا مريم والمنع في الجميع رأي المعظم(1) . سورة الأحقاف , أي أصحاب الجد والاجتهاد , ثم بعدهم سائر الرسل فهم أفضل من الأنبياء , وبعدهم الأنبياء ثم الملائكة وهذا ما عليه الجمهور .قال الناظم في شرحه : وذهب المعتزلة , وبعض أصحابنا كالقاضي , والأستاذ أبي إسحاق , وأبي عبد الله الحاكم , والإمام في ((المعالم )) , وأبي شامة إلى تفضيل الملائكة . قال البيهقي في ((الشعب)) : ولكل وجه , والأمر فيه سهل , وليس فيه من الفائدة إلا معرفة الشيء على ما هو عليه .وقال السبكي : لو أقام الإنسان , ثم لم يخطر بباله مسألة التفضيل بين الملائكة والأنبياء لم يسأله الله عن ذلك . قلت : ما أحسن كلام السبكي هذا , فيا ليت العلماء لم يخوصوا في مثل هذا الذي لم ينزل الله به سلطانا , وياليتهم لم يشغلوا الوقت بما لا يسألون عنه في الآخرة , وكم من مسائل أمثال هذه قد شغلوا أنفسهم في البحث عنها , والتخالف فيها , وتبعهم الناس في ذلك عوامهم وخواصهم , فإنا لله , وإنا إليه راجعون. وبالجملة فالسلامة في مثل هذا السكوت , لسكوت الشارع الحكيم عن بيانه , وسكوت الصحابة والتابعين عن الخوض فيه , ألا يسعنا ما وسعهم ؟ فانتبهوا يا أولي الأبصار . والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل . (1) أشار بهذين البيتين إلى أنه اختلف في نبوة بعض الناس , منهم الخضر ,فقيل : ولي , وقيل : نبي , وقيل :رسول . قلت : الذي يظهر لي أنه نبي بدلالة الآيات , كقوله تعالى : {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما } (سورة الكهف آية : 65) , وقوله:{فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من @ ربك وما فعلته عن أمري } الآية (سورة الكهف آية : 82).قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في رسالته ((الزهر النضر في نبأ الخضر)) ضمن ((الرسائل المنيرية)) (ج2 ص 591-432) : والذي لا يتوقف فيه الجزم بنبوته , ولو ثبت أنه ملك من الملائكة لارتفع الإشكال . انتهى.والأصح أنه مات , وإليه ذهب المحققون , كالبخاري وغيره , وقال الحافظ في رسالته المذكورة بعد أن ذكر الاختلاف في ذلك , وأدلة كل فريق بما لا تجده في كتاب غيره ك- ما نصه : والذي تميل إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام من استمرار حياته , إلى أن قال : وأقوى الأدلة على عدم بقائه عدم مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وانفراده بالتعمير من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي . انتهى. ومنهم : لقمان الحكيم , والأكثرون على أنه حكيم , وليس بنبي . ومنهم : ذو القرنين , واسمه الإسكندر , وقيل : غيره , فمنهم من قال بنبوته , ومنهم من قال :كان عبدا صالحا , وليس بنبي . قلت: الأرجح عندي الوقف في ذلك , لعدم دليل صريح فيه .واختلف أيضا في نبوة نسوة , أشهرهن مريم . قال السبكي : ويشهد لنبوتها ذكرها في سورة مريم مع الأنبياء , وهو قرينة , وحواء , وسارة , وأم موسى , وآسية امرأة فرعون , ولم يصح في ذلك شيء , فلا يصح القول بنبوة النساء . والله تعالى أعلم . وأشار بقوله : ((والمنع في الجميع رأي المعظم)) إلى أن عدم القول بنبوة المذكورين هو رأي الجمهور . قلت : القول في هذه المسألة كالقول في مسألة التفضيل المتقدم , لكن الذي يبدو أن القول بنبوة الخضر هو الراجح , لما تقدم . والله تعالى أعلم .@ معجزة الرسول أمر خارق لعادة مع ادعا موافق(1) ولم يكن عورض والإيمان تصديق قلب أي الاطمئنان وإنما بالنطق ممن قد قدر بكلمة الشهادتين يعتبر والنطق شرط فيه عند الخلف ومنه شطر عند جل السلف(2) . (1) أشار بهذا البيت إلى أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي , مع عدم المعارضة , فشمل الأمر القول والفعل , والإعدام , كما لو تحدى بإعدام جبل , فانعدم , فخرج بالخارق للعادة غيره , كطلوع الشمس كل يوم , وبالمقرون بالتحدي - والمراد به دعوى الرسالة , كما عبر به في ((النظم)) - الخارق من غير تحد وهو كرامة الولي , أو غير مقارنة بأن يتقدم عليه كالنور الذي ظهر في جبهة أبي النبي صلى الله عليه وسلم - إن ثبت , ويسمى إرهاصا - بالمهملة , وهو التأنيس , أو تأخر عنه بما يخرجه عن المقارنة العرفية , وإفهام المقارنة في ((النظم)) من لفظ ((مع)) , وبالموافق غيره , بأن تحدى بنطق طفل , أو جماد فنطق بتكذيبه , فإنه لا يكون معجزة , ولا يدل على تصديقه على الصحيح كما قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي , وجزم به إمام الحرمين في ((النظامية)) , وبعدم المعارضة السحر , والشعبذة- وهي خفة اليد مع خفة الحيلة - فإنه يمكن معارضتها , وسميت المعجزة لتضمنها تعجيز المرسل إليهم عن المقابلة بمثلها , إذ لا معارضة . والله تعالى أعلم .(2) وأشار بهذه الأبيات إلى بيان الركن الأول من أركان الدين التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) , وهو الإيمان , وهو في اللغة التصديق , وفي الشرع تصديق القلب بكل ما علم بالضرورة مجيء النبي صلى الله عليه وسلم به , دون الأمور الاجتهادية , كذا قاله الأشعري , والأكثرون , أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم في تفسيره : ((أن تؤمن بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , والقدر خيره وشره ...)) الحديث . وقوله : ((أي الاطمئنان)) إشارة إلى أن معنى تصديق القلب هو الإذعان والقبول له , والتكليف بذلك , وإن كان من الكيفيات النفسانية دون الأفعال @ وجاز أن يقول إني مؤمن إن شاء ربي خشية أن يفتن 1390 بل هو أولى عند جل السلف وأنكر القول بهذا الحنفي(1) . الاختيارية بالتكليف بأسبابه , كإلقاء الذهن , وصرف النظر ,وتوجيه الحواس , ورفع الموانع . ثم إن مجرد التصديق لا يكفي , بل لا بد معه من النطق بالشهادتين من القادر , فلا يحصل الإيمان إلا بمجموع ذلك , فإن القول مأمور به كالاعتقاد , قال الله تعالى : {قولوا آمنا بالله} الآية (سورة البقرة آية : 136) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله )) , فإن عجز لخرس , أو اخترمته المنية قبل التمكن منه صح إيمانه , وإن عرض عليه التلفظ , فأبى مع القدرة , كأبي طالب لم يكن مؤمنا بالاتفاق , وكذا إن لم يعرض عليه عند الجمهور , وهو الصواب , خلافا لبعضهم . ثم على المشهور هل التلفظ شرط للإيمان ؟ أو شطر منه بمعنى أنه أحد ركنيه , ويكون الإيمان هو المجموع , فيه قولان : وعلى الأول المتكلمون , وعلى الثاني أكثر السلف . قلت : المذهب الذي عليه أكثر السلف هو الصواب الذي تؤيده نصوص الكتاب والسنة , كما أشرنا إليه قريبا , والله تعالى أعلم . وقوله : ((ولم يكن عورض)) من تمام تعريف المعجزة الماضي . قوله : ((والنطق شرط فيه عند الخلف)) , وفي نسخة :((والنطق شرط عند أهل الخلف)) , وقوله : ((ومنه شطر)) أي جزء من الإيمان . والله تعالى أعلم .(1) وأشار بهذين البيتين إلى مسألة اختلف فيها , وهي قول الإنسان : أنا مؤمن إن شاء الله , حكي قول ذلك عن جمهور السلف , كعمر بن الخطاب , وابن مسعود , وعائشة , والحسن , وابن سيرين , ومنصور , ومغيرة , والأعمش , وليث ابن أبي سليم , وعطاء بن السائب , وعمارة بن القعقاع , والعلاء بن المسيب , @ وإسماعيل بن أبي خالد , وعبد الله بن شبرمة , والثوري , وابن عيينة - وقال : إنه توكيد للإيمان - وحمزة الزيات , وعلقمة , وحماد بن زيد , والنضر بن شميل , ويزيد بن زريع , ويحيى بن سعيد القطان , والنخعي , وطاوس , وأبي البختري سعيد بن فيروز , ويزيد بن أبي زياد , وعلي بن خليفة , ومعمر , وجرير بن عبد الحميد , وابن المبارك , والأوزاعي , ومالك , وابن مهدي , والشافعي , وأبي ثور , وآخرين , واختاره أبو منصور الماتريدي , بل بالغ قوم من السلف , وقالوا : إنه أولى , وعابوا على قائل : إني مؤمن . أخرج ذلك ابن أبي شيبة في ((كتاب الإيمان)) . ومنع من ذلك أبو حنيفة وطائفة , وقالوا : هو شك , والشك في الإيمان كفر . وأجيب عن ذلك بأوجه : (أحدها) : أنه لا يقال شكا , بل خوفا من سوء الخاتمة , لأن الأعمال معتبرة بها , كما أن الصائم لا يحكم له بالصوم إلا في آخر النهار . (الثانية) : أنه للتبرك , وإن لم يكن شك , كقوله تعالى : {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } الآية (سورة الفتح آية : 27). (الثالثة): أن المشيئة راجعة إلى الإيمان , فقد يخل ببعضه , فيستثني لذلك . وقوله : ((أن يفتن)) بالبناء للمفعول , وهو مرفوع , و((أن)) مهلمة , وهو لغة لبعض العرب , كما قال ابن مالك في ((الخلاصة)) : وبعضهم أهمل أن حملا على ما أختها حيث استحقت عملا وقوله : ((عند جل السلف)) , وفي نسخة :((عند كل السلف )), والظاهر أن الأولى هي الأولى . والله تعالى أعلم . @ والمرتضى عن عظماء الشان قبوله للزيد والنقصان(1) وعمل الجوارح الإسلام وشرطه الإيمان والتمام(2) بعد حصول ذين بالإحسان أن تعبد الله على العيان(3) والفسق لا يزيل الإيمان ولا يخلد الفاسق فيها للملا(4) 1395 .(1) أشار بهذا البيت إلى أن المختار أن الإيمان يزيد بالطاعة , وينقص بالمعصية , فقد أخرج عبد الرزاق في ((مصنفه)) عن سفيان الثوري , ومالك , والأوزاعي , ومعمر , وابن جريج , وغيرهم أن الإيمان يزيد وينقص . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى أن الإسلام هو أعمال الجوارح , فقد فسره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ((أن تشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمدا رسول الله , وتقيم الصلاة ,وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان , وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)). وأشار بقوله : ((وشرطه الإيمان)) إلى أن الإسلام لا يقع معتبرا به إلا بالإيمان , فهو شرط لصحة الأعمال المذكورة . والله تعالى أعلم . وقوله : ((والتمام)) يأتي شرحه مع ما بعده . (3) أشار بهذا البيت إلى أن الإحسان متمم للإيمان والإسلام , وهو المراقبة لله عز وجل , كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ((أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) . والله تعالى أعلم .(4) أشار بهذا البيت إلى أن الفسق بارتكاب الكبيرة لا يزيل اسم الإيمان , بل مرتكب ذلك مؤمن عاص , خلافا لقول المعتزلة : إنه يزيله , بمعنى أنه واسطة بين الكفر والإيمان , ولقول الخوارج: إنه يزيله , ويدخله في الكفر , وأن من مات على فسقه فهو في مشيئة الله , إما يعذبه , وإما يغفر له , وإن عذب فلا يخلد في النار ,بل لا بد من إخرجاه منها , وإدخاله الجنة , خلافا للمعتزلة , والخوارج , روى ابن حبان وغيره حديث : ((من قال : لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره , يصيبه قبل @ .أول شافع ومن يشفع نبينا وهو المقام الأرفع (1) ولا يموت المرء إلا بالأجل والنفس بعد الموت تبقى للملل وفي فناها قبل بعث حصلا تردد وصحح السبكي لا (2) . ذلك ما أصابه )) , وهو حديث صحيح .قوله : ((الإيمان)) بنقل حركة الهمزة إلى اللام , وحذفها . وقوله : ((فيها)) الضمير للنار المفهومة من السياق . وقوله:((للملا)) أي عند جماعة أهل السنة , ووقع في نسخة : ((فيها العملا)) , والظاهر أنه تصحيف . والله تعالى أعلم .(1) أشار بهذا البيت إلى أن أول من يقوم للشفاعة , وتقبل شفاعته عند ربه هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الشيخان حديث : ((أنا أول شافع , وأول مشفع ...)) , وروى سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال : ((من كذب بالشفاعة فلا نصيب له فيها )) . وهي أقسام , أوصلها بعضهم إلى ستة , وبعضهم إلى أكثر , وأعظمها في تعجيل الحساب , والإراحة من طول الوقوف , وهي مختصة به صلى الله عليه وسلم بالنصوص الصريحة الصحيحة , وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله : {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} (سورة الإسراء آية : 79) وإلى هذا أشار في النظم بقوله : ((وهو المقام الأرفع)) . والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذين البيتين إلى أن أحدا لا يموت إلا بأجله , وهو الوقت الذي كتب الله في الأزل لانتهاء حياته فيه بقتل أو غيره , وزعم كثير من المعتزلة أن القاتل قطع بقتله أجل المقتول, وأنه لو لم يقتله لعاش أكثر من ذلك , ورد عليهم بقوله تعالى : {فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة , ولا يستقدمون} (الأعراف آية : 34) . وأشار بقوله : ((والنفس بعد الموت تبقى للملل )) إلى أن مذهب جميع أهل الملل , من المسلمين وغيرهم بقاء النفس بعد موت البدن , وخالف فيه الفلاسفة .@ وشهروا بقاء عجب الذنب والمزني يبلى وأول تصب (1) . واختلف هل يحصل لها عند القيامة فناء , ثم تعاد , أخذا بقوله تعالى : {كل من عليها فان} (سورة الرحمن آية : 26) , أو لا , بل تكون من المستثنين في قوله تعالى : {إلا من شاء الله} (سورة النمل آية : 87) , قولان حكاهما السبكي في ((تفسيره)) , وابن القيم في ((الروح)) . قال السبكي : والأقرب أنها لا تفنى , وأنها من المستثنى كما قيل في الحور العين . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه اختلف في عجب الذنب [1] على قولين : المشهور أنه لا يبلى , لحديث ((الصحيحين)) : ((ليس من الإنسان شيء إلا يبلى , إلا عظما واحدا , وهو عجب الذنب , منه يركب الخلق يوم القيامة )) , وفي رواية لمسلم :((كل ابن آدم يأكله التراب , إلا عجب الذنب , منه خلق , ومنه يركب )) , وفي رواية لأحمد , وابن حبان : قيل : وما هو يا رسول الله ؟ قال : ((مثل حبة خردل , منه ينشأون , وهو في أسفل الصلب عند رأس العصعص))(*) . واختار المزني أنه يبلى كغيره , لقوله تعالى : {كل شيء هالك إلا وجهه } (سورة القصص آية : 88) , وتأويل الحديث على أنه لا يبلى بالتراب كما يميت الله ملك الموت بلا ملك موت , ووافقه ابن قتيبة . قوله : ((وأول تصب)) أي أول له بالتأويل المذكور . قلت: لكن الذي عليه الجمهور , وهو التمسك بخصوص الحديث - كما قال ولي الدين رحمه الله - أولى من عموم الآية , فالأرجح ما عليه الجمهور . والله تعالى أعلم. [1] ((العجب)) بفتح العين المهملة, وسكون الجيم , بعدها , موحدة : أصل الذنب , ومؤخر كل شيء . أفاده في ((القاموس)) .(*) ((العصعص)) بضم أوله , وأما الثالث فيضم , وقد يفتح تخفيفا : عجب الذنب . ا ه ((المصباح المنير)) . @ 1400 والروح عنها أمسك النبي مع سؤاله فلا تخض فيها ودع(1) حق كرامات للأولياء قال القشيري بلا انتهاء لولد بدون والد وما أشبهه قيل وهذا المعتمى(2) . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه لا ينبغي الخوض في معرفة حقيقة الروح , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عنها مع أنه سئل عنها , لعدم نزول الأمر ببيانها , قال تعالى : {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } الآية (سورة الإسراء آية : 85) . قلت : هذا هو الحق الذي دل عليه النص الصريح , ومن أعجب ما رأيت للعلماء المتأخرين في هذه المسألة أنهم يبحثون عن حقيقة الروح , ويختلفون في ذلك اختلافا كثيرا , مع أنهم يعلمون ان الله تعالى أنزل في شأنها هذه الآية , وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخض فيها , وكذلك الصحابة , فياليتهم لم يخوضوا فيه , ولم يكلفوا أنفسهم علم ما لا تستطيع الوصول إلى حقيقته , {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء : 36) . (2) أشار بهذين البيتين إلى أن مذهب أهل السنة إثبات كرامات الأولياء , وهم العارفون بربهم حسبما يمكن , المتمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , المواظبون على الطاعات , المجتنبون للمعاصي , المعرضون عن الانهماك في اللذات والشهوات . وقد وقع من الصحابة والتابعين خوارق لا يمكن إنكارها , كجريان النيل بكتاب عمر رضي الله عنه , ورؤيته وهو على المنبر بالمدينة جيشه بنهاوند حتى قال لأمير الجيش : يا سارية الجبل الجبل , كما روى البيهقي في ((الدلائل)) , والالكائي في ((السنة)) وابن الأعرابي في ((كرامات الأولياء)) بسند حسن عن نافع عن ابن عمر , قال :((وجه عمر جيشا ورأس عليهم رجلا يدعى سارية , فبينما عمر يخطب جعل ينادي يا سارية الجبل , يا سارية الجبل ثلاثا , ثم قدم رسول الجيش , فسأله عمر , فقال : يا أمير المؤمنين هزمنا , فبينا نحن كذلك , إذ سمعنا صوتا ينادي : يا سارية الجبل ثلاثا , فأسندنا ظهرنا إلى الجبل , فهزمهم الله )).@ وأنكرت المعتزلة الكرامات , وأنكر الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ما كان معجزة لنبي , كإحياء الموتى , وقلب العصا حية , وفلق البحر , قال : وإنما مبالغ الكرامات إجابة دعوة , أو موافاة ماء في فلاة في غير موضع المياه ونحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات , وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : لا تنتهي الكرامات إلى حصول إنسان لا من أبوين , وقلب جماد بهيمة , وأمثال هذا , قال ابن السبكي في ((منع الموانع)) : وهذا حق يخصص قول غيره : ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي , لا فارق بينهما إلا التحدي . ورد عليه الزركشي , فقال : ليس الأمر كما قال , بل هذا الذي قاله القشيري مذهب ضعيف , والجمهور على خلافه , وقد أنكروه عليه حتى ولده أبو نصر في كتابه ((المرشد)) ووإمام الحرمين في ((الإرشاد)) , والنووي في ((شرح مسلم)) ,فقال : الكرامات تجوز بخوارق العادات على اختلاف أنواعها , ومنعه بعضهم , وادعى أنها تختص بمثل إجابة دعاء , وهذا غلط من قائله , وإنكار للحس , بل الصواب جريانها بقلب الأعيان ونحوه . انتهى . قلت : ما قاله النووي رحمه الله هو الحق عندي . والله تعالى أعلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((العقيدة الواسطية )) : ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء , وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم , والمكاشفات , وأنواع القدرة والتأثيرات , والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها , وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين , وسائر فرق الأمة , وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة . انتهى .وقوله : ((للأولياء)) بنقل حركة الهمزة إلى اللام , وحذفها للوزن . والله تعالى أعلم .@ ولا نرى تكفير أهل القبلة ولا الخروج أي على الأئمة(1) . (1) أشار بهذا البيت إلى مسألتين : (الأولى) : ما قاله الشافعي , وأبو حنيفة , والأشعري : لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب أجرمه , وروى البيهقي بسند صحيح أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سئل هل كنتم تسمون من الذنوب كفرا , أو شركا , أو نفاقا ؟ قال : معاذ الله , لكنا نقول : مؤمنون مذنبون . قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((سير أعلام النبلاء)) (ج 15 ص 88) في ترجمة أبي الحسن الأشعري رحمه الله - ما نصه :رأيت للأشعري كلمة أعجبتني , وهي ثابتة ,رواها البيهقي , سمعت أبا حازم العبدري , سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول : لما قرب أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني , فأتيته , فقال : اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة , لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد , وإنما هذا كله اختلاف العبارات . قلت : وبنحو هذا أدين , وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول : أنا لا أكفر أحدا من الأمة , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))(*) فمن لازم الصلوات بوضوء , فهو مسلم انتهى كلام الذهبي رحمه الله تعالى . قلت : وهو كلام حسن جدا ينبغي التنبه له . والله تعالى أعلم . وشرح الشيخ المحلي على أن المراد : لا نكفر أحدا ببدعته , كمنكري صفات الله , وخلق أفعال عباده , وجواز رؤيته يوم القيامة , قال : ومنا من كفرهم , أما من خرج ببدعته عن أهل القبلة , كمنكري حدوث العالم , والبعث , والحشر للأجسام , والعلم بالجزئيات , فلا نزاع في كفرهم , لإنكارهم بعض ما علم مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم به ضرورة .(*) حديث صحيح أخرجه أحمد , والدارمي , والحاكم , وابن حبان .@ من الفروض النصب للإمام ولو لمفضول على الأنام(1) حق عذاب القبر كالسؤال لمن عدا الشهيد والأطفال(2) 1405 . (الثانية) : أن مذهب أهل السنة أنه لا يجوز الخروج على الأئمة , سواء كانوا عدولا , أو جورة , وجوزت المعتزلة الخروج على الجائر لانعزاله بالجور عندهم,وهو قول باطل منابذ للأدلة الصحيحة الصريحة في النهي عن الخروج على الأئمة الجورة إلا بكفر بواح . (1) أشار بهذا البيت إلى أنه يجب على الناس نصب إمام يقوم بمصالحهم , كسد الثغور , وتجهيز الجيوش , وقهر المتغلبة , والمتلصصة , وقطاع الطريق , وغير ذلك , لإجماع الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على نصبه , حيث جعلوه أهم الواجبات , وقدموه على دفنه , ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك , ثم لا يتعين نصب الفاضل , بل يكفي نصب المفضول , وزعمت المعتزلة أن وجوبه بالعقل , وذهبت الخوارج إلى أنه لا يجب , والإمامية إلى أنه يجب على الله تعالى , وطائفة من أهل السنة إلى منع نصب المفضول مع وجود الفاضل , وعدم انعقاد الإمامة له . وكلها أقوال مردودة .قوله : ((على الأنام)) متعلق ب ((الفروض)). والله تعالى أعلم . (2) أشار بهذا البيت إلى مسألتين مما يجب اعتقادهما : (إحداهما) أن عذاب القبر حق يجب الإيمان به , قال الله تعالى : {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} (سورة غافر آية : 46) أي في البرزخ بدليل قوله بعده : {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (سورة غافر آية 46) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((عذاب القبر حق)) , حديث صحيح أخرجه أحمد , والنسائي , ومر على قبرين فقال : ((إنهما ليعذبان ...) متفق عليه . وقد اختلف في عذاب القبر , هل هو للروح فقط , أو لها وللبدن ؟ والأكثرون @ -كما قال ابن تيمية- على الثاني , وفي أنه يكون بعد إحياء الميت بجملته , أو بعد إحياء أقل جزء يحتمل الحياة والعقل ؟ وعلى الأول الحليمي , وعلى الثاني ابن جرير , وإمام الحرمين . قلت : الأول هو الأرجح عندي , لظواهر النصوص ; كالحديث الآتي في المسألة التالية , ,والله تعالى أعلم .(الثانية) : أن سؤال الملكين في القبر حق , لحديث : (( إذا وضع العبد في قبره , وتولى عنه أصحابه , وإنه ليسمع قرع نعالهم , أتاه ملكان , فيقعدانه , فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل -لمحمد صلى الله عليه وسلم - فأما المؤمن , فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله , فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا , إلى أن قال : وأما المنافق , أو الكافر , فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل , فيقول : لا أدري , كنت أقول ما يقول الناس , فيقال : لا دريت , ولا تليت , ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين )) متفق عليه . وأشار بقوله : ((لمن عدا الشهيد والأطفال )) إلى أنه يستثنى من السؤال المذكور الشهيد والأطفال . قال الناظم في ((شرحه)) : أما الشهيد ففي ((صحيح مسلم)) أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه , فقال : ((كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)) (1). وأما الأطفال , ففي سؤالهم قولان , حكاهما ابن القيم عن الحنابلة : (أحدهما) : يسألون لحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى على صبي , فقال : ((اللهم أعذه عذاب القبر)) أخرجه مالك في ((الموطأ)) . (الثاني) : لا , لأن السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمرسل , فيسأل ,
Shafi 610