203

Karya Iyakoki

كسر الحدود

Nau'ikan

قرأت ما نشره الأستاذ سلامة أحمد سلامة بجريدة الأهرام 14 يناير 2001، وأنا أتفق معه في أن محاكمة أو الحكم على الأعمال الإبداعية ليس من وظائف وزارة الثقافة.

لكني أختلف معه في أن يكون قانون العقوبات هو الحكم في مثل هذه الأمور المتعلقة بالإبداع الأدبي أو الفكري، لأن قانون العقوبات يختص بالأفعال التي تشكل اعتداء على الآداب العامة، كالسب والقذف، قد يحكم القانون بالعدل في هذه الحالات، إلا أن المجال القانوني (في رأيي) لا يمكن أن يكون هو الدستور الأخلاقي الذي يضبط إيقاع النشاط الإبداعي والفكري كما يقول الأستاذ سلامة.

ومن هنا السؤال: من إذن يتولى الحكم على الأعمال الإبداعية كالروايات مثلا؟

إن الرواية عمل إبداعي يجمع الخيال والواقع معا، وهي تقدم للناس أي الشعب، والمفروض أن يحكم الشعب بنفسه على الأعمال الإبداعية، وأن تكون له حرية القراءة أو عدم القراءة، أليس الأساس الأول للديمقراطية هو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه؟ وأن تكون له حرية النقد والمعارضة، وأن يكون مسئولا عن اختيار ممثليه في البرلمان مثلا؟ فكيف لا يكون هذا الشعب مسئولا عن اختيار الروايات التي يقرؤها؟

ربما يقول البعض إن الشعب في بلادنا لم ينضج بعد حتى يمكنه الحكم على الروايات الأدبية، لكن إذا عجز الشعب عن اختيار ما يقرأ، فهل يكون في مقدوره أن يختار من يمثله في البرلمان أو مجلس الشعب أو المجالس النيابية الأخرى؟!

وإذا كنا نعطي هذا الشعب الحق في اختيار ممثليه الذين ينوبون عنه في وضع واتخاذ أهم القرارات السياسية والاقتصادية، فمن المنطقي أن يعطى هذا الشعب الحق في اختيار ما يقرأ من روايات أو قصص أدبية.

إن إعراض القراء عن الرواية هو أكبر عقاب لمؤلفها، وكم من روايات سقطت بسبب إعراض الناس عنها، هذا السقوط أقوى من القرارات الإدارية أو الوزارية أو أي قرار يصدر عن المحكمة بمصادرة الرواية؛ لأن الجمهور نفسه هو الذي يصادرها بحريته واختياره دون انتظار القرارات العليا.

لقد اتضح في معظم بلاد العالم أن الأعمال الإبداعية التي تمنع بالقوة الإدارية أو السياسية هي التي تلقى رواجا بين الجماهير، ذلك أن الإنسان بالطبيعة والفطرة يكره الوصاية، ويقبل على الممنوعات إرضاء لغريزة الاستطلاع وحب المعرفة.

في الدراسات النفسية الأخيرة عن القدرات الإبداعية عند الأطفال اتضح أن الطفلة أو الطفل يولد سليم الأعضاء والخيال، إن حاجة الإنسان إلى الخيال مثل حاجته للطعام والهواء، وبالطبيعة والفطرة يولد الخيال الإنساني قويا لدى الأطفال، يجعلهم قادرين على الإبداع والإحساس بوجود العدل أو غيابه، هناك علاقة وثيقة بين الإبداع والخيال والإحساس بالعدل والحرية والحب؛ لذلك يغضب الأطفال ويثورون لأي ظلم يقع عليهم.

إلا أن غياب العدل والحرية في أغلب العائلات يفسد خيال الأطفال ويقتل قدراتهم الإبداعية، ويجعلهم مثل النقود، يصبحوا أدوات لغيرهم، غير قادرين على الإحساس بالعدل أو الحرية أو الحب؛ بمعنى آخر عاجزين عن الفضيلة أو الإنسانية الحقيقية ذات الضمير الحي.

Shafi da ba'a sani ba