وهل تختلف لغة جورج بوش الدينية أو لغة البابا عن لغة أسامة بن لادن وأعوانه في تنظيم القاعدة؟! ألا يصور كل منهم الآخر على أنه الشيطان الشرير أو الإرهابي غير المتحضر؟! ألا يدعي كل منهم أن الله معه في حربه المقدسة من أجل الخير والعدل والسلام والتحضر.
وأي حضارة هذي التي تؤدي إلى هذه المذابح البشرية في أفغانستان أو العراق أو الصومال أو غيرها؟ كيف تخفت المذابح لإبادة الشعب الفلسطيني تحت اسم معاهدات السلام؟
منذ نشوء النظام الطبقي الأبوي وحتى اليوم تراق الدماء البريئة من الشعوب نساء ورجالا وأطفالا تحت شعارات دينية ووطنية، لا يوجد فاصل بين الدين والوطن في الشرق والغرب، في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو غيرها، ينظر جورج بوش إلى العساكر الأمريكيين الذين يقتلون في أفغانستان على أنهم أبطال الوطن وشهداء المسيحية، وينظر أسامة بن لادن إلى القتلى من أعوانه على أنهم شهداء الإسلام، وماذا يدهشنا في ذلك وسيلة التشابه في اللغة والسلوك والهدف بين القادة السياسيين الذين يستخدمون الدين وسيلة لتحقيق أهدافهم العسكرية والاقتصادية، إن الدين يخدم السياسة منذ نشوء الدين والسياسة، وتشمل الكتب الدينية على نصوص سياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية، بالإضافة إلى النصوص الأخلاقية والاجتماعية والشخصية، ربما أوضح مثال على ذلك هو ما جاء في كتاب التوراة عن التفرقة الصارخة على أساس الجنس، واعتبار حواء هي المسئولة عن إثم المعرفة تستحق عقاب الله، وذلك بأن يسود عليها زوجها، من هنا ارتدت السلطة الأبوية الذكورية رداء مقدسا توارثته الأديان الأخرى من بعدها، وفي التوراة أيضا جاءت الآية التي شرعت العنصرية بأن رفعت الشعب اليهودي إلى درجة أعلى من شعوب العالم، فأصبح يحمل لقب شعب الله المختار، وفي التوراة أيضا جاء النص الذي يدعو فيه الله شعبه المختار للاستيلاء على أرض كنعان «فلسطين» وإبادة سكان هذه الأرض لمجرد أنهم لا يؤمنون بإله اليهود، إنها الأرض الموعودة التي منحها الله لليهود مقابل ختان الذكور كما نصت التوراة، هكذا شرعت التوراة الحرب المقدسة من أجل الأرض تحت اسم إبادة الكفار غير المؤمنين، كما شرعت ختان الذكور كعهد مقدس بينهم وبين الله.
ما علاقة الاستيلاء على أرض الغير بالقوة المسلحة وقطع الغرلة من حول رأس العضو الذكري؟
وقد دخلت فكرة «حجاب المرأة» ضمن المقدسات منذ نشوء الديانة اليهودية ، وينص التلمود على أن شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري، وتعتبر الزوج هو رأس المرأة، والمرأة بدون زوج هي مجرد جسد بدون رأس، ويصلي الرجل اليهودي كل صباح قائلا: أحمدك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة.
مع ذلك فقد استطاعت الآلة الإعلامية الأمريكية الإسرائيلية أن تحجب هذه الحقائق التاريخية عن عقول الناس؛ لتصور الإسلام وحده على أنه مصدر حجاب المرأة، رغم أنه لا يوجد نص واحد في القرآن يدعو إلى ختان المرأة أو تغطية رأسها أو شعرها، ولا يوجد نص واحد يقول إن حواء هي سبب الإثم والخطيئة؛ لأنها أكلت من شجرة المعرفة كما ورد في التوراة.
إن القوة العسكرية المدعمة بقوة إعلامية قادرة دائما على قلب الحقائق أو إخفائها، وما دامت القوة هي التي تحكم فلا يمكن لعالمنا البشري أن يعيش في سلام حقيقي قائم على العدل والحرية، ولا بد من كشف هذا التزييف الفكري، أو رفع الحجاب عن عقول الملايين شرقا وغربا.
إن الدراسات المقارنة للأديان تؤكد لنا التشابه الكبير بين الديانات، خاصة الأديان السماوية الثلاثة، وهناك الكثير من المبادئ الإنسانية في هذه الأديان كالعدل والرحمة والمحبة والسلام تكاد تشبه ما ورد في فلسفة إيزيس ونوت، وهناك نصوص في كتاب التوراة تشبه أناشيد أخناتون ونفرتيتي، وصورة العذراء مريم تحمل المسيح تكاد تكون نسخة مكررة من صورة إيزيس تحمل طفلها حورس، وقد تحول الثالوث المقدس بعد نشوء النظام الطبقي الأبوي إلى الأب والابن والروح القدس (الأم المختفية وراء حجاب) بعد أن كان في الأصل: الأم والابنة والروح القدس «الأب المجهول».
كان الأب في بداية التاريخ البشري مجهولا؛ ولهذا كان أغلب الأنبياء بدون أب، النبي موسى لم يكن له أب وكانت أمه هي التي أنقذته من الموت على يد فرعون، وهي التي أرضعته وعلمته وجعلته نبي اليهود، والمسيح لم يكن له أب، وكانت أمه السيدة مريم هي التي أنقذته من الموت وهربت به إلى مصر ثم جعلته نبي المسيحية، ونبي المسلمين «محمد» ماتت أمه وهو طفل، لكنها تنبأت بنبوته وهو في رحمها، وتزوج في العشرين من عمره من السيدة خديجة التي كانت تكبره بعشرين عاما، فأصبحت له بديل الأم ربته وعلمته وأنفقت عليه من مالها وعلمها، حتى نزل عليه الوحي في غار حراء فأسرع إليها ينتفض قائلا: «دثروني دثروني.» فأخذته في حضنها كالأم وطمأنته، وكانت أول من ناداه باسم رسول الله.
إلا أن مساهمة الأم ودورها في إعداد الأنبياء قد اندثر في التاريخ الأبوي الطبقي، وأصبح «الأب» هو الأصل وهو الأساس، وتذوب صورة الأب في صورة الإله في اليهودية والمسيحية، وهناك نص في كتاب التوراة: «وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض، وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا.»
Shafi da ba'a sani ba