ِ
إشار البان
فلما نظرت الأشجار إلى طرب البان بينها، وتمايُله دونها، لامُوه على كثرة تمايله، وعَنَّفوه على عجبه بشمائله، فتمايل هنالك البان، وقال: لقد ظهر عُذرى عند الناس وبان، فمن ذا يلومني على تمايل أغصاني، واهتزاز خرصاني، وأنا الذي بسطت لي الرياض مطارفها، وأظهرت لي الأزهار زخارفها، وأهدت اليَّ نسماتُ الأسحار لطآئفها. فإذا رأيت ساعة نشور أموات النبات قد اقتربت، ورأيت الأرض وقد اهتزت وربت، ونفخ في صور رعدي ونسخ حكم وعيدي بإنجاز وعدي، وحان ورود وردى، فأنظر إلى الورد وقد ورد، وإلى البرد وقد شرد، وإلى الزهر وقد اتقد، وإلى الحب وقد انعقد، وإلى الغصن اليابس وقد اكتسى بعد ما انجرد، وإلى اختلاف المطاعم والمشارب وقد اتحد، فاعلم أن خالقها أحدٌ، ومنوعها صمدٌ، وموجودها بالقدرة قد انفرد، فلا يفتقر إلى أحدٍ، ولا يستغنى عنه أحدٌ، ولا يشاركه في ملكه أحدٌ، فهو الأحد الصمدُ
1 / 54